ماذا لو قبلت حماس خطة ترامب؟
في قاعة مزدحمة بالصحفيين وعدسات الكاميرات، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الاثنين إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليكشف عن ما وصفه بـ "خطة من 20 نقطة لإنهاء الحرب في غزة".
بدا المشهد وكأنه لحظة سياسية مفصلية، إذ قرأ ترامب تفاصيلها من وثيقة مؤكدا أنها قادرة على إيقاف نزيف الدم بين إسرائيل وحركة حماس خلال أيام قليلة.
بحسب الخطة، ستنتهي الحرب فور قبول الأطراف بها، وسيعود جميع الرهائن، أحياءً وأمواتاً، في غضون 72 ساعة من وقف إطلاق النار.
تفتح خطة ترامب الباب أمام عفو عن مقاتلي حماس الذين يختارون التخلي عن السلاح، ويعد بإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، بل ويضع أسساً لإنعاش اقتصادي عبر إنشاء منطقة خاصة تستقطب استثمارات وخبرات سبق أن غيّرت ملامح مدن مزدهرة في الشرق الأوسط.
وبينما تتعهد الخطة بعدم إجبار أي من سكان غزة على مغادرتها، فإنها تَعِدُ بمنحهم فرصة لبناء حياة أفضل داخل حدود القطاع.
لكن ما جعل الخطة محط أنظار العالم لم يكن فقط وعودها العاجلة بوقف النار، بل أيضاً تصورها لما بعد الحرب.
فقد تحدث ترامب عن مشروع يحمل اسم "غزة الجديدة"، حيث تُزال البنى العسكرية، وتُنشأ إدارة انتقالية من تكنوقراط فلسطينيين وخبراء دوليين، وتُغرق المنطقة بمساعدات إنسانية عاجلة ومشاريع إعادة إعمار ضخمة، على أن يشرف مجلس سلام دولي يقوده ترامب نفسه ويضم شخصيات بارزة مثل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر إثارة: ماذا سيحدث لو أن حماس، التي أشعلت شرارة الصراع في السابع من أكتوبر 2023، قبلت بهذه الخطة؟ وهل يمكن لـ"مجلس سلام" يقوده ترامب ويضم توني بلير أن يحظى بثقة الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولي على حد سواء؟
ماذا لو قبلت حماس خطة ترامب؟
في حال وافقت حركة حماس على خطة السلام، تبدأ المرحلة الأولى بوقفٍ فوري للعمليات العسكرية وتجميد خطوط القتال القائمة إلى حين تهيئة شروط انسحاب مرحلي للقوات الإسرائيلية.
ويترتب على ذلك أن تضع الحركة سلاحها جانباً، وتُدمَّر أنفاقها ومنشآت تصنيع الأسلحة التابعة لها. ومع هذه الخطوة، يُفترض أن يدخل القطاع في مرحلة جديدة عنوانها المساعدات الإنسانية المكثفة، وإدارة انتقالية غير سياسية، وتدفّق استثمارات تستهدف بناء ما سُمّي بـ "غزة الجديدة".
غير أن هذا القبول لا يبدو مساراً سهلاً؛ إذ وصف القيادي في الحركة محمود مرداوي البنود بأنها "قريبة من الموقف الإسرائيلي"، وفق ما نقلته صحيفة
يديعوت أحرنوت، ما يعكس حالة ارتباك داخلية في صفوف الحركة إزاء الشروط المطروحة.
وإلى جانب التعقيدات الفلسطينية، يحذر خبراء من أن تنفيذ الخطة سيضع الولايات المتحدة أمام تحدٍّ غير مسبوق.
فقد قال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في مؤسسة كارنيغي، لصحيفة
نيويورك تايمز، إن القبول المبدئي من حماس "سيجعل كل نقطة من الاتفاق خاضعة لمفاوضات حتى الموت"، مضيفاً أن ترامب جعل نفسه شخصياً المحور الرئيس لعملية المراقبة والتنفيذ، وهو ما يعني التزاماً أميركياً ثقيلاً وطويلاً.
أما في حال رفضت حماس المقترح، فإن العواقب قد تكون أشد قسوة.
ترامب أوضح، وفق ما ذكرته يديعوت أحرونوت، أن إسرائيل ستحصل حينها على دعم أميركي كامل "لإنهاء المهمة"، بينما ستُتوقع من الدول العربية والإسلامية المشاركة في إخراج حماس من غزة، حتى لو استدعى ذلك نشر قوات على الأرض.
انتقادات بريطانية لاختيار توني بلير
أثار إدراج اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في "مجلس السلام" المقترح ضمن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة، موجة واسعة من الجدل داخل حزب العمال البريطاني.
ورغم أن بلير وصف الخطة بأنها "جريئة وذكية" وأبدى استعداده للعمل تحت رئاسة ترامب في هذا المجلس الدولي للإشراف على المرحلة الانتقالية في غزة، إلا أن العديد من نواب حزبه لم يخفوا استياءهم، مذكرين بإرثه المثير للجدل ودعمه الصريح لغزو العراق عام 2003، وهو ما لم يغفره له كثير من أعضاء الحزب حتى اليوم، بحسب
فايننشال تايمز.
في هذا الشأن، وصف أحد وزراء الحزب فكرة مشاركة بلير في هذا الدور بأنها "تشبه مسلسلًا تلفزيونياً فقد كُتّابه السيطرة على حبكته"، فيما اعتبر نائب آخر معروف بدعمه الطويل للقضية الفلسطينية أن "الأمر فكرة سيئة للغاية، ولن يقبل بها كثير من زملائي الذين يشاركونني القلق العميق تجاه فلسطين".
في المقابل، تبنّت شخصيات أخرى نهجاً أكثر براغماتية، مثل النائبة العمالية إميلي ثورنبري، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، التي قالت إنها ستدعم أي مقترح يفتح الباب أمام حل الدولتين حتى لو أثار وجود بلير بعض الجدل داخل الحزب.
من جهته، اعتبر الوزير المحافظ السابق جيريمي هانت أن بلير يمكن أن يسهم إيجابياً في العملية، مستشهداً بدوره الحاسم في إنجاح عملية السلام في أيرلندا الشمالية.