سوريا للبنان.. حان وقت شراكة جديدة
في زيارة هي الأولى لمسؤول سوري رفيع إلى لبنان منذ سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024، وصل وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى بيروت، الجمعة، على رأس وفد رسمي رفيع يضمّ وزير العدل مظهر الويس، ورئيس جهاز الاستخبارات، حسن السلامة، ومساعد وزير الداخلية، عبد القادر طحان، إلى جانب وفد سياسي.
وتأتي الزيارة في وقت أبلغت دمشق وزارة الخارجية اللبنانية قرار تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري، وحصر جميع المراسلات بين البلدين بالطرق الدبلوماسية الرسمية.
"نتطلع إلى أن نطوي صفحة الماضي"
ودعا الشيباني، خلال لقائه الرئيس اللبناني، جوزيف عون، إلى تعميق العلاقات التاريخية التي تجمع بين لبنان وسوريا، وتصحيح ما حدث في السابق، وتعميق التعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والتجاري.
ونقل الشيباني إلى عون، في مستهل اللقاء، "تحيات الرئيس السوري أحمد الشرع"، مؤكداً "أهمية العلاقات التاريخية التي تجمع بين لبنان وسوريا، والتي يفترض تعميقها وتصحيح ما حصل في السابق، والذي أساء إلى صورة سوريا".
ودعا الوزير السوري "إلى تعميق التعاون في كلّ المجالات، لا سيما المجالين الاقتصادي والتجاري، مع وجود هذا الانفتاح على سوريا، وبعد رفع العقوبات عنها، لأن لبنان يمكن أن يستفيد من هذه التطورات الإيجابية".
وجدد الشيباني التأكيد "على سيادة لبنان، والحرص على إقامة علاقات متينة قائمة على الاحترام والتعاون".
وقال: "نتطلع إلى أن نطوي صفحة الماضي، لأننا نريد أن نصنع المستقبل". وأضاف أن بلاده جاهزة لمناقشة أي ملف عالق، سواء كان اقتصادياً أو أمنياً.
وأضاف: "لقد عانت شعوبنا من الحروب والمآسي، فلنجرب السلام".
وجدد الشيباني "دعوة الشرع لعون لزيارة سوريا"، قائلاً: "لبنان بلد الفرح والسعادة، وقدرنا أن تكون علاقاتنا الثنائية مرتكزة على أساس الأخوة والتعاون".
وبعد اللقاء، قال الوزير الشيباني في تصريح للصحفيين: "إن هذه الزيارة جاءت بتوجيه مباشر من الشرع، تأكيداً على عمق العلاقات السورية- اللبنانية، وأيضاً لفتح صفحة جديدة فيها، مبنية على الاحترام والتعاون، وحل جميع الملفات العالقة في الماضي، وبدء علاقات اقتصادية واستثمارية، مستفيدين من المناخ السياسي تجاه المنطقة، خاصة وأنه بعد سقوط النظام السابق، فإن سوريا تعيش مرحلة من التعافي وإعادة الإعمار، يجب أن تنعكس إيجاباً على لبنان وعلى العلاقة الأخوية والتاريخية بين الشعبين".
ماذا عن اللاجئين والموقوفين؟
ورداً على سؤال حول معالجة الأوضاع مع لبنان بما يخص الموقوفين والسجناء، وترسيم الحدود البحرية والبرية، قال الشيباني: "كل هذه القضايا على رأس الأولويات بالتأكيد. هناك مواضيع قد تهم الجانب السوري أكثر، ومواضيع تهم الجانب اللبناني بشكل أكبر، ولذلك وضعناها كافة على طاولة المناقشات، وهناك لجان تنظر فيها، ونتوقع أن يتم حلّ جميع هذه الأمور التي تعوق الانفتاح في العلاقة بشكل أكبر باتجاه المستقبل".
وأضاف: "نريد أن نتجاوز الماضي، ونبدأ بعلاقات منفتحة تعود بالمنفعة على الشعبين".
ورداً على سؤال عن موضوع النازحين السوريين، قال الشيباني: "اللاجئون السوريون عندما نزحوا من سوريا، لم يكن الأمر باختيارهم. كانت هناك حرب مدمرة".
وأضاف: "نتوقع، بعد زوال السبب الذي دفع الناس إلى الهجرة والنزوح، أن يتم حلّ هذا الموضوع تدريجياً. هناك خطط نناقشها اليوم بدعم دولي، لكي تكون هناك عودة كريمة ومستدامة، وتعالج الوضع ما بعد الحرب في سوريا من خلال البنى التحتية وإعادة الإعمار وغير ذلك".
محادثات ثنائية وملفات شائكة
تلبّي الزيارة دعوة رسمية من وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، يوسف رجي، وتستمرّ يوماً واحداً، يجري خلالها الشيباني لقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين لبحث إعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية ومناقشة ملفات ثنائية عدة، أبرزها ترسيم الحدود وقضية السجناء السوريين في سجن رومية، بحسب وسائل إعلام لبنانية.
تعليق المجلس الأعلى اللبناني السوري
قبل ساعات من وصول الشيباني، تبلّغت الخارجية اللبنانية عبر السفارة السورية في بيروت قرار دمشق تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني السوري الذي تأسّس عام 1991 بموجب "معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق".
ويقضي القرار بحصر كلّ أشكال التواصل بين البلدين عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية فقط.
ويضمّ المجلس في عضويته رئيسي جمهوريتي البلدين، ورئيسي حكومتيهما ونائبيهما، إلى جانب رئيس مجلس النواب اللبناني ورئيس مجلس الشعب السوري، وتتمثّل مهمّته بوضع السياسات العامة للتعاون والإشراف على تنفيذها، وتُعدّ قراراته ملزمة ضمن الأطر الدستورية.
وكان وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجي، قد يعتزم طرح إلغاء المجلس بالكامل خلال محادثاته مع نظيره السوري، بحجّة "انتفاء الأسباب التي قام على أساسها"، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام لبنانية.
زيارة بعد التحوّل السياسي في دمشق
تأتي هذه الزيارة الأولى من نوعها بعد سقوط النظام السابق في دمشق وتسلّم الرئيس السوري، أحمد الشرع، الحكم، ما يمنحها رمزية سياسية خاصة في سياق إعادة فتح القنوات الدبلوماسية بين بيروت ودمشق بعد أكثر من عقد على الجمود والتوتر.