سياسة

فنزويلا في مرمى واشنطن.. حرب المخدرات أم فصل جديد من التدخل؟

نشر
blinx
بعد هايتي التي شهدت تدخلا عسكريا مباشرا، وبنما التي حوّلتها واشنطن إلى ساحة نفوذ، وغواتيمالا التي أطاحت فيها الاستخبارات بحكومة جاكوبو أربينز، وتشيلي التي دعمت فيها انقلاب بينوشيه على سلفادور أليندي، وكولومبيا التي رسّخت فيها حضورا عسكريا وأمنيا طويل الأمد تحت ذريعة مكافحة المخدرات، يبدو أنّ الولايات المتحدة تستعدّ لفتح فصلها الأخير في القارة اللاتينية من بوابة فنزويلا.
ففي ظلّ تصعيد بحري وعسكري متسارع، أعلنت واشنطن نشر مقاتلات شبح وسفن تابعة للبحرية الأميركية في الكاريبي، ضمن ما تصفه بجهود لمكافحة المخدرات، وأعلنت تدمير ما لا يقلّ عن 8 مراكب قالت إنّها كانت تهرّب المخدرات من فنزويلا إلى الأراضي الأميركية.
في المقابل، ندّدت كاراكاس بهذه التحركات، واعتبرتها تدريباً على عملية للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، الذي تتهمه واشنطن بإدارة شبكة لتهريب المخدرات.
وفي خطوةٍ تعبّر عن استعدادٍ عسكري متزايد، كشف مادورو في مراسم بثها التلفزيون مع كبار قادة الجيش، أنّ بلاده تمتلك أكثر من 5 آلاف صاروخ أرض-جو روسي الصنع من طراز "إيغلا-إس" منتشرة في مواقع دفاع جوي رئيسية "لضمان السلام"، في ما يبدو رسالة مباشرة إلى واشنطن بأنّ أي مواجهة محتملة لن تكون من طرف واحد.
بعد عقود من التدخلات والانقلابات والحروب بالوكالة، تتحول كاراكاس اليوم إلى الهدف الاستراتيجي الجديد، وسط إشارات سياسية واضحة من البيت الأبيض عن مرحلة ثانية من الهجوم قد تشمل توغلاتٍ برّية معلنة هذه المرة.

قاذفات أميركية تحلّق قرب فنزويلا ومادورو يستنجد بـ"السلام إلى الأبد"

حلّقت قاذفتان أميركيتان من طراز "بي-1 لانسر" فوق البحر الكاريبي وصولًا إلى سواحل فنزويلا في مهمة تدريبية لمحاكاة هجوم، بعد أسبوع من تمرين مشابه.
في المقابل، وجّه مادورو نداءً باللغة الإنكليزية إلى واشنطن قائلاً: "لا لحرب مجنونة، أرجوكم"، مؤكداً تمسكه بـ"السلام إلى الأبد".
كما أعلنت ترينيداد وتوباغو عن زيارة سفينة حربية أميركية لإجراء تدريبات مشتركة قرب السواحل الفنزويلية، ما زاد من تصاعد التوتر بين كراكاس وواشنطن.

موجة هجمات تمهيدية

ليست الهجمات الأميركية الأخيرة على قوارب يُشتبه بأنها تابعة لشبكات تهريب في البحر الكاريبي، والتي خلّفت 27 قتيلاً، مجرد عمليات أمنية، بل تمهيد ميداني لتصعيد أكبر، وفق ما أوردته صحيفة إلباييس.
ترافقت هذه العمليات مع انسحاب غير مبرّر للقائد الأعلى للقيادة الجنوبية الأميركية، الأميرال ألفين هولسي، قبل انتهاء ولايته بعامين، ما اعتُبر إشارة إضافية إلى أن القرار السياسي والعسكري في واشنطن قد اتُّخذ بالفعل للانتقال إلى مرحلة أكثر جرأة تجاه فنزويلا.

إرث طويل من التدخلات الأميركية

منذ أوائل القرن الـ٢٠، تدخلت الولايات المتحدة في معظم دول أميركا اللاتينية بحجج متكررة كمكافحة الشيوعية، حماية المصالح الاقتصادية، ومحاربة المخدرات.
بدأ ذلك في هايتي عام 1915 حين أرسلت البحرية لاحتلال البلاد، وتكرر في بنما وغواتيمالا وكوبا ونيكاراغوا والدومينيكان، وبلغ ذروته في السبعينيات والثمانينيات مع عملية "كوندور" في أميركا الجنوبية التي ربطت بين أجهزة استخبارات واشنطن وأنظمة ديكتاتورية في تشيلي والأرجنتين والبرازيل وبلدان أخرى.
في غواتيمالا عام 1954، أطاحت واشنطن بحكومة جاكوبو أربينز بسبب إصلاحاته الزراعية التي هددت مصالح شركة يونايتد فروت الأميركية.
وفي تشيلي عام 1973، دعمت الانقلاب ضد سلفادور أليندي بقيادة بينوشيه. وفي الثمانينيات، دعمت واشنطن "الكونترا" في نيكاراغوا واستخدمت وكالة الاستخبارات المركزية لتنفيذ عمليات سرية واسعة النطاق.

فنزويلا.. الاستثناء الذي أصبح الهدف

حتى وقت قريب، كانت فنزويلا استثناءً على خريطة التدخلات الأميركية، إذ ضمن تقاطع المصالح بين كراكاس وواشنطن علاقة مستقرة لعقود، قبل أن يغيّر هوغو تشافيز هذا المسار.
ومنذ 2019، ومع الاعتراف الأميركي بخوان غوايدو رئيساً مؤقتاً، تحوّلت فنزويلا إلى الهدف المركزي الجديد للسياسة الأميركية في نصف الكرة الغربي.
اليوم، تتقاطع عمليات وكالة الاستخبارات المركزية مع هجمات بحرية، في مشهد يعيد إلى الأذهان عقوداً من الانقلابات والتدخلات التي شكّلت ملامح السياسة الأميركية في تلك المنطقة.
ويُضاف إلى ذلك أن إدارة مكافحة المخدرات أصبحت لاعباً ميدانياً أساسياً في السنوات الأخيرة، ما أعطى هذه الاستراتيجية طابعاً مزدوجاً، أمني واستخباراتي.

"مبدأ مونرو" يعود من جديد

منذ إطلاق مبدأ مونرو في القرن الـ١٩ تحت شعار "أميركا للأميركيين"، اعتبرت الولايات المتحدة القارة مجالاً حيوياً لتدخلها السياسي والعسكري.
ومع اقتراب هذه الاستراتيجية من محطتها الأخيرة في فنزويلا، يبدو أن واشنطن تريد ترسيخ حضورها العسكري والاستخباراتي في ما تعتبره "آخر المعاقل" في المنطقة، في وقت تتزايد المنافسة مع الصين وروسيا على النفوذ في أميركا الجنوبية.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة