قمة الفنتانيل والمعادن النادرة.. شي يهاجم وترامب يساوم
تكهّن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الخميس، بأن اجتماعه المرتقب مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، في سول الأسبوع المقبل سيأتي بنتائج مثمرة، ربما يصطدم بدبلوماسية جديدة بعيدة كل البعد عن تلك المحافظة للصين بعد أن غير الرئيس شي قواعد اللعبة، واعتماد استراتيجية: أضرب بقوة وتنازل عن القليل.
بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، بالنسبة للرئيس الصيني مثّلت قضية المعادن النادرة صدمة مدوية أشارت إلى نهج جديد أكثر صرامة، بينما اعتبر تطبيق تيك توك بمثابة "أفيون روحي" يمكن تحويله إلى ورقة مساومة منخفضة التكلفة. خلال ولايته الأولى، كثيراً ما أحبط الرئيس ترامب شي جين بينغ بمزيجه المتقلّب من التهديدات والود. هذه المرة، يعتقد الزعيم الصيني أنه قد فكّ الشفرة.
استراتيجية هذا النهج الحازم الجديد لصين ولدت بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وبعد أن ساد القلق في بكين. ووفقًا لمصادر مقربة من صانعي القرار، فقد طلب شي جين بينغ من كبار مساعديه، بمن فيهم رئيس ديوانه تساي تشي، والمسؤول الاقتصادي هي ليفنغ، والمنظّر الأيديولوجي البارز في الحزب الشيوعي، وانغ هونينغ- وضع خطة عمل جديدة على وجه السرعة للتعامل مع إدارة ترامب، خطة من شأنها أن تنهي حالة رد الفعل المستمر التي طبعت نهج بكين السابق.
وفي بيان لها، قالت وزارة الخارجية الصينية إن على البلدين "معالجة الملفات المتبادلة من خلال الحوار والتشاور على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة".
وفي نفس السياق، نقلت صحيفة نيويورك تايمز أن الصين كشفت عن صورة جديدة برزت خلال الأيام الأخيرة وهي: صورة قوة صناعية عظمى مستعدة لاستخدام سيطرتها على المعادن الحيوية للصناعات الحديثة ضدّ أي دولة أو شركة تقف في طريقها.
تستخرج الصين وتُعالج معظم المعادن الأرضية النادرة في العالم، والتي تُستخدم في كل شيء بدءاً من رقائق الكمبيوتر وصولاً إلى السيارات الكهربائية والطائرات المقاتلة. ورداً على تعريفات الرئيس ترامب والقيود التكنولوجية، أدخلت بكين نظاما من شأنه التحكم في تجارة شريحة واسعة من المنتجات التكنولوجية، في أي مكان في العالم، والتي تحتوي على كميات ضئيلة من المعادن الأرضية النادرة الصينية.
وتمنح هذه الخطوة بكين نفوذاً قوياً قبيل الاجتماع المقرر بين ترامب والزعيم الصيني، وهي فرصة لتذكير واشنطن بأن سيطرة الصين على هذه المعادن يمكن أن تُحدد شروط أي هدنة تجارية. فماذا في استراتيجية شي الجديدة وهل ستؤتي بثمارها مع ترامب؟
وقال ترامب قبل سفره إلى ماليزيا واليابان مساء الجمعة، على أن يتوجه بعدها إلى كوريا الجنوبية، إنه يأمل أن يكون لاجتماعه مع نظيره الصيني نتيجة إيجابية للولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي للصحفيين: "السؤال الأول الذي سأطرحه عليه هو حول الفنتانيل". ولطالما اتهم ترامب الصين بأنها مسؤولة جزئيا عن أزمة الفنتانيل في الولايات المتحدة. والفنتانيل هو مسكن أفيوني قوي ومخدر صناعي يسبب الإدمان الشديد.
وكان ترامب وشي قد خططا للقاء على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) في كوريا الجنوبية، التي تبدأ في 31 أكتوبر، لكن لم يتم الإعلان عن موعد علنيا.
كيف تجلّت استراتيجية شي تجاه ترامب؟
جاء أقوى مثال على هذه الاستراتيجية الجديدة في أوائل هذا الشهر عندما كانت واشنطن وبكين تحاولان وضع اللمسات الأخيرة على قمة كوريا الجنوبية. وبينما بدت العلاقات في طريقها إلى التحسن، فاجأ شي الجميع بقرار صادم: فقد أمر حكومته بالردّ على إجراء أميركي حديث بشأن مراقبة الصادرات، وبقوة غير مسبوقة، وفقا لمصادر مقربة من بكين.
في 9 أكتوبر، كشفت وزارة التجارة الصينية عن قيود واسعة النطاق على صادرات الموادّ الأرضية النادرة التي تهدد بقلب موازين الإنتاج العالمي لكلّ شيء، من الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والسيارات إلى الصواريخ.
وتنتج الصين نحو 90% من الموادّ الأرضية النادرة المكررة في العالم.
علنًا، قال المسؤولون الصينيون إن هذه الخطوة كانت مجرد ردّ بالمثل على قاعدة أميركية جديدة توسع نطاق القيود المفروضة على مبيعات التكنولوجيا لتشمل أي شركات مملوكة بنسبة 50% على الأقلّ لكيان صيني مدرج بالفعل في القائمة السوداء. في الواقع، قالت المصادر المقربة من بكين، إنها كانت أيضًا محاولة من شي لكسب نفوذ قبل لقاء ترامب، الذي أبدى رغبة في إبرام اتفاق اقتصادي شامل مع الصين.
في بكين، يقول مقربون من دوائر القرار، إنّ عقيدة شي الجديدة تقوم على ضرورة تكيّف الولايات المتحدة مع واقع القوة الصينية. وفيما يتعلق بالمعادن النادرة، يؤكدون أنّ شي مقتنع بأن الصين تمتلك ورقة رابحة لا جدال فيها تسمح لها بجعل واشنطن تقوم بتنازلات كبيرة.
ويقول جيمي غودريتش، الخبير في الشؤون الصينية والتكنولوجيا في معهد جامعة كاليفورنيا للصراع والتعاون العالمي في سان دييغو: "تعتقد بكين أنها تتمتع بأقصى قدر من النفوذ ولا تخشى استخدامه".
هل تؤدي استراتيجية الصين إلى نتائج عكسية؟
غير أنّ شي قد يواجه خطر نتائج عكسية لهذه الاستراتيجية، وفق وول ستريت. فأساليبه تُوفّر الذخيرة للصقور في البيت الأبيض الذين يدفعون باتجاه إنهاء الاعتماد الاقتصادي الأميركي على الصين.
كما يشعر حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا، الذين يعتمدون على هذه المعادن في صناعاتهم، بالقلق إزاء تصرفات بكين المتشددة، مما عزز المخاوف من أن الصين تُصبح لاعبا لا يمكن التنبؤ بتصرفاته على الساحة العالمية. وقد أعلنت الولايات المتحدة وأستراليا هذا الأسبوع عن خطط لاستثمار 3 مليارات دولار في المعادن الحيوية بهدف تقويض هيمنة الصين.
والثلاثاء الماضي، أبلغ مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو أن سياسة الصين الجديدة للمعادن النادرة "تلقي بظلالها على علاقاتنا". وقال مسؤولون من مجموعة الدول الـ٧، بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة، إنهم يدرسون ردا مشتركا.
وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت، الأربعاء، إن الولايات المتحدة تدرس فرض قيود على صادرات البرمجيات إلى الصين ردا على قيود المعادن النادرة، وهي خطوة قال إنها ستتم بالتعاون مع دول مجموعة الـ٧ الأخرى.
وقال كايل تشان، الباحث المساعد في مؤسسة راند والمتخصص في السياسة الصناعية الصينية: "هذه المرة نرى أن الولايات المتحدة ليست وحدها من تشتكي". "لقد شعرت العديد من الدول أن هذا الأمر ليس مزعزعا للاستقرار بالنسبة لها فحسب، بل يُنظر إليه أيضا على أنه عمل عدواني".
ووفق نيويورك تايمز فاستعداد الصين لاستخدام المعادن النادرة كسلاح، من خلال تقييد وصولها على الدول التي تفضلها فقط، تخاطر بكين بالظهور بمظهر القوة المهيمنة غير المسؤولة التي تتهم الولايات المتحدة في كثير من الأحيان بأنها كذلك.
وقال نيل توماس، الباحث في مركز تحليل الصين التابع لمعهد سياسات جمعية آسيا: "تسير الصين على حبل رفيع هنا بين تعزيز موقفها في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وإثارة مخاوف بقية العالم بشأن نياتها المتعلقة بالتحكم في الصادرات".
هل من حل وسط يرضي الطرفين؟
يعتقد محللون أن الجانبين قد يسعيان إلى استقرار العلاقة والاتفاق على تعليق أشد الإجراءات العقابية، ما يعني وقف الرسوم الجمركية الأميركية والقيود التكنولوجية الموسعة، وتأجيل القيود الصينية على المعادن النادرة، وفق نيويورك تايمز.
وتقضي هذه القيود الصينية، التي ستدخل حيز التنفيذ في ديسمبر، بأن يطلب المصدرون موافقة بكين لبيع المكونات التي تحتوي على معادن نادرة صينية أو التي صُنعت باستخدام معدات صينية.
ويقول المسؤولون الصينيون إن هذه القواعد تهدف إلى منع استخدام المعادن النادرة الصينية في تطوير الأسلحة. لكنها ستسمح لبكين أيضًا بالتحكم في تدفق هذه المعادن بشكل انتقائي لأسباب سياسية.
وقال وو شينبو، عميد معهد الدراسات الدولية في جامعة فودان في شنغهاي: "إذا كانت العلاقات الثنائية متوترة أو غير جيدة، فقد يستغرق النظر في طلبات التصدير وقتًا طويلاً، أو قد تُرفض الطلبات في بعض الحالات".