أوروبا تحت الابتزاز المالي.. الأصول الروسية أم ديون لإنقاذ أوكرانيا
يصعّد الاتحاد الأوروبي الضغط على الحكومات المترددة في الموافقة على استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل قرض بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا، ويُبلغها أنّه إذا لم توافق فإنّه سيتعين عليها تحملها بنفسها.
وتدرك المفوضية الأوروبية تماما أنّ خطتها البديلة، وهي الاقتراض المشترك من الاتحاد الأوروبي المعروف باسم سندات اليورو، تُعدّ أكثر إثارة للاستياء لتلبية "الاحتياجات المالية الملحة" لأوكرانيا خلال العامين المقبلين، من فكرة استخدام الأصول الروسية المجمدة، والتي واجهت عقبة الأسبوع الماضي.
فالحكومات التي تُعارض الإنفاق الكبير تاريخيا، وخاصة ألمانيا وهولندا، والمعروفة باسم "الدول المقتصدة"، تكره فكرة تحميل دافعي الضرائب المزيد من الديون. أما الدول المسرفة، وخاصة فرنسا وإيطاليا، فهي مثقلة بالديون بالفعل ولا تستطيع تحمل المزيد.
ويراهن المسؤولون الأوروبيون على أن بلجيكا، التي تحتفظ بمعظم الأصول الروسية وقد أعربت عن مخاوفها بشأن شرعية مصادرتها، إلى جانب دول أخرى أبدت اعتراضات أيضا، ستقتنع بالخطة في ضوء بديل الاقتراض المشترك، الذي لطالما اعتبرته هذه الدول خيارا غير مقبول.
بلجيكا تدفع التكتل لتأجيل قراره حتى 18 ديسمبر
الحكومات الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي بدأوا تقبل فكرة استخدام الأصول الروسية المصادرة لتمويل مبلغ الـ140 مليار يورو. في البداية، كانت لديهم تحفظات، إذ اعتبروا الاستيلاء على أموال دولة أخرى، بغضّ النظر عن مدى سوء تصرف تلك الدولة، أمرا مشكوكا فيه قانونيا وأخلاقيا. لكن احتياجات أوكرانيا المُلحة، والنهج غير الواضح لواشنطن، دفعتهم إلى إعادة النظر في موقفهم، بحسب تقرير لصحيفة "بوليتيكو".
مع ذلك، رفض بارت دي ويفر، رئيس وزراء بلجيكا، التراجع عن موقفه بشأن الخطة خلال قمة قادة الاتحاد الأوروبي الخميس الماضي في العاصمة بروكسل، والتي تتطلب موافقة جميع الحكومات الـ27، مما أجبر التكتل على تأجيل الموافقة عليها حتى ديسمبر على أقرب تقدير.
وقال كاريل لانو، الرئيس التنفيذي للمركز المؤثر للدراسات السياسية الأوروبية، وهو مركز أبحاث مقره بروكسل إن "غياب الانضباط المالي، في بعض دول الاتحاد الأوروبي، بلغ حدا لا أعتقد معه أن سندات اليورو ستحظى بالقبول، وخاصة من قبل الدول المقتصدة، خلال السنوات الـ١٠ المقبلة".
"الفرصة سانحة الآن أو لن تكون أبدا"
يواجه الاتحاد الأوروبي الآن سباقا مع الزمن على جبهتين:
- من المتوقع أن تنفد أموال أوكرانيا بحلول نهاية مارس.
- قد تصبح عملية اتخاذ القرارات من أي نوع أكثر صعوبة بكثير مع سعي المجر إلى توحيد جهودها مع التشيك وسلوفاكيا لتشكيل تحالف معارض تجاه أوكرانيا. هناك شعور بأنّ الفرصة سانحة الآن أو لن تكون أبدا.
هذا يعني أن مسؤولي المفوضية منخرطون في عملية موازنة دقيقة لإقرار خطة استخدام الأصول الروسية المجمدة، وفقا لما ذكره ثلاثة دبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي.
ووفق بوليتيكو، قال أحد الدبلوماسيين المطلعين على تفاصيل الخطة، والذي طلب عدم الكشف عن هويته: "هذه هي الدبلوماسية. أنت تعرض على الناس شيئا لا يريدونه، حتى يقبلوا بالخيار الأقل سوءا".
وكان دبلوماسي ثان مطلع على الوضع مستبعدا تماما للخطة البديلة. وقال إن "فكرة إمكانية طرح سندات اليورو بجدية على الطاولة هي ببساطة مثيرة للسخرية".
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي إنّ القرض المدعوم بالأصول الروسية "سيتم تنفيذه. المسألة ليست ما إذا كان سيحدث أم لا، بل متى سيحدث".
وأوضح الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الأحد، أن الأموال يمكن استخدامها على الفور لتعزيز الدفاع الجوي لأوكرانيا وأسطولها الجوي ومواقع الخطوط الأمامية.
غير أنّ رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيتسو قال الأحد، إن بلاده لن تشارك في أي برنامج للاتحاد الأوروبي يهدف إلى تمويل المساعدات العسكرية لأوكرانيا في حربها مع روسيا.
وقال فيتسو في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون "أرفض السماح لسلوفاكيا بالمشاركة في أي خطة مالية تهدف إلى مساعدة أوكرانيا في إدارة الحرب والإنفاق العسكري"، منتقدا أيضا العقوبات التي فرضها الاتحاد على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، قائلا إنها تضر بأوروبا أكثر.
هناك خيار ثالث مطروح: يمكن للاتحاد الأوروبي الشروع في عملية بحث واسعة النطاق لجمع أصول روسية بقيمة 25 مليار يورو في دول أخرى عبر التكتل.
مع ذلك، من المرجح أن تستغرق هذه العملية وقتا أطول مما لدى أوكرانيا، ما قد يوحي بأن أوروبا تتراخى في دعمها.
"مسيرات روسية تطارد المدنيين بأوكرانيا"
بموازاة ذلك، خلص تحقيق للأمم المتحدة إلى أن روسيا تلاحق المدنيين الذين يعيشون قرب خط المواجهة في أوكرانيا بطائرات مسيرة مما أجبر الآلاف على الفرار من مناطق بأكملها في ما يصل إلى مستوى جريمة ضدّ الإنسانية.
وتحدث تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن أوكرانيا عن مدنيين تعرضوا للمطاردة لمسافات طويلة بطائرات مسيرة مزودة بكاميرات، وفي بعض الأحيان للهجوم بقنابل حارقة أو متفجرات في أثناء بحثهم عن مأوى.
ونصّ التقرير المكون من 17 صفحة والذي سيُقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع على أنّ "هذه الهجمات ارتكبت في إطار سياسة منسقة لطرد المدنيين من تلك الأراضي وتشكل جريمة ضد الإنسانية تتمثل في النقل القسري للسكان".
واستندت نتائجها إلى مقابلات مع 226 شخصا بما في ذلك ضحايا وشهود وعمال إغاثة والسلطات المحلية بالإضافة إلى مئات من المقاطع المصورة التي تسنى التحقق منها عبر الإنترنت. وتنفي روسيا استهدافها المتعمد للمدنيين في أوكرانيا.