العراق بعد الاقتراع.. برلمان جديد وتحديات قديمة
حقّق الائتلاف الذي يقوده رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني الطامح لولاية ثانية، "فوزا كبيرا" في الانتخابات البرلمانية، حسبما قالت الأربعاء مصادر مقرّبة منه لوكالة فرانس برس، في ظلّ مرحلة فاصلة داخليا وإقليميا.
وقال مسؤول مقرب من السوداني لفرانس برس "حققت كتلة التنمية والإعمار فوزا كبيرا جدا"، فيما أكّد مصدران آخران مقربان من اللائحة أنها حصدت على الأغلب "أكبر كتلة نيابية" تقارب 50 مقعدا أو أكثر من أصل 329.
وتعلن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، النتائج الأولية مساء الأربعاء بعد نحو 24 ساعة من إغلاق مراكز الاقتراع التي شهدت إقبالا ملحوظا بأكثر من 55%.
وبهذا تزيد نسبة المشاركة كثيرا عن نسبة 41% المسجّلة في الانتخابات الأخيرة عام 2021، رغم مقاطعة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للانتخابات هذه السنة وتعبير الكثير من العراقيين عن إحباطهم من إمكانية أن تُحدث الانتخابات تغييرا حقيقيا في حياتهم في ظلّ عدم بروز أسماء جديدة متنافسة.
وبعد انتخاب البرلمان العراقي الجديد، تنطلق مرحلة اختيار رئيس للوزراء يشكّل الحكومة المقبلة.
ويواجه رئيس الحكومة المقبلة تحدّيات محلية عدة، في ظلّ نقص في فرص العمل وتهالك خصوصا في قطاعَي التعليم والصحة، في بلد ذي أكثر من 46 مليون نسمة.
وأمامه كذلك مهمّة الحفاظ على التوازن الدقيق في علاقة العراق مع الخصمَين إيران والولايات المتحدة، في ظلّ تغيّرات إقليمية كُبرى منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة عام 2023.
يُكلف رئيس الجمهورية، الذي سيسميه البرلمان، رئيسا للحكومة يكون مرشح "الكتلة النيابية الأكبر عددا" بحسب الدستور. وهو الممثل الفعلي للسلطة التنفيذية.
وفي ظلّ استحالة وجود أغلبية مطلقة، يقوم أي ائتلاف قادر على التفاوض مع الحلفاء لتشكيل أكبر كتلة، بترشيح رئيس الحكومة المقبل.
ومنذ أوّل انتخابات متعددة شهدها البلد في 2005، يكون رئيس الجمهورية كُرديا، وهو منصب رمزيّ بدرجة كبيرة، بينما يكون رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس مجلس النواب سنيا، بناء على نظام محاصصة بين القوى السياسية النافذة.
وشهدت تسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة عقب الانتخابات خلال السنوات الماضية الكثير من التعقيدات، واستغرق التوافق حول ذلك أشهرا عدّة.
ووصل السوداني إلى رئاسة الحكومة في 2022 بعد جمود استمرّ أكثر من عام نتيجة خلافات سياسية بين التيار الصدري و"الإطار التنسيقي" المؤلف من أحزاب شيعية موالية لإيران. وكان للإطار التنسيقي أكبر كتلة في البرلمان المنتهية ولايته.
وصرّح سياسي بارز لفرانس برس الشهر الماضي بأن "الإطار التنسيقي" منقسم بشأن دعم السوداني لتولّي ولاية ثانية.
وقال العديد من العراقيين الذين قاطعوا الانتخابات لمراسلي وكالة فرانس برس، إنهم لا يرون أملا في أن تؤدي الانتخابات إلى تغيير حقيقي.
وخلال ولاية حكومة السوداني، شهدت العاصمة بغداد طفرة عمرانية واسعة وبناء مجمعات سكنية حديثة، إلى جانب مشاريع كبرى في مجال الطرق.
ويقول مستشاره حسين علاوي لوكالة فرانس برس إن فوز السوداني الكبير "من شأنه أن يُظهر أن هناك طريق ثالث غير الطريق التقليدي للقوى السياسية العراقية التي قادت النظام (بعد 2003) وقوى المقاطعة، وهو طريق المشاركة في بناء الدولة وتحقيق الاستقرار".
وينسب السوداني كذلك لحكومته الفضل في إبقاء العراق بمنأى عن الاضطرابات الاقليمية.
ففي خضم التوترات الكبرى في السنوات الماضية، حافظ العراق على استقرار نسبي، رغم أن فصائل مسلّحة موالية لطهران تبنّت إطلاق صواريخ ومسيّرات على مواقع تضم قوات أميركية في سوريا والعراق، بينما قصفت واشنطن أهدافا لهذه المجموعات في العراق.
ويتوقع أن تكون عملية اختيار رئيس الوزراء المقبل، موضع تجاذب إضافي في علاقة بغداد بكل من طهران وواشنطن.
وتمارس واشنطن ضغوطا متزايدة على الحكومة العراقية من أجل نزع سلاح الفصائل الموالية لإيران.
وتسعى إلى إضعاف نفوذ إيران من خلال الضغط على العراق لنزع سلاح الفصائل وفرض عقوبات على كيانات عراقية مرتبطة بها وكذلك تقويض قدرة إيران على التهرب من العقوبات، وهي استراتيجية يُتوقع أن تستمرّ بها واشنطن.