مذكرة سرية.. الفنتانيل كسلاح كيميائي يدفع أميركا لفنزويلا
تحوّلت مذكرة سرّية صادرة عن وزارة العدل الأميركية إلى محور جدل سياسي وقانوني حادّ.
فالمذكرة، التي كشفت عنها وول ستريت جورنال، لا تكتفي بتبرير ضربات قاتلة ضدّ قوارب تهريب المخدرات في الكاريبي والمحيط الهادئ، بل تذهب أبعد حين تربط الفنتانيل بتهديدات "أسلحة كيميائية"، وتستند إلى تصنيف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب للكارتيلات كـ"منظمات إرهابية أجنبية" لاعتبارها أهدافا عسكرية مشروعة.
وفي الخلفية، يتزامن هذا الجدل مع مؤشرات متسارعة على استعدادات أميركية لعملية محتملة في فنزويلا، حيث ناقش كبار المسؤولين، وفق واشنطن بوست ورويترز، خيارات الهجوم خلال اجتماعات متتالية في البيت الأبيض، بينما يعزز ترامب وجوده العسكري في المنطقة.
فكيف تبرّر الإدارة الأميركية قانونيا استخدام القوة العسكرية خارج ساحات الحرب التقليدية ضدّ قوارب تهريب المخدرات، ولماذا ولّدت المذكرة السرّية موجة اعتراضات واسعة بعد ربط الفنتانيل "كسلاح كيميائي" واعتبار الكارتيلات بمثابة خصوم عسكريين؟
"سلاح الفنتانيل" يدخل الساحة العسكرية
بحسب وول ستريت جورنال، تستند المذكرة السرّية إلى نقطة أساسية، الفنتانيل قد يشكّل تهديدا "كسلاح كيميائي".
وتستشهد بوثائق حول استخدام روسيا للفنتانيل المُبرذذ عام 2002 لإنهاء أزمة رهائن موسكو، والتي أودت بأكثر من 100 شخص.
ويأتي هذا الربط في سياق محاولات الإدارة الأميركية تبرير استمرار حملة الضربات التي بدأت في سبتمبر، وأسفرت، وفق الصحيفة، عن 20 ضربة معروفة وما لا يقل عن 79 قتيلا على متن القوارب المستهدفة.
ومع أن متحدثا باسم وزارة العدل قال إن المذكرة "لا تستند إلى حجة عدم الانتشار"، إلا أن ربط الفنتانيل بالسلاح الكيميائي شكّل إحدى النقاط الأكثر إثارة للجدل، خاصة بعد قول المستشار القانوني السابق بريان فينوكان لصحيفة وول ستريت جورنال إنّ التحذير "مبالغ فيه إلى حدّ مذهل".
من كارتيلات إلى "منظمات إرهابية".. الطريق إلى شرعنة الضربات
تعتمد المذكرة، وفق وول ستريت جورنال، على أن تصنيف ترامب لعصابات المخدرات كـ"منظمات إرهابية أجنبية" يجعلها أهدافا عسكرية مشروعة.
وتقول إن هذه الجماعات "تُهرّب المخدرات لتمويل أعمال قاتلة ومزعزعة للاستقرار" ضدّ الولايات المتحدة وحلفائها.
وتلفت الصحيفة إلى أنّ فنزويلا تُعدّ قاعدة لإحدى هذه الجماعات المصنّفة إرهابية، وإن كانت لا تُنتج الفنتانيل نفسه، بل يمرّ عبرها نشاط تهريب الكوكايين الكولومبي منذ عقود.
لكن الاعتراضات كانت واسعة، إذ قال السيناتور الديمقراطي آندي كيم للصحيفة إنّ التصنيف: "عادة يُستخدم لفرض عقوبات، وليس لتبرير عمليات قتل عسكرية".
الدفاع الجماعي وصلاحيات الرئيس
تفصّل وول ستريت جورنال ٣ ركائز قانونية وضعتها مذكرة وزارة العدل:
- صلاحيات الرئيس وفق المادة الثانية من الدستور بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
- حقّ الدفاع الجماعي عن النفس عبر مساعدة دول حليفة في أميركا اللاتينية تواجه نشاط كارتيلات المخدرات.
- الادعاء بأن الولايات المتحدة في "نزاع مسلح غير دولي" مع تلك العصابات، ما يعني، وفق المذكرة، أن الضربات تقع ضمن إطار قانوني ولا تتطلب موافقة الكونغرس، لأنها لا ترقى إلى مستوى "الأعمال العدائية".
وذكرت الصحيفة أن بعض الجمهوريين تساءلوا عن كيفية تجاوز الكونغرس، بينما اعتبر السيناتور كريس فان هولن أنّ "القرار اتُّخذ أولاً، ثم طُلب من أحدهم إيجاد تبرير له".
فنزويلا في قلب المشهد.. استعدادات عسكرية ورسائل غامضة
في وقت تكشف المذكرة عن الأساس القانوني للحملة على القوارب، كانت الأجواء في واشنطن، وفق واشنطن بوست، تشهد نقاشات رفيعة المستوى حول احتمال توجيه ضربات مباشرة داخل فنزويلا.
فالرئيس ترامب قال إنه "اتخذ تقريبا قراره" بشأن عمل عسكري محتمل، بعد يومين من المشاورات شارك فيها نائب الرئيس جي دي فانس، وزير الدفاع بيت هيغسيث، رئيس الأركان دان كين، ووزير الخارجية ماركو روبيو.
وتشير الصحيفة إلى أن أي ضربة داخل الأراضي الفنزويلية ستناقض وعود ترامب بعدم خوض نزاعات جديدة، وقد تعقّد التعاون الأميركي مع دول المنطقة. كما تلفت إلى أن الجيش الأميركي يدرس منظومات الدفاع الجوي الفنزويلية، بينما تعبّئ كاراكاس أكثر من 200 ألف عنصر استعدادا.
وخلال الأسابيع الأخيرة، قدّم ترامب إشارات متناقضة: فهو يلوّح بتوسيع الحملة إلى "البرّ"، ضمن "عملية الرمح الجنوبي" التي أسفرت عن مقتل80 شخصا على قوارب صغيرة تُتهم بالتهريب، لكنه يرسل تطمينات سرّية للكونغرس بأنه لا يخطط لحرب شاملة ضد فنزويلا.
٣ اجتماعات في أسبوع.. ساعة الحسم تقترب؟
أما رويترز فتشير إلى ٣ اجتماعات في البيت الأبيض خلال أسبوع واحد لبحث "خيارات العمليات العسكرية المحتملة ضدّ فنزويلا".
وتنقل الوكالة أن ترامب نشر طائرات F-35 وسفنا حربية وغواصة نووية في المنطقة، وأن حاملة الطائرات جيرالد فورد دخلت أميركا اللاتينية وعلى متنها أكثر من 75 طائرة و٥ آلاف جندي.
وتؤكد الوكالة أن ترامب ألمح إلى أنه "حسم أمره إلى حدّ ما"، في وقت تبحث فيه فرق الأمن الداخلي، برئاسة ستيفن ميلر، سيناريوهات متعددة للعمل العسكري.
ما بين المذكرة والواقع.. أين تتجه واشنطن؟
الإدارة الأميركية تتحرك ضمن مسارين متوازيين:
- قانونيا: محاولة خلق إطار يسمح بضربات عسكرية خارج التفويض التقليدي عبر ربط المخدرات بالتهديدات الكيميائية، وتصنيف الكارتيلات ككيانات إرهابية، واستدعاء الدفاع الجماعي وصلاحيات القائد الأعلى.
- عسكريا: تعزيز كبير للوجود الأميركي في الكاريبي، وتكثيف الاجتماعات الأمنية، ودراسة خيارات تتجاوز ضرب القوارب إلى احتمال استهداف أراضٍ فنزويلية.