شعراء ميليشيات الحشد.. تراث عراقي يوظفه المال والسلاح

لا يمر أسبوع حتى تنشر القنوات التابعة للفصائل المسلحة في العراق قصائد مغناة أو أهازيج تتغنى بالدور الذي قامت به أكان في العراق أو سوريا أو حتى ما يحدث في الأراضي الفلسطينية.

كما تعكف هذه القصائد على رثاء زعمائها الذين قتلتهم القوات الأميركية الفترة الماضية بدءا من أبو تقوى وأبو باقر الساعدي الذي قتل في فبراير الماضي، وليس انتهاءا بقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.

يقول مصدر مقرب من الحشد الشعبي في العراق لبلينكس إنه منذ تأسيس الحشد الشعبي كان هناك اهتمام بالغ بهذا الجانب، ولم يبدأ العمل من الصفر، بل كان تنظيما لأقسام الإعلام في الفصائل المسلحة تحت مظلة إعلام الحشد، ثم خصص قسم للإنشاد والشعر وهناك عدة فرق تتوزع بين إيران ولبنان والعراق.

وأضاف المصدر "لا تتعدى تكلفة الأنشودة الواحدة أو القصيدة نحو 2500 دولار جزء منها للشاعر والمنشد ويتم التنفيذ في استوديوهات ومؤسسات يرعاها الحشد، مثل توب أستوديو وغيرها، وتبث على قنوات اليوتيوب وتليغرام".

بعد استهداف الولايات المتحدة للحشد الشعبي عدة مرات، عكف الشعراء في بعض الأحيان على استخدام اسماء مستعارة خوفا من الملاحقة.

كما تدير الميليشيات مهرجان شعري يمنح لكل شاعر مشارك فيه مبلغا ماليا ويكون عادة في مناسبات تخص الحشد وقادته.

وهناك الكثير من القصائد الشهيرة في هذا الجانب، ولعل أبرزها أهزوجة لشاعر غير معروف يرثي بها أبو مهدي المهندس الذي قتل برفقة سليماني عام 2020، قائلا "مكابل ما تتكابل.. هل دزولك طيارات".

في فترة ما بعد الاحتلال الأميركي، راج هذا النوع من الأناشيد والقصائد، خصوصا أنها كانت ممنوعة في عهد صدام حسين.

وكان التيار الصدري، رائد تلك المواد واشتهر بقصائد وأناشيد عديدة، منها "يلاكونا لو بيهم زود"، و"عاشت يمينك يا بو زنود السمر"، التي كانت تنتجها تسجيلات صوتية في مدينة الصدر بأسماء مثل مؤسسة الخليج، والإمامين للإنتاج الإعلامي.

بعد الانشقاقات التي ضربت التيار، باتت أغلب الفصائل المسلحة تمتلك منبرا إعلاميا للترويج لنفسها، كما انضم العديد من الشعراء للميليشيات مثل سمير صبيح الذي كان منتم للحشد، وعلي رشم الذي قتل في صفوف "العصائب" بمنطقة جرف الصخر عام 2014.

وفي الوقت الرهن انشطر الشعراء لقسمين، جزء يمثل التيار الصدري مثل "المهوال" عدي الكعبي وعبد الحسن، وآخر يسمى بالتيار الحشدي، مثل علي المحمداوي ورفعت الصافي وناظم الحاشي، وغيرهم.

وشهدت تلك الفترة استثمار الأحزاب السياسية للمهرجانات الشعرية التي كانت تنظم بشكل مستمر خصوصا فترة الانتخابات، كما استخدم شعراء عديدون قصائد بنفس طائفي يتهجم على جيران العراق من العرب.

كانت القصائد في ثمانينات القرن الماضي أداة للتحشيد الشعبي والدفع المعنوي فترة الحرب مع إيران، حيث كانت ترعى من قبل الدولة آنذاك وقد غنيت قصائد لا تزال حاضرة في مناسبات العراقيين الشعبية، مثل "يا كاع ترابج كافور".

كما أخذت قصائد الهجاء للمرشد الإيراني الخميني آنذاك، حيزا كبيرا من الإعلام بالإضافة لشعراء الحماسة ورثاء الهجاء، ولعل قصيدة الشاعر العراقي عباس جيجان عن أخيه جبر، أشهر تلك النصوص الشعرية.

كما وثق تلك الحقبة الشاعر فلاح عسكر بقصيدة الساتر الأول، وربما كانت سببا لقتله عام 1991 خلال "الثورة الشعبانية" أو انتفاضة الشيعة عقب خروج العراق من الكويت.

ومن شعراء تلك المرحلة هادي عكاشة وإقبال فليح وغيرهم، كما اشتهر الفنان العراقي كريم عواد بأهزوجة "ها أسمع يا خميني غركناه لجيشك بالشط".

ما زال العراقيون حتى يومنا هذا يتغنون بأهازيج وقصائد ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، حيث باتت فلكلورا شعبيا يفاخر به سكان المناطق التي ثارت على البريطانيين ولعل أشهرها:

• "زم بحر أوحيد شيروفه" وتعني هاج بحر الشيخ عبد الواحد آل سكر "أوحيد" ومن الذي يستطيع مجابهته.
• "هز لندن ضاري وبچاها" للتغني بقتل الكولونيل لچمن على يد ضاري المحمود شيخ عشيرة زوبع.
• "خل يامن كلبج يرعيعه" الرعيع هو الخائف، قالها شعلان أبو الجون أحد قادة الثورة عندما علم أن النساء يخفن هجوم القوات البريطانية، بينما كان أفراد عشيرته يحرسون جسر السوير قرب الناصرية.
• "بس لا يتعلك بأميركا"، قيلت بعد أن أراد بعض شيوخ القبائل، أن يستنجدوا بقوات أميركية.
• "سوالك مسند تركينه"، قيلت أمام الملك فيصل الأول، كناية أننا نحن من أوجد مملكتك ببنادقنا التركية.
• ذبحنه الصوجر وجبنه الملوكيه، وأبن عليه وزير ويامر أعليه، إبحضك هم شفت هاي الأفندية "بالرارنجية أنت أويانه"

ويقصد بها أننا نحن من جاء بالملكية للعراق، "ابن عليه" نادى رشيد عالي الكيلاني باسم والدته، ثم يسأل "ابحضك …." يعني هل رأيتم هؤلاء معنى في الثورة وخصوصا معركة الرارنجية.

قالها الشيخ مرزوك العواد شيخ عشيرة العوابد، بعد امتعاضه من تصرف رشيد عالي الكيلاني أمام الملك فيصل.