بعد ساعات من ظهوره العلني الأخير في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان في أحد الفصح، حيث حيّا الحشود من عربة "البابا موبيلي" رغم تعافيه من التهاب رئوي مزدوج كاد يودي بحياته، أُعلن عن وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عاماً.
كان ذلك الظهور، الذي جاء بعد خروجه من المستشفى في مارس عقب إقامة دامت 38 يومًا، قد أعطى الأمل للملايين من المؤمنين بأن تعافيه يسير في الطريق الصحيح، لا سيما بعد أن منح بركته البابوية التقليدية، Urbi et Orbi، وسط تصفيق حار من أكثر من 35 ألف شخص تجمعوا للصلاة.
لكن وفاة البابا، الذي وصفه كثيرون بأنه جسّد روح التواضع والإصلاح في الكنيسة، طوت صفحة عقد من التحديات والرسائل القوية التي وجّهها للعالم، من بينها دعواته للسلام في غزة وأوكرانيا، وللانفتاح على المهاجرين والمهمّشين. وتأتي وفاته في وقت بالغ الحساسية بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، التي ستبدأ قريبًا عملية اختيار خلفٍ له وسط مشهد عالمي مضطرب.
ويشير متتبعون إلى أن وفاته ليست فقط خسارة للكنيسة الكاثوليكية، بل للعالم أجمع، خاصة في مجال الحوار بين الأديان، الذي كان أحد أبرز أولوياته. ومن بين أبرز محطاته التاريخية التي تركت أثرًا بالغًا، زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي مثلت نقطة تحول في العلاقات بين الفاتيكان والعالم الإسلامي.
اعرف أكثر
في فبراير 2019، حطّ البابا فرانسيس رحاله في أبوظبي، ليصبح بذلك أول بابا يزور شبه الجزيرة العربية. جاءت هذه الزيارة استجابة لدعوة رسمية من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي آنذاك، وتتويجًا لعلاقات متينة بين الفاتيكان والإمارات بُنيت على قيم التسامح والتعايش السلمي.
زار البابا فرنسيس الإمارات لأول مرة عام 2029 (Getty Images)
كان الحدث الأبرز خلال هذه الزيارة توقيع "وثيقة الأخوة الإنسانية" مع الإمام الأكبر للأزهر، أحمد الطيب، وهي وثيقة تسعى إلى تعزيز الحوار والتفاهم بين الأديان المختلفة. وبحسب برونزويك غروب، فإن الوثيقة تمثل التزامًا مشتركًا بين القيادتين الروحيتين لتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، كما أكدت الإمارات على التزامها بتطبيق مبادئها على أرض الواقع.
لطالما قدمت الإمارات نفسها كنموذج عالمي للتسامح الديني، وهو ما جعلها شريكًا مثاليًا للفاتيكان في جهوده لتعزيز الحوار بين الأديان.
وفقًا لتقرير نشرته وكالة أنباء الإمارات، فقد أشاد البابا فرانسيس بالدور الريادي للإمارات في نشر ثقافة السلام والتسامح، مشيرًا إلى أن جهودها تعكس نموذجًا يحتذى به على المستوى العالمي.
حضور 180 ألف شخص في ملعب مدينة زايد الرياضية (Getty Images)
أشار تقرير بيزنس إنسايدر إلى أن الاستقبال الذي حظي به البابا فرانسيس في الإمارات كان مميزًا، حيث استقبل بحفاوة رسمية وشعبية غير مسبوقة. ومن أبرز مظاهر هذا الترحيب حضور 180 ألف شخص في ملعب مدينة زايد الرياضية حاملين أعلام الفاتيكان، وهو حدث يعد الأضخم من نوعه في المنطقة.
زيارة البابا للإمارات لم تكن مجرد زيارة رمزية، بل كان لها تأثير ملموس على مستوى العلاقات بين الفاتيكان والعالم الإسلامي. فقد عززت من التقارب بين الأديان، وشجعت على مزيد من الحوارات البناءة بين القادة الدينيين في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وفقا لموقع United States Conference for Catholic Bishops.
ووفقًا لتقرير Gulf News، حرصت الإمارات على ترسيخ مخرجات هذه الزيارة عبر إطلاق مبادرات مستوحاة من وثيقة الأخوة الإنسانية، كان أبرزها بيت العائلة الإبراهيمية، الذي يجمع في مجمع واحد مسجدًا وكنيسة وكنيسًا يهوديًا، ليعكس التزامها بتعزيز الحوار بين الأديان وترسيخ قيم التعايش والتسامح.
كان البابا فرانسيس من أكثر القادة الروحيين التزامًا بقضية الاستدامة، معتبرًا أن حماية البيئة مسؤولية أخلاقية تتطلب تحركًا عالميًا عاجلًا. ففي رسالته الشهيرة "كن مسبحًا" الصادرة عام 2015، حذر من التداعيات الكارثية للاحتباس الحراري، مؤكدًا أن أزمة المناخ تهدد بشكل خاص الفقراء والمهمشين.
وخلال COP28 في دبي، ورغم غيابه عن القمة لأسباب صحية، لم يغب صوته عن المناقشات، حيث دعا في رسالة رسمية قادة العالم إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة التغير المناخي، مشددًا على ضرورة العدالة البيئية وتحمل الدول الغنية لمسؤولياتها تجاه البلدان الأكثر تأثرًا بالكوارث البيئية.
البابا فرنسيس بجانب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال مراسم الاستقبال الرسمي في قصر الرئاسة بأبوظبي، 4 فبراير 2019، في أول زيارة بابوية إلى الإمارات (Getty Images)
ومن بين المبادرات التي تميزت بها قمة COP28 ، كان إنشاء "جناح الأديان"، وهو الأول من نوعه في تاريخ القمم المناخية، حيث تم تنظيم فعاليات جمعت بين قادة دينيين، منظمات بيئية، علماء، وشباب من جميع أنحاء العالم، في خطوة تعكس التزايد المتنامي لدور الأديان في تعزيز الوعي البيئي ودعم السياسات المستدامة.