لأول مرة منذ سنوات، تدور تكهنات واسعة بأن البابا المقبل قد لا يكون أوروبيا، بل أفريقيا أو آسيويا، في انعكاس مباشر لتحول مركز الثقل في الكنيسة الكاثوليكية من الغرب إلى الجنوب العالمي.
ومع بداية انعقاد المجمع المغلق لاختيار خليفة البابا فرنسيس، الأربعاء، تتداول وسائل الإعلام والتقارير الكنسية أسماء مرشحين من أفريقيا وآسيا، وسط حديث متزايد عن لحظة تاريخية قد تحمل للكنيسة بابا جديدا من خارج القارات التقليدية.
وتصاعد دخان أسود من مدخنة كنيسة سيستينا حوالى الساعة 19:00 مساء الأربعاء بتوقيت غرينتش، في إشارة إلى أن أول تصويت للكرادلة الـ133 في المجمع الانتخابي لم يُفض لانتخاب بابا جديد، بحسب مراسلي وكالة فرانس برس.
ويستند هذا التوقع إلى سابقة انتخاب البابا فرنسيس نفسه، الذي كان أول بابا من أميركا اللاتينية وأول من وُلد في "الجنوب العالمي".
كما أشار الكاردينال أندرس آربوريليوس إلى أن "الكنيسة اليوم باتت كنيسة عالمية، ولم يعد مركزها في أوروبا أو الغرب، بل في أفريقيا وآسيا.. لذلك لن يكون مفاجئا إذا تم اختيار كاردينال أفريقي أو آسيوي، فهناك تكمن الحيوية الحقيقية للكنيسة".
أما البروفيسور بروس موريل من جامعة فاندربيلت، فقال لشبكة أي بي سي نيوز إن "انتخاب بابا من آسيا أو أفريقيا احتمال حقيقي اليوم"، وهو ما وافقته عليه الباحثة جيسي جوزيف التي أضافت: "فرانسيس دشن فعليا هذا الانتقال من كنيسة أوروبية إلى كنيسة عالمية".. فماذا يمثل البابا الآسيوي والأفريقي لمستقبل الكنيسة الكاثوليكية؟
اعرف أكثر
بحسب موقع إنكوايرر، هناك ما لا يقل عن ثلاثة كرادلة أفارقة يُشار إليهم حاليا ضمن من يُطلق عليهم لقب "بابابيلي"، وهو المصطلح الذي يستخدمه مراقبو الفاتيكان لوصف المرشحين المحتملين لقيادة الكنيسة الكاثوليكية.
وبينما تضم اللائحة كلا من الكرادلة روبرت سارا (غينيا)، وبيتر توركسون (غانا)، وفريدولين أمبونغو (الكونغو)، يُعد الأخير الأوفر حظا من حيث الاهتمام الإعلامي، إذ تحظى تحركاته وتصريحاته بتغطية واسعة وسائل الإعلام.
وإذا تم اختيار أيٍّ من هؤلاء الكرادلة الأفارقة، فسيكون أول بابا أفريقي منذ أكثر من 1500 عام، وأول بابا من أفريقيا جنوب الصحراء في التاريخ، بحسب مجلة تايم.
هذا المعطى التاريخي يدفع الكثيرين في أفريقيا إلى التطلع نحو التغيير، لكن من دون أن يعلّقوا آمالا كبيرة.
يُعتبر الكاردينال فريدولين بيسونغو أمبونغو، البالغ من العمر 65 عاما، وهو راهب كبوشي ورئيس أساقفة كينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، من بين المرشحين البارزين.
خلال عهد البابا فرنسيس، صاغ أمبونغو رسالة احتجاج من سبع صفحات ضد مباركة الأزواج من نفس الجنس، وسافر إلى روما لتقديم شكواه شخصيا إلى البابا، حسب صحيفة إل باييس.
وأجرى استطلاعا لآراء أساقفة أفريقيا، وفقا لموقع كاثوليك ريفيو، استند إلى نتائجه ليؤكد أن من حقهم منع كهنتهم من تقديم تلك البركات.
وتشير وكالة رويترز إلى أن انتخاب بابا أفريقي سيكون "امتدادًا لمسيرة فرنسيس في الدفاع عن الفقراء والمضطهدين والمهاجرين"، إلا أن محللين يشككون في واقعية هذا السيناريو بسبب عدم تعرض الكرادلة الأفارقة لنفس مستوى التدقيق الإعلامي الذي يواجهه الكرادلة الغربيون، وفقًا لمجلة ذا ويك.
بحسب أفريكا نيوز، يوجد حاليا 18 كاردينالا أفريقيا مؤهلين للتصويت في المجمع المغلق، لكن يُتوقع أن يشارك فعليا 17 فقط بعد انسحاب كاردينال كيني لأسباب صحية.
في الجانب الآسيوي، تبرز شخصية الكاردينال لويس أنطونيو تاغلي، البالغ من العمر 67 عاما، من الفلبين، والذي يُلقّب بـ"فرنسيس الآسيوي".
ويُعتبر تاغلي من أقرب الشخصيات فكريا وروحيا إلى البابا فرنسيس، إذ يشارك معه نفس المقاربة الرعوية القائمة على الاستماع للناس والاقتراب منهم من دون خوف من الاختلاف.
تقول الباحثة جيسي جوزيف لشبكة أي بي سي نيوز إن تاغلي "يجسّد بالفعل صفات القرب من الناس والإنصات والانفتاح، مما يجعله استمرارا طبيعيا لمسار فرنسيس".
أما البروفيسور موريل، فيرى أن تاغلي "مرشح قوي جدا" وأنه الشخص الأنسب للاستمرار في أولويات البابا فرنسيس، خاصة بعد أن عيّنه فرنسيس لرئاسة مكتب التبشير في الفاتيكان. ويضيف: "ابتسامته الدائمة وأسلوبه الدافئ يجعلانه مرشحا مثاليا لقيادة الكنيسة بروح استمرارية لا انقطاع".
وإذا تم انتخابه، فسيكون تاغلي أول بابا آسيوي في العصر الحديث، وأول بابا من جنوب شرق آسيا.
تشير مجلة ذا سبيكتايتور إلى أن اختيار البابا المقبل لن يكون بمنأى عن تأثير بكين، نظرا للتقارب الذي حدث في عهد فرنسيس بين الفاتيكان والصين.
وتنعكس هذه العلاقة في الاتفاقية الثنائية التي أبرمت عام 2018، وجُدّدت لاحقا دون مراجعة، والتي تمنح الحكومة الصينية دورا في تعيين الأساقفة الكاثوليك داخل البلاد، حتى من دون الحاجة إلى موافقة البابا.
ويؤكد تقرير نشرته صحيفة التلغراف أن الكاردينال الإيطالي بيترو بارولين، الذي يُعد أبرز المرشحين لتولي البابوية، يواجه انتقادات بسبب دوره في الاتفاق السري مع الصين بشأن تعيين الأساقفة.
وقد استغلت بكين هذا الامتياز مؤخرا لتعيين اثنين من الأساقفة بعد وفاة البابا، ما يثير القلق بشأن استقلالية الكنيسة في الصين. ورغم أن الكاثوليك لا يشكّلون سوى 10٪ من سكان آسيا، فإن الفاتيكان منح القارة تمثيلا غير مسبوق في مجمع الكرادلة، حيث يضم 23 ناخبا، من بينهم أسقف هونغ كونغ ستيفن تشاو، بحسب يورونيوز.