"الحياة الأبدية".. من الخيال العلمي إلى التجربة العملية
في لقاء جانبي على هامش قمة تيانجين، أثار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موضوعاً غير مألوف في أحاديث القادة السياسيين. فبينما كانت النقاشات تدور عادة حول قضايا الأمن والطاقة والتجارة، انتقل الحديث إلى مستقبل الإنسان وإمكانية تجاوز قيود العمر البشري.
بوتين، الذي يُعرف بشغفه بالمشاريع العلمية الطموحة، أبدى اهتماماً بالأبحاث الروسية في مجال إطالة العمر، بينما شدّد شي على أنّ التقدّم التكنولوجي قد يجعل فكرة الحياة الأبدية أقلّ خيالية مما يظنّ البعض.
لم يقتصر هذا الانشغال على قادة الدول، بل امتدّ إلى رجال الأعمال والمستثمرين في أوروبا.
في يناير الماضي، صدم رجل الأعمال الفرنسي أنتوني بوربون، نجم برنامج "من يريد أن يكون شريكا لي؟"، "Qui veut être mon associé"، جمهوره حين أعلن أنّه وقّع عقداً مع شركة "Tomorrow Biostasis" الألمانية لتجميد جسده بعد وفاته مقابل 50 يورو شهرياً.
وقال بوربون مازحاً: "سنستيقظ ذات يوم عبر تقنية أشبه بالميكروويف، ونعود إلى الحياة في جسد روبوت من صنع إيلون ماسك".
بعد أسابيع، كشف عن استثمار نادي "Blast"، الذي شارك في تأسيسه، مبلغ 1.5 مليون يورو في الشركة نفسها، في خطوة رسّخت حضور التجميد الحيوي كخيار مطروح أمام من يحلمون بتجاوز الموت.
من الخيال العلمي إلى التجربة العملية
تعود جذور هذه الفكرة إلى ستينيات القرن الماضي حين نشر الأكاديمي الأميركي روبرت إيتنغر كتاب The Prospect of Immortality مستلهماً من قصة قصيرة تحدّثت عن جثة تُلقى في مدار الأرض وتعود بعد ملايين السنين.
بعد سنوات قليلة، كان جيمس بيدفورد أول إنسان يُجمّد جسده علمياً عام 1967. ورغم بدائية العملية آنذاك، أصبحت شركته اللاحقة "Alcor Life Extension" من أكبر الجهات الفاعلة في هذا المجال، مع مئات الأجساد المجمدة وآلاف المشتركين.
وتحاول اليوم شركات أوروبية مثل "Tomorrow Biostasis" تطوير التقنية عبر أسلوب "التزجيج" (vitrification)، لكنها لا تزال محاطة بالشكوك.
يؤكد باحثون مثل جان-مارك لوميتر من معهد الطب التجديدي في مونبلييه أنّ ما يُقدَّم حتى الآن لا يتجاوز الأمل أكثر من كونه حقيقة مثبتة.
بين الرغبة ومخاطر المجهول
رغم الطابع التجريبي، تزداد أعداد المنضمين لهذه المبادرات، مثل الطبيب النفسي الفرنسي إريك الذي يرى أنّ 80 أو 90 عاماً لا تكفي لتحقيق طموحاته في السفر والدراسة.
من جهتها، ترى زوجته في التجميد أملاً يتجاوز البعد الفردي، معتبرة أنّ التقنية قد تُسهم يوماً في "إنقاذ حضارات بأكملها".
وفي الاتجاه نفسه، أقدمت تايا، معلمة رقص فرنسية-كندية، على توقيع عقد للتجميد بدافع الخوف من الموت والرغبة في التمسك بالحياة. غير أنّ حتى أكثر المتحمسين لهذه الفكرة يقرّون بأنّ فرص نجاحها ضئيلة للغاية، وربما لن تتحقق إلا بعد قرون طويلة.
مئات الأجساد المجمدة وآلاف المسجلين
حتى الآن، جرى تجميد مئات الأشخاص حول العالم، أبرزهم في الولايات المتحدة حيث تحتفظ شركة "ألكور" بأكثر من 240 جسداً في خزانات النيتروجين السائل، فيما سجّل أكثر من 1400 آخرين أسماءهم ليخضعوا للتجميد فور وفاتهم.
وفي أوروبا، انضم العشرات إلى شركات مثل "Tomorrow Biostasis" الألمانية، بينما تحتفظ "كريو روس" الروسية بعدد من الأجساد المجمدة منذ أكثر من عقد.
ما تزال هذه الأرقام محدودة مقارنة بحجم الضجة الإعلامية، لكنها تكشف عن شريحة صغيرة من البشر قررت أن تراهن على المستقبل، وأن تودِع أجسادها في برودة الخزانات بانتظار صحوة قد لا تأتي أبداً.