أمن
.
لطالما كان ميناء ومطار غزة حلماً فلسطينيا لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ أكثر من 17 عاما، وأحد مطالب حركة حماس في مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل بعد الحروب الماضية.
لكن بمجرد أن أبدى الرئيس الأميركي جو بايدن عزمه إنشاء ميناء عائم مؤقت في غزة، حتى ظهرت انتقادات من فلسطينيين بأن "ميناء بايدن" ينهي حلمهم بـ"ميناء غزة".
فما الفرق بين الميناء التاريخي الذي يحلم به الفلسطينيون ونظيره الأميركي؟ وكيف يرى إسرائيليون فكرة "ميناء بايدن"؟
تاريخياً، حظي سكان غزة باثنين من أقدم الموانئ البحرية في المنطقة، هما ميناء ميومة الممتد تاريخياً للنبطيين الحشمونيين، وميناء أنثيدون الإغريقي الهلنستي.
ميناء ميومة بقي أثره مذكورا في كتب التاريخ على مدار العصور، ففي أواخر العصر العثماني، ورد ذكر ميومة في خريطة بيير جاكوتين عام 1799 باسم "مجوماس".
عام 1883، ظهر أيضاً ميناء غزة في المسح الذي أجراه صندوق استكشاف فلسطين بعنوان "مسح غرب فلسطين" في منطقة ميومة القديمة.
قطاع غزة كان موقعاً مزدهرا ومحوريا لخطوط التجارة العالمية على مدار العصور، لكن مع الانتداب البريطاني ومن ثم إعلان إسرائيل عام 1948، واحتلالها غزة عام 1967، اختفى الميناء وعزلت إسرائيل غزة عن العالم.
تجدد الحديث عن بناء ميناء غزة في اتفاقية أوسلو الأولى للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993. وأعيد التأكيد على أحقية غزة في الحصول على ميناء ومطار دوليين في اتفاقية غزة-أريحا عام 1994.
لكن إسرائيل ماطلت في الأمر حتى عام 1999، وحددت مذكرة شرم الشيخ تاريخ 1 أكتوبر 1999 للبدء في تدشين الميناء، قبل تأخير الموعد حتى يوليو 2000.
الحكومات الأوروبية أبدت رغبة في تمويل مشروع الميناء مذ بدء الحديث عنه في 1994، حيث تعهدت هولندا بـ23 مليون يورو، وفرنسا بـ20 مليون يورو.
وفي عام 2000 وقّعت السلطة الفلسطينية عقداً مع هولندا وفرنسا فيما عرف باسم "المجموعة الأوروبية لتنمية غزة" بهدف إنشاء الميناء، لكن إسرائيل رفضت إدخال مواد البناء الضرورية لإقامته، ما أدى لإلغاء المرحلة الأولى.
وفي سبتمبر من عام 2000، دمرت الدبابات الإسرائيلية موقع بناء الميناء، ثم قصفت إسرائيل الموقع في أكتوبر، وهو ما دفع المانحين لسحب التمويل وإيقاف المشروع.
اختفى الحديث عن الميناء في ظل اندلاع "انتفاضة الأقصى" عام 2000، ومن ثم وقوع الانقسام الفلسطيني عام 2007 وسيطرة حركة حماس على القطاع.
ومع فرض الحصار الإسرائيلي على غزة، انطلقت قوافل بحرية لكسر الحصار، وتمكن بعضها من المرور قبل أن تحظر إسرائيل وصول السفن بشكل رسمي، والهجوم على سفينة "مافي مرمرة" التركية في عام 2010.
لكن بعد عقد حركتي فتح وحماس اتفاق مصالحة فلسطيني عام 2014 للسماح بحكومة السلطة الفلسطينية العودة للقطاع، صرح وزير المواصلات الفلسطيني نبيل الضميدي بأن مصر والسلطة يعملون على خطط لإنشاء ميناء في غزة، ومطارين في الضفة الغربية، وخط سكة حديدية بين غزة والضفة.
انهار اتفاق المصالحة مع شن إسرائيل حرب "الجرف الصامد" صيف عام 2014، ولكن حركة حماس طالبت في اتفاق الهدنة وإنهاء الحرب ببناء مطار وميناء لغزة.
وفي عام 2015، أعلن القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق رفض أطروحة بناء مطار وميناء في غزة إذا كان المقابل هو قطع اتصال القطاع مع الضفة الغربية بشكل كامل لتأسيس دويلة في غزة، و"تتفرد إسرائيل بابتلاع الضفة" على حد تعبيره.
أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن خلال "خطاب حالة الاتحاد" عزمه إرسال ألف جندي أميركي لإقامة ميناء عائم على حدود غزة خلال أسابيع ليتم تزويد القطاع بنحو 2 مليون وجبة طعام يومياً.
جاء إعلان ميناء بايدن بعد "مجزرة الطحين" وجرى تقديمه باعتباره دليلا على نفاد صبر الإدارة الأميركية تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وامتعاضهم من ارتفاع أزمة الجوع في نصف غزة الشمالي.
لكن صحيفة جيروزاليم بوست كشفت أن نتنياهو نفسه صاحب تلك الفكرة، وأنه عرضها على بايدن بعد أسبوعين من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر الماضي.
وتضيف الصحيفة أن نتنياهو عرض الفكرة على رئيس وزراء قبرص نهاية شهر أكتوبر، وجدد عرضها على بايدن مرة ثانية في شهر يناير الماضي.
أما صحيفة معاريف، فتقول إن نتنياهو ناقش مشروع الميناء في غزة مع الكابينت الوزاري قبل شهرين من إعلان بايدن.
الصحيفة تشرح أن ممثلي الجيش أظهروا تخوفاً من أن إسرائيل لن تتمكن من السيطرة على الميناء بشكل حصري للأبد، وأنه مع الزمن قد تتناقص تلك السيطرة، لكن وزراء نتنياهو أبدوا تأييدهم للفكرة بحسب معاريف.
في الواقع فكرة الميناء العائم شكلت هاجساً للحكومة الإسرائيلية لأكثر من عقد من الزمن للتخلص من مسؤولياتها تجاه القطاع.
فوزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، يسرائيل كاتس، عرض تلك الفكرة في عام 2011 عندما كان وزيراً للمواصلات، واقترح بناء جزيرة صناعية عائمة نائية عن غزة تعمل كمطار وميناء بإدارة دولية.
وكرر كاتس دعوته لإنشاء تلك الجزيرة على مدار العقد الماضي، لكن فكرته قوبلت بالاعتراض من السلطة الفلسطينية التي اقترحت حلولاً أرخص وأكثر كفاءة، مثل إعادة توحيد الضفة وغزة وبناء الميناء على أرض غزة لا على جزيرة عائمة.
تجدد حديث إسرائيل عن الميناء العائم الآن يأتي بالتوازي مع إعلان الحكومة الإسرائيلية عزمها قطع "الحبل السري" مع قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، بمعنى إغلاق كامل المنافذ الحدودية المؤدية لغزة وفصلها عن الضفة تماماً.
إعلان بايدن عن إنشاء ميناء عائم لإيصال المساعدات الإنسانية لغزة قوبل بالتشكيك من العديد من المراقبين.
الصحافية البريطانية المخضرمة ليندسي هيلسوم قالت إن "بناء ميناء بحري لإيصال المساعدات لمدينة غزة سيستغرق أشهراً سيموت خلالها عدد أكبر من الأطفال بسبب سوء التغذية. ولكن إذا فتحت إسرائيل معبر إيرز وأخلت الطريق، فمن الممكن إرسال المساعدات بالشاحنات الآن، وإنقاذ الأرواح على الفور.
وتساءلت الصحافية مستنكرة: "لماذا لا تصر الولايات المتحدة على ذلك؟".
وأبدى فلسطينيون مخاوفهم من أن الميناء الأميركي العائم يهدف لكسب الوقت وفصل غزة عن الضفة وتأسيس وجود عسكري أميركي بالقرب من القطاع المحاصر بالإضافة لاستبدال دور الأونروا في شمال غزة بمتعاقدين محليين والخوف من استخدام الميناء لدفع بعض سكان غزة على الهجرة.
الصحافي الغزاوي معتصم دلول تساءل "ما الجديد؟ ما الفرق بين الميناء العائم ومعبر رفح؟".
فإسرائيل تصر على تفتيش أي بضائع تُنقل إلى غزة عبر الممر البحري من قبرص، وقد تجبر السفن على الرسو أولاً في ميناء أسدود للتفتيش ومن ثم المواصلة لغزة.
سيطرة إسرائيل على الممر البحري تعني تطبيق نفس القيود المفروضة حالياً على المساعدات الداخلة من معبر رفح وكرم أبو سالم، والتي تشمل منع إدخال العديد من المواد الأساسية للبقاء مثل مواد البناء وأدوية السرطان والعكاكيز وحقائب النوم والفوط الصحية وأقراص تنقية المياه وأنابيب الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي وأدوية التخدير وحتى الكزبرة.
صحيفة إسرائيل هيوم أقرت يوم الاثنين 11 مارس، أن ميناء بايدن في غزة يخدم ثلاثة أهداف:
نقلت الصحيفة عن مسؤول سياسي قوله إن تقديم المساعدات إلى غزة يثير غضب الجمهور الإسرائيلي ولكنه "ضروري لاستمرار الدعم الدولي على للعمليات العسكرية في غزة".
إسرائيل هيوم قالت إن تشغيل الميناء بين قبرص وغزة، يجري حالياً بتنسيق كامل بين إسرائيل وأميركا، وأن أولى مراحل المشروع ستكون السماح فقط بإدخال 10 إلى 20 شاحنة يومياً لغزة كفترة تجريبية وهو ما لا يتجاوز خُمس عدد الشاحنات التي تدخل القطاع من معبر رفح حالياً.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة