رحلة "خطرة" بين لبنان وسوريا.. "وشاية أمنية" قد تنهي حياتك

قبل الدخول إلى سوريا، لا بد من الحصول على ضمانة أمنية تضمن أنه لا "وشاية" بحقك.

من لبنان، عليك أن تتصل أولا بـ"أحد الوسطاء"، وعبره تستطيع معرفة ما إذا كان اسمك مُدرجا على لائحة المطلوبين أو المخلين بالأمن هناك، حتى وإن كنت تزور سوريا لأول مرة.

اتصل مراسل بلينكس في لبنان بـ"أبو مجيد" (اسم مستعار)، وانتظر 24 ساعة لتحديد ما إذا كان بإمكانه السفر إلى دمشق. وبعد انتظار، ورد الخبر: "ما في شي عليك خيّو.. فيك تطلع بأمان".

هكذا أتت الضمانة الأمنية من هذا الوسيط الذي يقول إن علاقة جيدة تربطه بلبنانيين وسوريين نافذين، فهم يعرفونه وهو يعرفهم جيدا، فيما الخدمة التي يؤديها "يقبض ثمنها ماليا باستمرار".

بعد الاتصال بدأت الرحلة من بيروت إلى دمشق عبر نقطة المصنع السوري، وهناك تم تدقيق الهويات والأوراق الرسمية المطلوبة لدى الأمن العام السوري.

بعد وقت قصير، تم الأمر ومن الأمن العام إلى مكتب التأشيرات، تم ختم الأوراق وصدر الإذن بالدخول، وهنا تبدأ رحلة أخرى للمرور على 4 حواجز، أحدها تابع لـ"الفرقة الرابعة في الجيش السوري".

وبعد إتمام كل هذه الخطوات، ستتأكد من صحة ما قاله "الوسيط" بأن وضعك القانوني سليم، لكن إن كان كلامه خاطئا، فعندها ستكون النهاية، بحسب ما يقول شخص تحدث لبلينكس شرط عدم الكشف عن هويته، كان اختبرَ التوقيف في سوريا التي يزورها بشكل دائم على مدى 15 عاما، وذلك بسبب "وشاية" تعرض لها سابقا، ولولا "وساطته الكبيرة" لكان بقي في السجن لمدة أطول.

أساس هذه الوشاية يأتي من "مخبرين"، وتكشف معلومات بلينكس أن هؤلاء هم من الجنسية اللبنانية لكنهم يتبعون أحزابا مؤيدة معروفة بمواقفها المؤيدة للرئيس السوري بشّار الأسد.

هنا يقوم المخبر بدور أمني، فبعضهم يتتبع من لديه نشاط عام ويطلق مواقف سياسية باستمرار عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما البعض الآخر يستغل سلطته للانتقام من أشخاص "يختلف معهم" في الإنتماء السياسي أو في الرأي.

المخبرون هؤلاء جميعا لديهم أداة واحدة لإيذاء الأشخاص الذين يحددونهم، ويكون ذلك عبر وضع أسمائهم عند الحدود مع سوريا، وبالتالي في حال وصول الشخص إلى هناك سيتعرض للتوقيف.

بلينكس استطاعت الوصول إلى عدد من أسماء المخبرين الذين قيل إنهم ينتمون لحزب البعث - لبنان، الذي لم تنف مصادر من داخله هذا الأمر وأكدت أن "هناك شكاوى وردت إلى مسؤولين في الحزب بشأن بعض المخبرين الذين يدرجون أسماء لبنانيين عند الحدود"، وقد تمت متابعة الأمر معهم.

ولكن حتى وإن تم وضع اسمك في سوريا ضمن قائمة المطلوبين؟ فما الذي سيؤثر عليك طالما أنت في بلدك وقد لا تزور سوريا أبدا؟

يتحدث الشخص الذي أوقف في سوريا بسبب "الوشاية" مفسرا:

• كثير من اللبنانيين يزورون سوريا إما لشراء الحاجيات أو للسياحة.
• هناك لبنانيون يذهبون إلى مقامات دينية في سوريا.
• في ظل الإشتباكات بين جماعة حزب الله اللبنانية والجيش الإسرائيلي، من الممكن تماما أن يلجأ لبنانيون كثر للذهاب إلى سوريا في حال اندلاع حرب موسعة يتم التحذير منها حاليا.

ويقول مصدر في الأمن العام اللبناني لبلينكس إن آلاف اللبنانيين يدخلون شهريا إلى سوريا عبر المعابر الحدودية البرية.

ما يتبيّن من الملف القائم هو أن الكثير من الأشخاص اللبنانيين الذين يواجهون ملفات أمنية في سوريا، سيصطدمون باتهامات مفبركة تطالهم.

لبناني آخر واجه ملفا أمنيا في سوريا يكشف لبلينكس أنه ولدى خضوعه للتحقيق في دمشق التي كان يزورها باستمرار، اكتشف أن المخبرين الذين سطروا "وشاية" بحقه وجهوا إليه تهما عديدة ضمن ملف واحد أبرزها:

• الإرتباط بأحزاب لبنانية مناوئة لسوريا
• استخدام الدولار خلال عمليات الشراء داخل الأراضي السورية (علما أن هذا الأمر ممنوع ويعاقب عليه القانون هناك)

بحسب المتحدث، فإنه بفضل تدّخل "أحد السياسيين اللبنانيين المقربين من دمشق"، حُلّت المسألة وبالتالي تمت إزالة اسمه من قائمة المطلوبين للدولة السورية.

بلينكس حصلت على معلومات متقاطعة من مصدرين أمنيين لبنانيين وآخر سوري، تفيد بمراكز التحقيق التي تجري داخلها عمليات الاستجواب، وقد تبين التالي:

• استجواب المتهمين والموقوفين يجري ضمن الفرع الأمني المعروف بـ"فرع 227" في منطقة كفرسوسة بدمشق.
• بعد الانتهاء من التحقيق، ينتقل الملف إلى دائرة المحفوظات في منطقة الزبلطاني بدمشق.
• في حال تمت عملية التوقيف والسجن، فإنه لا إمكانية لمعرفة المكان الذي سيودع فيه المتهم نظرا لوجود سرية تحيط بهذا الأمر.

قبل الدخول إلى سوريا من المهم شراء الليرة السورية لدى أحد الصرافين عند الحدود.

مبلغ 600 دولار كفيل بمنحنا 9 مليون ليرة سورية، علما أن راتب الموظف خارج القطاع العام هناك لا يصل إلى مليون ليرة سورية، بينما هناك موظفون آخرون رسميون يتقاضون 500 ألف ليرة سورية كحد أقصى.

وخلال شهر فبراير 2024، أقرت السلطات السورية زيادات على رواتب الموظفين، وتبين أن الحد الأدنى للأجور بلغ 280 ألف ليرة، 19 دولارا.

الأمر هذا ينطبق على مسألة معالجة ملف "الوشاية"، فبحسب أحد "سماسرة تنظيف السجلات" فإن ٣ آلاف دولار (45 مليون ليرة سورية) كافية لتنظيف سجل من عليه وشاية، ويزعم ان هذا المبلغ يذهب جزء منه لـ"موظفين حكوميين".

وبحسب المصدر، فإن هذه التكلفة ستكون مقابل إجراءات قانونية سيتولى المشرفون عليها إتمامها، وعبرهم ستصدر الإشارة بـ"تنظيف الملف"، وبالتالي رفع الاسم عن قائمة المطلوبين.