أمن‎

"الدكة العشائرية".. عصابات عراقية للإيجار

نشر

.

Iraq-blinx

إلى شارع فلسطين بالجانب الشرقي من بغداد توجه مقداد، قاصدا مكتبا للعقارات يضمن حل مشكلته، بحسب نصيحة أحد أصدقائه.

كان واضحا على العاملين في المكتب، أنهم لا يختصون في العقارات فقط، شاهد مقداد شيوخ عشائر بالزي العربي ورجال يجلسون بإحدى الزوايا وكأنهم بانتظار عملهم.

عرض مقداد مشكلته على مدير المكتب، وأخبره بأن صهره "رائد" مرتبط بميليشيا مسلحة، كما يحتمي بعشيرة قوية.

وبينما كان مقداد منهمكا بسرد تفاصيل الخلاف، قاطعه أحد الجالسين قائلا: "عمي اختصرها علينا، تريد دكة وبس".

تعرف "الدكة العشائرية" بأنها نوع من إعادة الاعتبار وتهديد الخصم، إذ تقوم مجموعة تنتمي لعشيرة معينة بالهجوم على منزل الخصم وإعلام الناس بهوية المنفذين، بهدف إجبار الشخص المستهدف على الخضوع للعرف العشائري لحل الخلاف.

تنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير، في المحافظات الجنوبية والعاصمة بغداد، ويبدو أن حالة البلاد ساهمت بإذكائها، حتى باتت مصدر ربح للكثيرين.

استئجار دكة عشائرية لتهديد زوج الأخت

مقداد، يروي لبلنكس تجربته في استئجار "دكة عشائرية" لإجبار زوج اخته على إعادة مبلغ كبير من الأموال استدانها منه في وقت سابق.

لم يسبق للكاتب وهو موظف بوزارة المالية العراقية أن تعرض لمواقف مشابهة، فهو كما يقول، مشغول بعمله وأسرته وبعيد عن "الطلايب" أو المشاكل.

اختار مقداد "الدكة" فقط خوفا من أن يتورط بمشاكل أكبر حال تدخل هؤلاء الرجال بقضيته خصوصا أن الخلاف على مبلغ مالي كبير.

عرض مدير المكاتب عدة خيارات على مقداد، ولكل واحد منها سعره، فمثلا هجوم سريع بـ3 أشخاص يكلفه 500 ألف دينار عراقي (حوالي 320 دولارا)، أما الهجوم بعدة سيارات وإطلاق كميات كبيرة من الرصاص على المنزل فهذه يكلف 1.5 مليون دينار (ألف دولار أميركي).

اتفق مقداد على الصيغة الثانية، وأخذوا منه عنوان دار صهره بالتحديد، وأخبروه أنهم سيبلغوه قريبا بموعد التنفيذ، إذ يعاني صاحب المكتب كما يقول "من فائض في العمل".

صورة تعبيرية أ. ب.

موعد "تنفيذ الغارة"

بعد 4 أيام أخبر الرجل صاحب الزي العربي، مقداد بموعد التنفيذ، في اليوم التالي ظهرا.

ظل مقداد في حالة ترقب حتى وصله مقطع مصور يظهر الدكة العشائرية على دار صهره بالتفاصيل، حيث هاجم 5 مسلحين المنزل بوابل من الرصاص فيما امتلأ الشارع بنحو 10 أشخاص، وهم يعلون أصواتهم بالصراخ مهددين صهره رائد.

أيام قليلة مرّت حتى اتصل رائد مقداد، عارضا عليه جلسة تسوية وصلح تنهي هذا الخلاف.

"قهوة الأجاويد"

إلى حي الشعلة الشعبي ببغداد، حيث تندفع النزاعات العشائرية وتأخذ طابعا دمويا، يتوجه الكثير من الراغبين بحل مشاكلهم بالطريقة العشائرية، قاصدين "مقهى الأجاويد" الشعبي نقطة تجمع شيوخ عشائر "حقيقيين" أو "مزيفين".

الدكتور عبد المنعم حميد، أستاذ في جامعة النهرين، كان أحد الباحثين عن حلول هناك، بعد أن أرهق من مراجعة مراكز الشرطة لإخلاء بيته في حي الفرات من مستأجر ظل لعامين يسكن مجانا مستقويا بعشيرته.

دخل الدكتور حميد المقهى الشعبي، الذي بدا وكأنه خلية نحل، في كل زاوية منه مجموعة منهمكة بالجدال، حتى بدا كقاعة اجتماعات لا مقهى لتقضية وقت الفراغ، بحسب حديث حميد لبلينكس.

سأل الأستاذ الجامعي صاحب المقهى عن (ك. ب.)، أحد المختصين بحل هذه القضايا.

في زاوية قرب الباب، ومحاطا بعدة أشخاص يجلس (ك.) متكئا على الكرسي الذي يسع شخصين، بكامل زيه العربي ولا يحجب وجهه سوى دخان السجائر الكثيف، فالرجل لا يكاد يطفئ واحدة حتى يشعل الأخرى.

لم يكن الدكتور حميد معتادا على التعامل مع مثل هذه الأجواء، فجلس مقابل (ك.) وأخذ يشرح له المشكلة.

"خلص يمي" تلك الجملة الوحيدة التي سمعها الأستاذ الجامعي من الشيخ العشائري الذي كلف أحد مساعديه بأخذ التفاصيل من الدكتور حميد والاتفاق على المبلغ.

يقول الأستاذ الجامعي: "تم سؤالي إن كان لي نية ببيع المنزل، إلا أنني أجبت بالنفي، فقال لي الشخص الذي دون كل شيء على الهاتف، إن تكلفة الأمر تصل 15 مليون دينار عراقي، وستحل المشكلة خلال شهر على الأقل.

بعد أيام اتصل المستأجر بحميد عارضا التسوية إذ كان الشيخ العشائري قد زاره وهدده، فوافق الدكتور على الفور وتم تحديد موعد للجلسة العشائرية التي سيحضرها رفقة "العشيرة المستأجرة".

انتهى الخلاف بخروج المستأجر بعد تنازل حميد عن كامل الأموال المستحقة الدفع للفترة الماضية، وهكذا اختصر جهد أشهر من مراجعة مراكز الشرطة بجلسة عشائرية كلفته حوالي 10 آلاف دولار.

حيلة الضعفاء

عادة تلجأ لهذا الطريقة العائلات التي لا تنتمي لعشائر وتعود أصولها عادة إلى القومية التركية أو الفارسية، كذلك من قد انقطعت علاقته بعشيرته أو حتى يجهلها.

ويقوم على هذا الأمر شيوخ عشائر فعليا أو من يدعي بأنه كذلك، كما يقول الناشط المدني العراقي كامل العبيدي لبلينكس.

ويضيف العبيدي، "يقوم صاحب المشكلة باستئجار الشيوخ مقابل مبالغ معينة لحل خلافاتهم، إذ يُقسم "شيخ العشيرة" المبلغ المستحصل لقاء هذه الممارسات بين أتباعه".

عصابات تتساقط

وفي تصريح سابق قال مدير شرطة الرصافة، اللواء شعلان الحسناوي: "إن هناك عدة أنواع للدكة العشائرية وأخطرها من يقوم بتنفيذها عصابات مأجورة، كما هناك نوع آخر تتمثل بافتعال الشخص للدكة ضد نفسه بتوجيه النار على داره السكنية لتضليل الأجهزة الأمنية والقضاء، من خلال تقديم الشكوى ضد آخرين لأغراض الابتزاز ودفع الإتاوات".

وفي شهر مارس 2022، سقطت أولى تلك العصابات، بعد أن أعلنت خلية الإعلام الأمني، القبض على عصابة لتنفيذ "الدكة العشائرية" مقابل مبلغ مالي شرقي بغداد.

وقالت الخلية آنذاك، إنها ألقت القبض على عصابة لتنفيذ عمليات الدكة العشائرية مقابل مبلغ من المال مكونة من ستة متهمين.

وفي نوفمبر 2018، وجه مجلس القضاء الأعلى بالتعامل مع الدكة العشائرية وفقاً لأحكام قانون مكافحة الإرهاب، إلا أن عدة محاكم في المحافظات الجنوبية اعترضت على القرار وأبقت القضايا داخل محاكم الجنايات.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة