لماذا لا تستطيع إسرائيل صناعة أسلحتها بنفسها؟

الضابط المسؤول بسلاح الجو الإسرائيلي، أبلغ هآرتس بأن إسرائيل لم تكن لتتمكن من مواصلة حربها لأكثر من بضعة أشهر، لو لم تكن تتمتع بإمدادات الأسلحة الأميركية والغربية، خاصة تلك القادمة لسلاح الجو.

وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أشار إلى أن تعليق تصدير الأسلحة يشمل تراخيص مكونات بعض الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر والطائرات المسيرة، لكنه لم يقترب من مكونات طائرات "إف-35".

وعلى الناحية الأخرى، فإن المنتج الوحيد الذي منعته الإدارة الأميركية عن إسرائيل هو صاروخ "مارك 84" من تصنيع شركة General Dynamics، الذي يصل وزن الواحد منه لطن أو 2000 باوند.

إسرائيل أمطرت سماء غزة غزة بتلك الصواريخ على مدار أشهر الحرب الماضية، واستخدمتها بكثافة عالية في مناطق مكتظة بالسكان، ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى اتهامها بقصف غزة بشكل عشوائي.

صحيفة إسرائيل هيوم تقول إن إسرائيل قررت مؤخرا تطوير وتصنيع قنابل ثقيلة للقوات الجوية الإسرائيلية محليا، بما في ذلك قنابل وزن الطن المشابهة لـMK-84 الأميركية.

لكن الصحيفة تقر أنه من المتوقع أن يستغرق تطوير وإنتاج هذه القنابل الجديدة من عامين إلى 3 أعوام.

وتضيف أن وزارة الدفاع تعمل على توسيع الإنتاج المحلي لأسلحة إضافية، بما في ذلك ذخيرة الدبابات التي تعد نادرة على مستوى العالم، وقذائف 155 ملم التي تستوردها من أميركا بنهم كبير.

وأعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، مؤخرا، صفقات كبيرة مع شركات محلية، بما في ذلك عقد بقيمة 1.5 مليار شيكل (400 مليون دولار) مع شركة "إلبيت" لشراء الذخيرة وإنشاء مصنع متخصص جديد في جنوب إسرائيل، لكن تلك الأمور ستستغرق أيضا العديد من السنوات.

وقبل فترة وجيزة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أيضا عن صفقة أخرى مع شركة أنظمة "إلبيت"، لشراء قنابل هاون من طراز "آيرون ستينج"، مقابل 815 مليون شيكل.

وتخطط إسرائيل أيضا لزيادة إنتاج المركبات المدرعة؛ مثل الدبابات وناقلات الجنود، إذ إن الإنتاجية الحالية ضئيلة للغاية، وتصل لمعدل 24 دبابة سنويا فقط.

المرة الأولى التي تعرضت فيها إسرائيل لحظر الأسلحة، كانت عشية إعلان إنشائها عام 1948، إذ رفضت العديد من الدول الغربية إمدادها بالسلاح، خوفا من غضب جيرانها.

وأعلنت الأمم المتحدة هدنة في 29 مايو، بعد إعلان إنشاء إسرائيل بأسبوعين، وشملت حظرا على الإمدادات بالسلاح.

وكانت عصابات الهاغاناه قد بدأت في ثلاثينيات القرن الماضي، بإنتاج ذخيرة للأسلحة الصغيرة وقنابل وبنادق ومدافع هاون خفيفة بحسب TheMarker، وأسست مصانع وورشات تصنيع ذخيرة وسلاح تحت الأرض في جفعاتيم وتل أبيب في عام 1945، أسفل مغسلة ومخبز ومنشآت مدنية أخرى.

وفي أواخر الستينيات، فرضت فرنسا حظرا على الأسلحة لإسرائيل، ما أثر على استيرادها للطائرات، لكن نجحت المصانع الإسرائيلية في إنتاج طائراتها الخاصة، مثل طراز "النسر" الذي اعتمد تصميمه على المقاتلة الفرنسية "ميراج 5"، ثم طائرة "كفير" الأكثر شهرة.

لكن حتى ذلك الوقت، تقول TheMarker إن إسرائيل واصلت الاعتماد على الأنظمة المستوردة، مثل سفينة "شيربورج".

في السبعينيات، انسحبت بريطانيا من خطة لتزويد إسرائيل بدبابة The Chieftain التي طوّرتها، ما دفع الإسرائيليين إلى إنتاج دبابة زرقاء وبيضاء على شكل ميركافا، مستندة إلى دبابة هيبتون الأميركية (M60 وM48)، بحسب الصحيفة.

لذلك، ليس من المستبعد أن تخضع إسرائيل لحظر الأسلحة مرة أخرى من قبل دول غربية، وهو ما حدث بالفعل مع كندا التي أصدرت قرارا بمنع تصدير السلاح لإسرائيل، بسبب حربها على غزة، أو هولندا التي منعت إحدى محاكمها الحكومة من تصدير السلاح لتل أبيب.

أحد الأسباب الرئيسية لفشل إسرائيل بتلبية حاجتها من السلاح ذاتيا، هو أنها تُصدِّر حاليا نحو 70%-80% من إنتاجها الحربي للخارج، وبعض تلك الصفقات طويلة الأجل، بحيث يتم تسليم الأسلحة المتفق عليها خلال سنوات عدة.

صحيفة TheMarker تنقل عن رئيس مجلس إدارة الصناعة العسكرية الإسرائيلية، يعقوب ليفشيتز، قوله إن تل أبيب تحولت، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، من إنتاج السلاح لنفسها إلى الإنتاج بهدف التصدير والربحية، إذ تفوقت نسبة الصادرات للخارج على الإنتاج للاستهلاك المحلي بالشكل الهائل الحالي.

هذا يعني أن خطوط إنتاج المصانع الإسرائيلية مشغولة لسنين قادمة، ولا تستطيع تل أبيب الاعتماد على مصانعها الحربية المشغولة بالفعل لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

فإذا أمرت الحكومة مصانع "إلبيت" أو أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة، بالتفرغ لتصنيع الأسلحة للجيش بدلا من التصدير، فإن ذلك سيعود على الاقتصاد الإسرائيلي بضرر بالغ، لفقدانه دخلا هائلا من الصادرات الحربية للخارج، فضلا عن أن الأمر سيستغرق وقتا؛ لأن الشركات ملزمة بعقود توريد طويلة، يستلزم فسخها دفع شروط جزائية عالية.

وإذا سعت إسرائيل نحو توسعة مصانع السلاح وخطوط الإنتاج أو بناء فروع جديدة لتلك المصانع، فإن ذلك سيستغرق المزيد من الوقت إلى أن يُحقَّق.

الأمر الثاني الذي يعوق قدرة إسرائيل على تحقيق الاكتفاء الذاتي الحربي، هو الخطر الداهم على مصانعها العسكرية في المقام الأول، في حال نشوب أي معركة أو حرب في الشمال أو مع إيران.

وبالفعل، قام الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، بالتهديد بقصف المصانع الإسرائيلية في حال اندلاع مواجهة، كما نشر الحزب مقاطع مصورة لطائرات مسيرة حربية، نجحت في التسلل للأجواء الإسرائيلية والتقاط ورصد مواقع عسكرية ومصانع للإنتاج الحربي، وهاجم أيضا مصنع بلاسان العسكري في شهر يونيو.

وعلى أي حال، لا يمكن مقارنة إسرائيل بالدول الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة الأميركية، في مسألة إخفاء مصانع سلاحها وتحصينها بشدة، ما يعني أنه في حال اندلاع أي مواجهة، فإن تلك المصانع ستكون على رأس بنك الأهداف.

سبب آخر يمنع إسرائيل من السعي نحو الاكتفاء الذاتي الحربي، وهو الكلفة المادية للإنتاج المحلي، خاصة في ظل عصر العولمة وسلاسل الإمداد وخطوط الإنتاج الموزعة على عدة دول لتقليل التكلفة.

صحيفة TheMarker نقلت عن ليشفيتز قوله: "حتى الولايات المتحدة العظيمة، لا تعتمد على نفسها فقط، فهي تشتري الأسلحة أيضا من الخارج، بما في ذلك منا نحن، وكذلك تفعل جميع الدول الأوروبية الكبرى، وهذا بالتأكيد وضع معقد للغاية".

ويضيف ليشفيتز: "جزء كبير من الإنتاج الحربي أصبح عبارة عن مشاريع مشتركة بين عدة شركات أو عدة دول، تتعاون في صناعة منتج واحد".

الأمر لا يختلف كثيرا عن صناعة الملابس مثلا، إذ تشتري المصانع الكبرى عادةً القطن أو المواد الخام من بلد معين بأرخص سعر، ومن ثم نقله لتصنيع القماش الخام في بلد، ومن ثم تطريزه وصناعة الملابس منه في بلد ثالث، وطباعة الشعارات عليه في بلد رابع، وتغليفه في بلد خامس، لتكون التكلفة الإجمالية أرخص من صناعة المنتج بأكمله في بلد واحد.

طائرات "إف-35" الأميركية تصنعها شركة لوكهيد مارتن بسعر يصل إلى 100 مليون دولار للوحدة الواحدة، لكن الدنمارك تصنع معدات وأدوات لتلك الطائرة في شركة Flyvestation Skrydstrup، بخلاف بعض المكونات الأخرى في هولندا.

هناك أيضا أسباب دبلوماسية ومصالح شخصية في صفقات السلاح، إذ لا يزال تحقيق بتهم الفساد مفتوحا ضد نتنياهو لشرائه عدة غواصات ألمانية.

هناك أيضا "باب دوار" بين شركات السلاح والحكومات، إذ ينتقل الموظفون الحكوميون للعمل في تلك الشركات، أو ينتقل موظفو تلك الشركات للعمل في الحكومة.

لذلك، تدخُل تلك الاعتبارات الدبلوماسية والسياسية في الحسبان في مسألة الصناعات الحربية، بالإضافة للاعتبارات المادية والاقتصادية، إذ ترتفع تكلفة إنتاج الصواريخ أو الطائرات محليا لأضعاف سعر شرائها من دول أخرى.

علاوة على ذلك، فإن هناك عامل الوقت أيضا، فبعض المعدات القتالية أو المركبات أو الطائرات المسيرة يستغرق تطويرها العديد من السنوات الطويلة من البحث والتعاون المشترك والتجريب والمراجعة، لذلك تفضّل الدول الشراء ممن نجح في تطوير تلك المنتجات، بدلا من إمضاء سنوات طويلة في محاولة إنتاج معدات شبيهة.