باتت من "الكماليات".. نازحو جنوب لبنان "يشتهون اللحوم"

داخل دكانه في بلدة جديدة مرجعيون القريبة جدا من الحدود، والتي تبعد بضع كيلومترات قليلة عن بلدة كفركلا التي تقصفها إسرائيل بشكل يومي، ينتظر القصّاب أكرم أبو مراد لساعات عدة خلال النهار زبائنه لشراء اللحوم الطازجة.

قبل بدء أحداث جنوب لبنان في أكتوبر الماضي، كان متجر أبو مراد لا يهدأ، لكن التوترات جعلته أمام واقع صعب جدا.

أبو مراد يروي لبلينكس تفاصيل معاناته، ويقول "عملنا تراجع 50%، فالناس ما عاد تشتري اللحوم مثل قبل باعتبار أنها صارت من الكماليات، في عيل (عائلات) بتفضل عدم صرف الفلوس على اللحوم وغيرها لأن أحوالها المادية محدودة".

ما قاله أبو مراد يؤيده خضر عبدالله الذي نزح من كفركلا باتجاه بلدة تول بجنوب لبنان، وقال لبلينكس "اللحوم شبه غائبة عن أطباقنا وعم نعتمد على البقوليات والخضار بشكل أساسي، حتى هذه أصبحت مرتفعة الأسعار، والسبب هو استغلال المحلات لوضعنا".

بالنسبة لعبدالله، فإن "الحلويات أيضا أصبحت غائبة عن مائدته"، فهي باتت الطبق الفاخر الذي لا يستطيع نازح الحصول عليه إلا الذي لديه قدرة مالية على ذلك، وفق قوله.

من جهتها، تقول الشابة اللبنانية فاطمة شرارة التي نزحت مع عائلتها وأشقائها إلى مدينة صور في جنوب لبنان إن "مائدة الطعام اختلفت تماما عما كانت عليه قبل الحرب"، وقالت "الأسعار مرتفعة والمؤن التي تأتينا مش بجودة جيدة".

وأكملت "قبل ما نزحنا كنا نعيش أوضاع جيدة، فاللحوم دائما متوفرة، حاليا لا لحوم ولا حلويات ولا شيء.. عم نعيش على الأرز والعدس والخضار، مرات بنشتري شوية دجاج أو 200 غرام من اللحم".

غالبية بلدات الخط الحدودي بين لبنان وإسرائيل تعد مهجورة الآن، فلا سكان فيها ولا متاجر ناشطة، كما أن كل نواحي الحياة فيها منعدمة، باستثناء بلدتي القليعة وجديدة مرجعيون وقرى مجاورة لها باتجاه شرق لبنان، تظهر بعض الحركة لكنها خجولة أيضا. المنطقة هناك نشطة نوعا ما والسبب هو أن معظم سكانها لم يغادروا منازلهم رغم الخطر الكبير.

في تلك المناطق، متاجر صغيرة وكبيرة تبيع المواد الغذائية، لكن أحوال هذه المؤسسات باتت صعبة جدا، فصمودها صعب بسبب انخفاض الحركة الاستهلاكية وتدهور الوضع الاقتصادي للمنطقة بفعل التوتر.

من كفركلا المهجورة بسبب الدمار، ينتقل المواطن اللبناني يحيى باتجاه بلدات أخرى مجاورة يرى فيها بعض الحياة، والهدف هو شراء الحاجيات الأساسية، ففي بلدته لا متاجر ولا حركة نهائيا، حتى أن مياه الشرب غير متوافرة، على حد تعبيره.

في حديث مع بلينكس يقول يحيى إن المخاطرة التي يعيشها يوميا لشراء أغراضه وغذائه هي أمر يرافقه منذ بدء الحرب، ويضيف "من وين سنشتري أكلنا؟ أشتري الأساسيات بس لحتى أبقى صامد مش أكثر من هيك".

من جهته، يتحدث نسيم أبو حمد، وهو صاحب متجر لبيع المواد الغذائية في بلدة القليعة، عن تفاصيل معاناته اقتصاديا ومعيشيا، ويقول "الحرب هلكتنا، محلي مهدد بالإقفال وعم بيع بخسارة والحركة معدومة وشغلنا تراجع 70%".

وعند دوار كفرجوز في النبطية، يمكث أبو وليد غنوي، 65 عاما، ليبيع "مونة بلدية" يحضرها بنفسه.

وعند دوار كفرجوز في النبطية، يمكث أبو وليد غنوي، 65 عاما، ليبيع "مونة بلدية" يحضرها بنفسه.

أبو وليد هو أحد النازحين من بلدة حولا في جنوب لبنان، وهي منطقة تتعرض لقصف إسرائيلي مستمر وباتت غالبية منازلها مدمرة.

في حديثه يقول غنوي إنه نزح إلى النبطية منذ بدء التوتر، مشيرا إلى أنه اختار أيضا أن "تنزح مؤونته" معه (المونة باللهجة اللبنانية)، من زيتون، سفرجل، المكدوس البلدي، مربى التين، الكشك، الزعتر وغيرها.

يلفت غنوي إلى أن تحضير المؤونة البيتية البلدية هي عمله الأساسي قبل النزوح، وقد اختار مواصلة نشاطه حاليا عبر طاولة صغيرة على جانب الطريق، باعتبار أن ليس لديه أي قدرة على استئجار متجر صغير، موضحا أن البضاعة التي يبيعها يشتري بها بعضا من قوت يومه لكي يعيش.

في المقابل، يقول بول صبحية، وهو صاحب متجر لبيع "المونة البلدية" في جديدة مرجعيون إن "عمله تأثر بشكل كبير"، مشيرا إلى أن "نسبة كبيرة من سكان المنطقة باتوا من النازحين وبالتالي تراجعت حركة الاستهلاك".

الخبير الاقتصادي اللبناني، نسيب غبريل، يصف وضع اقتصاد جنوب لبنان بالسيئ وسط الحرب، مشيرا إلى أن الخسائر كبيرة جدا، وأضاف "لا يمكن فصل اقتصاد لبنان عما يجري في الجنوب، فالأحداث هناك لا تؤثر على منطقة النزاع فحسب، بل على سائر البلاد".

غبريل هو من منطقة حاصبيا في جنوب لبنان القريبة على الخط الحدودي اللبناني مع إسرائيل، يصف الأحوال الاقتصادية بـ"المتدهورة"، ويقول لبلينكس "منطقة حاصبيا السياحية تراجعت فيها الحركة الاقتصادية بنسبة 75%، كما أن حركة المواطنين أيضا باتت خجولة جدا".

من جهته، يقول مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر لبلينكس إن فرق الوزارة تعمل على مواكبة المناطق التي نزح إليها الجنوبيون بهدف ضبط التلاعب بالأسعار ومنع الاحتكار، مشيرا إلى أنّ أي شكوى يجري التعامل معها فورا من دون أي تردد.

وأضاف "هناك دوريات يومية في منطقة الجنوب، وتم تسطير العديد من المحاضر وإحالتها للقضاء، كما تم أخذ العديد من العينات لفحص المنتوجات الموجودة بهدف التأكد من سلامة الغذاء".