عربات الطعام التركية تنتظر المجهول

يقول هاكان متنهدا، وهو يقدم لسائح أميركي كيساً من الكستناء: "بسبب التضخم، خسرت نحو نصف زبائني".

ويتساءل: كيف يمكن لهذه المهنة أن تبقى موجودة في المستقبل، في ظل افتقار العاملين فيها إلى راتب مستقر وضمان اجتماعي وتعويضات تقاعدية؟

لكن لا غنى لإسطنبول عن هؤلاء.. فشخصية بائع الطعام المتجول لا تنفصل عن صورة المدينة، التي يبلغ عدد سكانها اليوم 16 مليونا.

وعند حلول الظلام، تشكل هذه المطاعم الصغيرة المتنقلة، المضاءة بمصابيح النيون، جزراً من النور، فيما تمتزج في الأجواء الروائح المنبعثة منها، من المحار المحشو هنا إلى السمسم الساخن لخبز السيميت التقليدي الصغير المستدير هناك.

لاحظ الباحث في جامعة إزمير للاقتصاد عثمان سيركيجي أن صورة هؤلاء الباعة "إيجابية عموماً".. ويُنظر إلى بعض الباعة على أنهم ورثة "تقاليد عثمانية".

وقد شهدت هذه المهنة طفرة، في أعقاب جائحة كوفيد، باعتبار أنها توفر حلاً بديلاً، لمن يجدون صعوبة في العثور على عمل.. وباتت تركيا اليوم تضمّ 7 ملايين بائع متجول من كل الأنواع، بينهم القانونيون وغير القانونيين، بحسب سيركيجي.

لكن زيادة التضخم انعكست سلباً على هذه المهنة، التي غالباً ما تكون مداخيل العاملين فيها منخفضة مع هوامش ربح ضيقة.. في وقت ارتفع فيه سعر المكوّنات، مثلما قال نوري جييك (54 عاماً)، الذي كان يبيع خبز السيميت بليرة تركية واحدة قبل بضع سنوات، في حين يبيعه اليوم "لقاء 15 ليرة".

من جهة أخرى، يؤكد مدحت أتيلغان، بائع الفواكه والخضراوات المزروعة في منطقة بورصة، على بعد 150 كيلومترا من إسطنبول، أن "كلفة النقل ارتفعت أيضاً".

وانعكس ذلك سلباً على المبيعات التي "ليست على ما يرام"، لأن سكان إسطنبول لا يستطيعون مجاراة ارتفاع الأسعار.. بينما "الأغنياء وحدهم هم الذين يستطيعون شراء الفاكهة" اليوم، إلى جانب السياح الذين باتوا يشكّلون 70% من الزبائن وفق هاكان.

وعلى بعد خطوات قليلة، يخشى مصطفى دمير أن يواجه المصير عينه.. فلدى بائع الخيار المخلل وعصيره المالح "قاعدة جيدة من الزبائن الأتراك الثابتين"، وفق تعبيره.. لكن إلى متى؟

ويخاف الباعة من انقراض هذه المهنة، في حال لم يعد هناك زبائن محليون، مثلما يبدو بالنسبة لبائعي "البوظا" (المشروب المخمر المصنوع من الحبوب)، فـ"اليوم، لا يوجد شيء تقريبا في إسطنبول".. لكن الباحثين كعثمان سيركيجي يستبعدون هذا السيناريو.