"سوق الجمعة".. حيلة مصرية في وجه الغلاء

العمل في قطاع الرياضة في مصر يتطلب الكثير من المال لشراء الملابس والأحذية الرياضية الأصلية، خاصة إذا كان الوضع يتعلق بمدرب يجب أن يحافظ على أعلى معايير الجودة ليكون قدوة للاعبيه، وهنا يُقدم "سوق الجمعة" المُعادلة المثالية.

وجد مدرب كرة السلة في قطاعات الناشئين بمصر طه عبد الحليم، ضالته في سوق الجمعة بالقاهرة، حيث يتعامل مع بعض الباعة الذين يوفرون ملابس رياضية أصلية أو مثيلة لها بتطابق شديد بأسعار زهيدة.

ويقول طه: "سعر الحذاء الرياضي في التوكيلات الرسمية لا يقل عن 10 آلاف جنيه في الوقت الحالي (206 دولار أميركي)، لكن لدى بعض تجار سوق الجمعة قد تدفع 20% فقط من هذا الثمن".

ويشير عبد الحليم إلى أن التفاوت الكبير في الأسعار له عدة عوامل، ويوضح: "لا يعرض التجار عادة نفس الموديلات المعروضة في التوكيلات الرسمية، فهم يقدمون موديلات أقدم بعام أو عدة أشهر، كما أنهم لا يدفعون ضرائب وتكاليف تشغيل وعمالة مثل المتاجر الضخمة، فيكون السعر أقل بكثير".

وبخلاف الملابس والمنتجات الرياضية، تشهد أرصفة ومتاجر سوق الجمعة، عرض ملابس تابعة لعلامات تجارية عالمية، يمكن أن تتطابق بنفس الشكل مع نفس المنتجات المعروضة في متاجر باريس وروما وأشهر مدن أوروبا والعالم، لكنها مُقلدة.

ويقول عبد الحليم: "الكثير من براندات العلامات التجارية العالمية موجودة في سوق الجمعة بأسعار لا تصدق، وتباع تحت مسمى "ميرور أوريجنال" وتقترب إلى حد كبير مع نفس شكل المنتجات الأصلية، ولا يمكن التفريق بينها إلا عند الفحص باللمس أو بالنظر والتفحيص عن قرب".

ويفترش بعض التجار الأطعمة والمعلبات بنصف ثمنها على الأرصفة، لكنها ليست نفس تلك المنتجات التي تعرضها المتاجر الأخرى بالخارج، حيث تسعى بعض المصانع التي تقدم منتجات معلبة مثل التونة والفول والبيف واللانشون، إلى نشر منتجاتها بأسعار زهيدة داخل سوق الجمعة.

ولا يُنصح عادة بشراء مثل هذه الأنواع من الأطعمة بسبب عدم مطابقتها للجودة التي تفرضها وزارة الصحة المصرية على كل الأغذية قبل عرضها للجمهور في المتاجر، لكن سعرها المنخفض للغاية يجذب الناس لشرائها.

رواد الأسواق الشعبية ليس جميعهم يبحثون عن الأسعار المنخفضة فقط، فهناك من يبحث عن المقتنيات النادرة والقديمة، التي يُمكن إعادة بيعها بأضعاف الثمن في متاجر شهيرة في العاصمة.

فهناك قسم خاص في سوق الجمعة يعرض العملات القديمة التي لا يُجرم تداولها في مصر، حيث يمكن لمستهلك شراء جنيه مصري ورقي قديم مرت عليه عشرات السنين، بآلاف الجنيهات.

ويقول إبراهيم زكي الذي يهوى جمع المقتنيات النادرة: "في سوق الجمعة وجدت هاتف أرضي قديم للغاية، يُمكن أن يستعمل ضمن ديكورات الأفلام والمسلسلات التي تتناول حقبة الأبيض والأسود، ولم يكلفني الأمر سوى 80 جنيها فقط".

لكن هناك أسواق أخرى لا تعرض سوى المقتنيات النادرة، مثل سوق السبت الذي يُقام في منطقة وسط البلد بالقاهرة أول كل أسبوع منذ بداية الصباح وحتى غروب الشمس.

وعن سوق السبت يضيف إبراهيم زكي: "هناك بعض التجار يعرضون ساعات قديمة وأصلية، لا تصدق أنها تُباع على الأرصفة وبهذا الثمن، وأيضا يمكن أن تشتري ترانزستور (مذياع قديم)، أو تلفاز قديم، وعند إعادة تصليحه وتشغيله يمكنك بيعه بأضعاف الثمن، أو الاحتفاظ بقطعة نادرة ليس لها مثيل في منزلك".

ويعرض سوق السبت بعض اللوحات القديمة، وكذلك لوحات جديدة لفنانين يجدون ضالتهم في عرض أعمالهم الفنية لنوع مختلف من الجمهور يذهب لالتقاط مثل هذه الأعمال بثمن زهيد، ولا يذهب إلى المعارض الفنية ذات الأسعار المرتفعة.

في سوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة، ما زال هناك شارع كبير، يُباع بداخله وفي محيطه الحيوانات الأليفة، بداية من القطط والكلاب والسلاحف البرية والمائية، وحتى القرود بأنواعها المختلفة.

وفي بداية قسم الحيوانات الأليفة بسوق الجمعة، تعكس الصناديق الزجاجية المستطيلة أشعة الشمس عبر الماء المتحرك بداخلها، بفعل مواتير تقليب المياه، وحركة أسماك الزينة، لتجذب المارة إليها.

وقد يُصدم أحد رواد السوق عند السؤال عن سعر سمكة خطفت ألوانها نظره، ليسمع أسعار لم يكن يتخيلها، فهناك بعض الأسماك تباع بآلاف الجنيهات، وأنواع أخرى لا يتخطى ثمنها 10 جنيهات.

واعتاد عمرو عبد اللطيف الذهاب إلى سوق الجمعة لشراء مستلزمات أحواض الأسماك التي يُربيها، ليعلق قائلا: "أشتري الأسماك عادة من محلات معروفة تستوردها من بلاد آسيوية وإفريقية وغربية، لكن السمك هنا شعبي للغاية ونادرا ما تجد أسماك (رسالة) مستوردة".

ويضيف عمرو: "اعتدت القدوم إلى سوق الجمعة لشراء طعام الأسماك الحي والجاف، وكل المستلزمات المطلوبة لهذه الهواية مثل مواتير تقليب المياه وضخ الأوكسجين، وسخانات الأحواض الضرورية للشتاء، والإضاءة، وحتى الأحواض نفسها، فكل شيء في هذا المكان أرخص بكثير مما هو عليه بالخارج".

وتتجمع مجموعات "فيسبوك" المهتمة بأسماك وطيور الزينة في سوق الجمعة أسبوعيا، للتبادل والبيع والشراء، لدرجة أن الهواة ينافسون التجار أحيانا في بيع القطع النادرة للجمهور.

سوق السيارات يكسر القاعدة في مدينة نصر، كان كل من يرغب في شراء سيارة يتجه إلى منطقة الحي العاشر، فيجد آلاف السيارات على جانبي الطريق، وفي ساحة ضخمة، وبأسعار أقل من المعروض على الإنترنت أو في معارض السيارات المستعملة.

لكن سوق السيارات لم يعد يتمتع بنفس دفء الأسواق الشعبية الأخرى، فقد باتت أسعاره مرتفعة للغاية نظرا لارتفاع أسعار السيارات بشكل متتالي خلال الأشهر الماضية بشكل خارج عن السيطرة.

وبعد أن كانت أسعار السيارات في السوق الشعبي يومي الجمعة والأحد، تبدأ من 30 ألف جنيها وتصل إلى مئات الآلاف وتتخطى المليون جنيه في بعض الأنواع القليلة، بات أقل سعر للسيارات المتوسطة جيدة الحالة في السوق ذاته، يزيد عن 250 ألف جنيها، وترديد أسعار مثل مليونين وثلاثة وأربعة أمرا طبيعيا.

ومع ارتفاع أسعار السيارات فقد سوق الجمعة والأحد عوامل الجذب التي كان يتمتع بها قبل قفزات الأسعار المتتالية الأخيرة، لتقل أعداد السيارات المعروضة نظرا لقلة المشترين ورواد السوق.

وتسبب ارتفاع الأسعار في خروج شريحة كبيرة من راغبي شراء السيارات من المعادلة، وبالتالي قلة الطلب، ليكسر سوق سيارات مدينة نصر قاعدة الأسواق الشعبية، ويترك المستهلك البسيط في مواجهة موجات الغلاء بمفرده.