كيف كرّس ريال مدريد هيمنته على الكرة العالمية؟

يرى الباحث في السياسة الرياضية والحوكمة بجامعة لوبورو البريطانية بورخا غارسيا أن أحد أبرز أسباب نجاحات ريال مدريد الحالية هو حرصه على التحلي الدائم بوضع مالي سليم، وهو أمر افتقده، على سبيل المثال غريمه برشلونة، الذي يعانى حاليا من أزمات مالية طاحنة.

وأوضح غارسيا في حديث لموقع ذا اثلتيك: "للتأكد منذ ذلك أنظر إلى رؤية النادي تجاه لاعبيه الكبار".

وأضاف: " قرر رئيس الريال فلورنتينو بيريز أن مصلحة النادي في بيع نجمه الأول كريستيانو رونالدو، فقام بذلك وجنى 100 مليون يورو من الصفقة، بالمقابل، ظل برشلونة يسعى بكل جهده من أجل الإبقاء على أسطورته ليونيل ميسي رغم تقاضيه رواتب فلكية".

وأردف: "كرر بيريز الأمر ذاته مع كاسيميرو، الذي جنى من بيعه لمانشستر يونايتد 70 مليون يورو، رغم بلوغه سن الـ30 في 2022".

وساعد ذلك النادي على تخفيض فاتورة أجوره السنوية، والتي تراجعت الموسم الماضي من 519 مليون يورو إلى 453 بعد رحيل إيسكو وغاريث بيل، وهذا الموسم لن يتأثر كثيرا بوصول مبابي وراتبه الكبير، إذ سيستفيد من توفير راتب توني كروس المعتزل.

طوال حقبة رئيس النادي فلورنتينو بيريز الأولى (2000 ـ 2006) كان التركيز كله على ضم الغلاكتيكوس (سوبر ستار كرة القدم)، بداية بزين الدين زيدان وختاما بدافيد بيكهام، وهو أمر أتى أكله تماما، لا سيما من الناحية الاقتصادية.

لكن طوال السنوات العشرة الأخيرة، والتي تعتبر الأنجح في تاريخ الريال، اتجه بيريز صوب المواهب الشابة مثل فيدريكو فالفيردي وفينيسيوس جونيور ورودريغو وكامافينغا وتشواميني.

وحتى النجوم الكبار، بدأ ينتظر نهاية عقودهم وضمه مجانا، بدل إغرائهم بالمال، وأبرزهم دافيد ألابا وأنتوني روديغر، وقريبا منهم تيبو كورتوا، وأخيرا النجم الفرنسي كيليان مبابي المتوقع وصوله قريبا.

وبدا هذا الأمر بمنزلة سياسة واضحة، حتى أن مدربه الإيطالي كارلو أنشيلوتي، طلب الصيف الماضي التعاقد مع نجم توتنهام هاري كين مقابل 100 مليون يورو، لتعويض كريم بنزيمة، لكن فلورونتينو بيريز رفض، وصرف المبلغ ذاته على جود بيلينغهام البالغ من العمر 20 عاما، قبل ان يعوض بنزيمة بخوسيلو الذي وصل بإعارة مقابل نصف مليون يورو، كما ضم التركي أردا غولر مقابل 20 مليون يورو.

واحتل الريال المركز الثاني في مؤشر (Football Benchmark) كأثر الأندية إنفاقا على اللاعبين بسن 21 عاما أو أصغر، إذ انفق 415 مليون يورو على 50 لاعبا في 10 أعوام، فيما احتل تشيلسي الإنكليزي المركز الأول بإنفاقه 677 مليون يورو على 40 لاعبا في المدة ذاتها.

الآن، مع الهيمنة غير المسبوقة للفريق على الأبطال وعلى المنافسات المحلية بإسبانيا، وتحول المواهب الشابة إلى نجوم كبار، عاد ريال مدريد ليصبح أكبر قوة مالية في عالم الأندية، إذ تصدر قائمة ديلويت لأعلى الأندية دخلا في موسم 2022 ـ 2023، بإيرادات بلغت 831.4 مليون يورو، متخطيا مانشستر سيتي 8259 مليون يورو.

وكانت آخر مرة تصدر فيها الريال هذه القائمة موسم 2017 ـ 2018.

والآن مع اكتمال الأعمال في ملعب سانتياغو برنابيو، التي كلفت خزينة النادي 1.3 مليار يورو، سيرفع ذلك من دخل النادي بشكل رهيب، إذ يراهن الريال إلى تنويع الأحداث التي يستضيفها.

وقبل أيام استضاف الملعب حفلا موسيقيا للمغنية الأميركية تايلور سويف، وجنى النادي منه أرباح بقيمة 5 ملايين يورو، فيما سيتضيف فعاليات لكرة القدم الأميركية بداية من العام المقبل.

وسيرفع ذلك كله إيرادات النادي من الملعب من 140 مليون يورو سنويا إلى 317 مليون يورو.

وبسبب نجاحاته الكروية أيضا يعتبر الريال من ضمن الأكثر تربحا من رعاية قميصه، حيث يجنى من شركة اديداس 120 مليون يورو سنويا، و70 مليون يورو من طيران الإمارات، بجانب امتلاكه أكبر قاعدة جماهيرية على وسائل التواصل الاجتماعي ( لديه 37 حسابا بمختلف اللغات).

وسينعكس ذلك على القيمة السوقية لريال مدريد، الذي يتصدر حاليا العلامات التجارية العالمية في كرة القدم بقيمة سوقية 5.1 مليار يورو، متخطيا مانشستر سيتي (4.9 مليار يورو).

لا ينكر أحدا في الريال الدور الكبير لرئيسه فلورنتينو بيريز الذي يوصف بأنه الرجل الأقوى في الرياضة الإسبانية، وأحد أبرز الشخصيات الكروية عالميا، وهو الذي رفع عدد ألقاب حقبته أمس إلى 7 ألقاب في الأبطال.

لكن بيريز في سبيل تحقيق هذه النجاحات كرّس لسلطته داخل الريال، وبات هو المرجعية في عمل النادي، إذ يصعب على أي مشجع للريال، حاليا، ذكر اثنين أو ثلاثة أشخاص غير بيريز داخل مجلس إدارة الريال.

لكن تقدمه في السن (77 عاما)، وأيضا تغييبه صوت الأعضاء العاديين قد يبدو مقلقا لمستقبل النادي الملكي.

"لقد قام بيريز بتعديل النظام الأساسي للنادي لإبعاد السلطة عن الأعضاء العاديين، وأصبح من الصعب جدا الآن الاعتراض على أي قرار لمجلس الإدارة أو الحصول على أي مساءلة"، هكذا حذر بورخا غارسيا من سطوة بيريز، لكنه رأى أن أعضاء النادي ربما لا يهمهم ذلك الآن في ظل نجاحات النادي.