"سيلفي" الكوريتين.. "ابتسامة" تقودك لتقويم أيديولوجي

في صورة صُنّفت على أنها واحدة من بين الأفضل في أولمبياد باريس، ظهر لاعبو تنس الطاولة في الكوريتين بعد فوزهم بميداليات أولمبية مع بعضهم يلتقطون صورة "سيلفي"، ربما يبدو الأمر عاديا إن كان بين لاعبين آخرين، لكن الوضع هنا مختلف تماما.

فلاعبو كوريا الشمالية بسبب هذه الصورة يخضعون لتقويم أيديولوجي بدأ بالفعل بمجرد عودتهم إلى بلادهم في 15 أغسطس 2024، ليتم "تطهيرهم" من التلوث الناجم عن التعرض لثقافة غير اشتراكية، بحسب ما قال مصدر لموقع ديلي إن كي، المتخصص في شؤون كوريا الشمالية، وكوريا تايمز الكوري الجنوبي.

وبوجه عام، سيتعرض الرياضيون المشاركون في هذه الأولمبياد إلى التقويم من خلال المثول أمام 3 جهات بالترتيب هي:

1. اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري.
2. وزارة الثقافة البدنية والرياضة.
3. الفريق نفسه.

ويتوقع أن ينتقد الرياضيون السلوك غير اللائق للآخرين أو يفصحوا علنا عن أفعالهم، لا سيما هؤلاء الذين تفاعلوا مع الأجانب مثل التقاطهم للسيلفي، فيجب أن يعبروا عن ندم شديد في أثناء جلسات النقد الذاتي لتجنب العقوبة السياسية أو الإدارية، بحسب ما يشير مصدر رفيع المستوى لديلي إن كيه.

جريمة البعض لم تقف عند حد السيلفي، بل الابتسامة أيضا، ففي حالة لاعبي تنس الطاولة ري جونغ شيك وكيم غيوم يونج، اللذين فازا بالميدالية الفضية في الزوجي المختلط، فإنهما سيخضعان للتدقيق بسبب ابتسامتهما إلى جانب الكوريين الجنوبيين شين يو بين وليم جونغ هون.

يأتي ذلك في وقت أصدرت فيه السلطات تعليمات للرياضيين الكوريين الشماليين قبل المشاركة في الألعاب الأولمبية بعدم التفاعل مع نظرائهم الجنوبيين أو غيرهم من الرياضيين الأجانب.

جلسات التقييم التي يخضع لها لاعبو كوريا الشمالية لا تتضمن فقط نقد السلوكيات المخالفة للأيديولوجية، لكن أيضا الأداء الضعيف الذي قد يصل ثمنه إلى العقاب مثل العمل غير مدفوع الأجر لمدة شهر أو شهرين، بحسب ديلي إن كيه، وهو أمر أيضا لا يمكن تأكيده.

رغم ذلك، فإنه في عام 2016، التقطت صورة سيلفي أخرى بين لاعبة الجمباز الجنوبية لي إن جو والشمالية الشهيرة هونغ أون جونغ، لتكون لقطة شهيرة خلال أولمبياد ريو دي جانيرو، ولم ترد أي أنباء حول عقاب هونغ.

على الجانب الآخر، فإن كوريا الجنوبية لا تمنع لاعبيها من التعامل مع نظرائهم الشماليين، لكن عليهم الإبلاغ عن محتوى المحادثة التي دارت بينهم إلى وزارة التوحيد، بحسب إس بي إس الكورية الجنوبية.

لم تظهر فكرة الوحدة بين الكوريتين في مجال الرياضة بوجود علم يجمعهما في الصالات الرياضية أو افتتاح الدورات الأولمبية سوى في عام 1989، ليُستخدم في دورة الألعاب الآسيوية في العام التالي، لكن الأمر لم ينجح سوى في بطولة العالم لتنس الطاولة عام 1991، عندما شكلت الكوريتان لأول مرة فرقة موحدة أيضا، بحسب رويترز.

واستخدم علم الوحدة، الذي يتكوّن من خلفية بيضاء مرسوم عليه خريطة شبه الجزيرة الكورية، باللون السماوي في مناسبات أخرى تالية، لا سيما مع سياسة "الشمس المشرقة" التي كانت ترمز للتقارب بينهما أبرزها:

• دورة سيدني 2000.
• دورة أثينا 2004.
• الألعاب الشتوية في تورينو عام 2006.
• أولمبياد بيونغ تشانغ الشتوية في كوريا الجنوبية 2018.
• دورة الألعاب الآسيوية 2018.

كان عام 1991 تاريخيا بالنسبة للكوريتين فيما يتعلق باللعب معا تحت علم كوريا الموحدة في بطولة العالم لتنس الطاولة في اليابان. ومع تشكيل الفريق كان الإنجاز بتحقيق الذهبية في الفريق النسائي حُسم في مباراة الزوجي الذي تكوّن من لاعبة الجنوب "هيون جونغ هوا" ولاعبة الشمال "لي بون هوي"، ليس هذا فحسب، ولكن بالانتصار على الصين.

وفي هذه اللحظة لم يعزف النشيد الوطني لأي من الكوريتين، بل عزفت الأغنية التراثية "آريرانغ" التي تعد جزءا من التراث العالمي غير المادي وفقا لليونسكو منذ عام 2012.

وحينما حانت لحظة الفراق، أهدت جونغ هوا "بون هوي" خاتما، ولم تلتقها مرة أخرى، بحسب كي بي إس.

وأنتجت كوريا الجنوبية عام 2012 فيلما يحمل اسم "كوريا" As One حول هذه القصة.

ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي تتوحّد فيها الكوريتان في لعبة، إذ شهدت أولمبياد بيونغ تشانغ الشتوية عام 2018 فريقا نسائيا موحدا في هوكي الجليد، وكذلك كان هناك فرق موحدة في دورة الألعاب الآسيوية في العام نفسه، كان أشهرها ذلك الفريق الذي فاز بميدالية ذهبية تاريخية في الكانوي، بحسب بي بي سي.