نساء

جرائم قتل النساء في تونس.. من مراكز الشرطة إلى القبور

نشر
blinx

تحقيق: هدى زكريا - أيمن معتوق - وسيم عرابي

في تونس، البلاد التي تعتبر رائدةً في حماية المرأة ودعم حقوقها، تتحوّل الشكاوى ضدّ العنف الذي يتعرضن له إلى أوراق بلا أثر في كثير من الأحيان، فيما التعهّدات بـ"عدم التعرّض" وعود تتبخر سريعاً.. قصص كثيرة محورها نساء معنّفات؛ بعضهن نَجوْنَ، وأخريات قُتلن. "ليلى"، "صابرين"، "عفيفة" و"أسماء" لسْنا استثناءات، بل وجوه مختلفة لجريمة واحدة تحمل اسماً واضحاً: "الفيمينسيد"، القتل العمد للنساء والفتيات بسبب النوع الاجتماعي.
في هذا التحقيق نكشف الهوّة العميقة بين النصوص القانونية والواقع المُعاش، بين الخطاب الرسمي والدم الذي ما زال يسيل في البيوت. ومن خلال شهادات الضحايا ومعطيات الاستبيانات التي أجريناها، ييبقى السؤال: لماذا يفشل القانون في حماية النساء، رغم أنّه موجود؟
في صباح يوم عادي من ربيع العام 2024، اعتقدت صابرين ذات الـ 34 عاماً، أنّ قرار المحكمة بالطلاق، الصادر مطلع أبريل من العام نفسه، سيقلب صفحة من الألم لديها، وأنّ الفصل الجديد من حياتها سيكون بداية لحياة آمنة.
لكنّها لم تكن تعلم أنّ مسلسل التهديد الذي تعرّضت له لم يتنهِ، كما لم تكن تدرك أنّ الالتزام الكتابي الموقّع تحت عنوان "عدم الاقتراب"، لن يكون سوى ورقة بلا مفعول بالنسبة لرجل كان اتخذ قراره بإنهاء حياتها ومعها الأسرة بالكامل.
صابرين شابّة من منطقة الجبل الأحمر، حيث يعرف أهلها بعضهم بعضاً.. بيت بسيط، أمّ حنونة، وخال كريم يزور الأسرة من حين إلى آخر. طوال الشهور السابقة، كانت تتعرّض لمضايقات وتهديدات متكرّرة من قبل طليقها: رسائل، مكالمات، وظهور مفاجئ في أماكن عملها وحيث تسكن.
قبل الحادثة لجأت صابرين إلى الجهات الرسمية موجهةً إلى طليقها الاتهامات بالتعرّض إليها، وبناءً على ذلك، طُلِب منه التوقيع على "التزام" بعدم الاقتراب وعدم الإزعاج. لكنّ ذلك الإجراء لم يرافقه أيّ خطوات عملية لحماية الضحية أو رصد مستمر لمستوى الخطر الذي كانت تعيشه.
بعد صدور حكم الطلاق، اعتقدت الأسرة أنّ الخطر تراجع، لكن بعد أيّام قليلة، دخل طليقها منزلهم وقد اتخذ قراره بتنفيذ جريمته بوحشية من دون أن يردعه أيّ التزام مكتوب، فارتكب مجزرة أودت بحياة صابرين وأمّها وخالها.

الفيمينسيد.. جريمة قتل بسبب النوع الاجتماعي

قصة صابرين تركت سلسلة من الأسئلة أهمّها، لماذا لم تتم حمايتها رغم التقدّم بشكاوى؟ ليس ذلك مجرّد سرد لجريمة بشعة، إنّها شهادة على عدم جدوى الحماية الأمنية، إذ أنّه عندما تُبلَّغ إمرأة ما عن تهديد متكرّر، وعندما تستدعي السلطات المشتبه به ويُطلب منه التوقيع على التزام بعد التعرّض، لا يكفي أن تتوقف الإجراءات عند حدود الحبر والورق. وبالتالي فإنّ التزام "لا تقترب" يجب أن يرافقه تنفيذ فعلي: مراقبة، إنذار مبكر، حماية مؤقتة، أو أيّ إجراء يضمن سلامة الضحية وليس مجرّد شكليات يمكن تجاهلها، على حدّ قول المحامية ماجدة مستور .

فراغ الحماية الأمنية.. عندما تصبح الشكوى مجرد حبر على ورق

شهاداتُ المحيطين بالعائلة (الجيران) وأهل الحي، أكّدت أنّ التهديدات كانت معروفة: "كان الرجل يكرّر: سأقتلك"، و"كان يظهر ليلاً ويتتبّع خطواتها". كذلك فقد بيّنت سجلّات هواتف المشتبه به تحرّكاته المريبة قبل ارتكاب الحادثة وبعدها. ومع ذلك، فلم تُسْهم هذه المؤشرات باتخاذ إجراءات وقائية عملية تُنقذ حياة أفراد العائلة.
قصّة صابرين ليست قضية فرديّة، ولكن كما تقول الناشطة الحقوقية مُنية قاري، فهي مؤشّر بنيوي على خلل في منظومة الحماية، حيث أنّ الإجراءات الرسمية الخاصة بالعنف ضدّ النساء تحتاج إلى خطوات سريعة وواضحة: تسجيل جدّي للتهديدات، تصنيف حالات الخطر، توفير حماية فورية (حراسة مؤقتة، نقل الضحية إلى مكان آمن، منع التواصل الفعّال من قبل الشخص الذي يُصدر التهديد)، ومتابعة تنفيذ الالتزام، في حين أنّ هذا الإلتزام إنْ بقي حبراً على ورق فقط بلا متابعة ميدانية، فهو هو أشبه بوعد بالحصانة لا قيمة له أمام مَنْ قرّر القتل.

الناشطة الحقوقية مُنية قاري

صابرين وأمّها وخالها لم تمنحهم الإجراءات الورقية فرصة العيش، إذ كان من المفترض أن تتحوّل الشكاوى من كلام إلى أفعال. ومثلما انتهت مأساة صابرين بهذه الطريقة، نجد صدى مماثلاً في قرية صغيرة بولاية سوسة، حيث كانت تسكن عفيفة البوزي التي رأت أسرتها تحترق أمام عينيها.

مأساة عفيفة.. نموذج متكرر لفشل الحماية

"عفيفة" صاحبة الثلاثين عاماً وُلدت ونشأت في كنف أسرة متماسكة رغم ضيق الحال، وكانت الإبنة الكبرى التي تتحمّل المسؤولية مع شقيقتها دنيا. كانت الشقيقتان تعملان في مصنع قريب وتتكفلان بمصاريف المنزل بعدما توقف الأب عن العمل. لكن في مساءٍ صيفي من أغسطس العام 2021، تحوّل البيت الهادئ إلى "مسرح جريمة" لا يمكن نسيانها.
آنذاك، علاقة ارتباط عفيفة بشابٍ يُدعى محرز لم تستمر وقد انفصلا في فترة الخطوبة. الشاب لم يتقبّل أمر الانفصال، فراح يطاردها بالرسائل والتهديدات، فيما أقدمت هي على تقديم شكوى رسمية ضدّه، لكنّ ذلك لم يكن كافياً لحمايتها.
منتصف شهر أغسطس العام 2021، اقتحم محرز المنزل وقام بإضرام النار فيه، تاركاً الأب محمد ضحية، والأم وابنتها دنيا مُصابتين بحروق بالغة، فيما نجت عفيفة لتحمل معها ذكريات مؤلمة ترافقها حتّى آخر يوم في حياتها، ونقمة على مَنْ كان يُفترض أن يؤمن لها الحماية بعدما تقدّمت بشكوى مستنجدةً بالقانون.. لكن في النهاية وجدت نفسها متروكة تواجه مصيراً كان يمكن منعه.
صابرين وعفيفة، حالتان تعكسان قصّتين متشابهتين بتفاصيلَ مختلفة لكن بنمط متكرّر.. تحذيرات واضحة، بلاغات رسمية، التزامات شكلية، ثمّ وقوع الكارثة. وبالتالي فإنّ أيّ إنذار مُبكر وشكوى لم تتم ترجمتهما إلى حماية فعلية، يتركان الضحايا أمام مصير مشؤوم كان بالإمكان منعه لو كانت الإجراءات الأمنية فعّالة.

العنف ليس اضطرابًا نفسياً بل "ثقافة ذكورية"

الدكتورة حياة الورتاني، الناشطة المدنية وخبيرة علم النفس الكلينيكي، توضح أنّ جرائم قتل النساء لا تُعزى غالباً إلى اضطرابات نفسية، بل إلى ثقافة ذكورية مترسّخة وعلاقات قائمة على الهيمنة، مشيرةً إلى أنّ هذه الجرائم تعكس نظرة دونية للمرأة، واعتبارها "مجرّد ملكية للرجل"، وأنّ الانفصال أو محاولة الخروج من دائرة السيطرة الزوجية أو العاطفية يضاعف خطر التعرض للعنف.

الناشطة المدنية وخبيرة علم النفس الكلينيكي الدكتورة حياة الورتاني

كما أكّدت مدى تأثير هذه الجرائم على الأطفال الذين يعانون صدمات نفسية حتّى من دون تعرّضهم المباشر للأذى، مبيّنةً أنّ فقدان النساء شعورهن بالأمان داخل منازلهن يمثل صدمة مستمرّة ويجعل الخوف ملازماً لهن.
وأكّدت أنّ مواجهة هذه الظاهرة يتطلب آليات وقائية فعّالة وحماية مبكرة، تبدأ بتقييم مستوى الخطر وعدم الاستهانة بأيّ تهديد، وتوفير حماية فعلية مرافقة للشكاوى، بالإضافة إلى الدعم النفسي والمراكز المتخصصة للنساء والأطفال المتضرّرين.

من صابرين وعفيفة إلى "ليلى"

حالتا كلّ من صابرين وعفيفة دفعتنا إلى التعمّق أكثر في قضية "الفيمينسيد".
"ليلى" (اسم مستعار حفاظاً على سلامتها) سيّدة أربعينية تعيش معاناة تمتدّ لسنوات. تمكّنا من الوصول إليها فيما كنّا نتردّد إلى الدوائر الحكومية بحثاً عن سجّلات تقديم شكاوى العنف بحق النساء. في الواقع السيّدة لم تكن مستعدة للحديث لكنّها عادت عن قرارها إيماناً منها بأنّها ستجد مَنْ يسمعها اليوم لتضع حدّاً لمعاناته.
حين جلست تروي مأساتها لم تكن حقيقةً تبحث عن استعطاف، بل كانت تريد أن يسمع صوتها العالم، وأيضاً صراخها بقدر ما عانت خلف جدران منزلها، وكذلك في أروقة مؤسّسات ظنّت أنها وُجدت لحمايتها. وحكايتها لم تكن مجرّد فصل في حياتها، بل مرآة تعكس مأساة نساء كثيرات يجدن أنفسهن محاصرات بين عنف لا يتوقف وعدالة لا تصل.
بصوت خافت بدأت "ليلى" تروي فصول مأساتها: "تعرفت عليه عن طريق صديقة... كان مختلفاً، يمنحني الأمان الذي حُرمت منه منذ طفولتي".
هو إذاً رجل أظهر كلّ ما يملك من حنان، أغرقها بالهدايا والاهتمام، جعلها تصدّق أنّ بإمكانها أن تبدأ حياة جديدة بعد طفولة كسرتها قسوة الانفصال بين والديها. تزوجته وسافرا معاً إلى إحدى دول الخليج، حيث بدأ القناع يسقط تدريجياً.
"بعد عام واحد فقط تغيّر كلّ شيء. صار يُغيب كثيراً، يكذب، يخون. وحين عُدنا إلى تونس، لم يعد العنف مجرّد كلمات، بل تحوّل إلى ضرب مبرّح تزداد وتيرته عاماً بعد آخر. في البداية كان يحرص على ألا يترك آثاراً ظاهرة يمكن أن تدينه، ثمّ صار أكثر عنفاً وجرأة"، تقول "ليلى" التي تحاول اليوم أن تتمسّك أكثر بحقّها مع كلّ ضربة تتلقاها.
توجّهت إلى مركز الشرطة أكثر من 4 مرّات، وقدّمت شكاوى مرفقةً بتقارير طبية تثبت عجزها من 10 أيّام إلى 12 يوماً بسبب العنف الذي يُمارس عليها. وفي الشكوى الأخيرة، تابعنا "ليلى" في زياراتها المتكررة إلى مركز الشرطة حيث تقدّمت بشكوى جديدة في الأول من أغسطس الماضي أثناء عملنا على التحقيق (نعرض مستندات الشكوى مع إخفاء تفاصيل يمكن أن تكشف عن هوية الضحية)، ومع ذلك، لم يتغير شيء: الزوج طليق، يواصل حياته، يهدّدها بعلاقاته ونفوذه، بينما هي تعيش كلّ يوم على حافة الخوف.
هذه المفارقة المؤلمة كانت هي البوابة التي ترصد كيفية تعامل المنظومة الأمنية والقضائية في تونس مع شكاوى النساء المعنّفات، وتقيس على أرض الواقع مدى سرعة استجابة الدولة في حمايتهن.
تروي وهي ترتجف: "في إحدى المرّات، ضربني خلف أذني حتى كدت أن أموت. ابنتي الكبرى كانت تحاول أن تدافع عني، لكنّه ضربها هي الأخرى. وقد رفع صوت التلفاز حتى لا يسمع الجيران صراخي".
حتى التسجيلات المصوّرة التي تحتفظ بها ليلى كأدلّة على العنف والتهديدات، لم تجرؤ على نشرها أو تسليمها للإعلام خوفاً على أطفالها. وفي كلّ مرّة تعود من مركز الشرطة بخيبة أكبر، وتقول: "إذا تشاجر رجلان في الشارع، يوقف أحدهما فوراً. لكن حين تكون المرأة هي الضحية، لا شيء يحدث".
اختارت "ليلى" في النهاية الصمت، يأساً من العدالة وخوفاً من أن يكون مصيرها القتل، لكن حتّى الصمت لم يكن حلاً، إذ ما زالت النساء اللواتي لجأن إلى الشرطة أو حصلن على أوامر قضائية بعدم الاقتراب يتعرضن للعنف بدرجات متفاوتة. مثلما تقول الناشطة الحقوقية مُنية قاري: "الإجراءات الأمنية الحالية غير كافية لحماية الضحايا".
قصة "ليلى" لم تكن قصة إمرأة واحدة، بل مفتاحاً لتحقيقنا، وعدسة رأينا من خلالها صورة أوسع: نساء تونسيات ما زلن يقفن وحيدات في مواجهة عنف متواصل، وقانون يَعِد بالكثير لكنه لا يمنحهن الأمان في الواقع.

نتائج لافتة لاستبيان ميداني: من بين كلّ 10 نساء 7 سيّدات يتعرضن للعنف

لم نكتفِ كفريق تحقيق استقصائي بسرد قصص الضحايا، أو متابعة الشكاوى المتكررة لإحدى المعنفات، بل قرّرنا أن نلقي الضوء على واقع أوسع من خلال استبيان أجريناه على عيّنة عشوائية مكوّنة من 255 فتاة. جاء هذا الاستبيان كجزء من العمل لفهم انتشار العنف ضدّ النساء من منظور ميداني وواقعي، بعيداً من الشهادات الفردية، بهدف تسليط الضوء على حجم الظاهرة والفجوات في حماية الفتيات أمام التهديدات، وكيف يختلف الواقع عمّا ينص عليه القانون.
وتبيّن النتائج أنّ حوالي 68.5 % من المشارِكات في الاستبيان أكّدن أنّهن تعرّضن لشكل من أشكال العنف، سواء كان جسدياً أو نفسياً أو جنسياً أو اقتصاديًا. في المقابل، قالت 29.5 % إنّهن لم يتعرضن لأيّ عنف من هذا النوع، فيما امتنعت عن الإجابة نسبة ضئيلة. هذه الأرقام تكشف أنّ الغالبية العظمى من النساء لديهن تجربة مباشرة مع العنف.

متى يحدث العنف؟

توقيت التعنيف يوضح أنّه ليس ماضٍ انتهى، بل حاضر ومستمر. فقد أشارت 34.9 % من النساء إلى أنّ تجاربهن مع العنف تعود إلى أكثر من 5 سنوات مضت، بينما تعرضت 25.3 % للعنف خلال العام الماضي فقط، و10.8% في غضون ٤ سنوات، فيما ١٣٫٤ ٪ تعرضن للعنف في غضون ٣ سنوات. وبالتالي فذلك يعني أنّ العنف مستمر حتى اليوم، ويلاحق النساء في مراحل زمنية مختلفة من حياتهن.

الشعور بالأمان في الحياة اليومية

عند سؤال النساء عن مدى شعورهن بالأمان، جاءت الإجابات على الشكل التالي:
  • فقط 14.5 % يشعرن بالأمان دائماً
  • 34.9 % يشعرن بالأمان أحياناً
  • 37.9 % لا يشعرن بالأمان غالباً
  • 12.9 % لا يشعرن بالأمان إطلاقًا.
هذه النسب تعكس هشاشة الإحساس بالطمأنينة لدى أغلب النساء، وتكشف أنّ الخوف أصبح جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية.

من أين يأتي التهديد؟

المصدر الأساسي للعنف لم يكن غريباً، بل الأقرب، فقد تعرّضت
  • 42.2 % من النساء للعنف على يد الزوج أو الخطيب أو الشريك بشكل عام
  • 28.1 % من ضحايا العنف اللواتي ذكرن أن المعتدي كان زميلاً في العمل أو جاراً أو شخصاً آخر من محيطهن
  • 12 % من الحالات من داخل العائلة (أب، أخ، قريب آخر).
هذه الأرقام تعكس أنّ العنف غالباً ما يحدث في الدائرة القريبة، داخل الأسرة أو المحيط المباشر.

دوائر العنف داخل العائلة

امتدت الظاهرة إلى قريبات النساء أيضاً، إذ أكّدت 57.5 % من اللواتي شاركن في الاستبيان، أنّ إحدى قريباتهن (أم، أخت، ابنة، أو قريبة أخرى) تعرّضت للعنف أو التهديد على خلفية النوع الاجتماعي، وهذا يوضح أنّ العنف واقع متكرّر داخل العائلات، وليس حالة فردية منعزلة.

غياب ثقة أم تلكؤ

لدى سؤال النساء عن لجوئهن للشرطة أو السلطات الرسمية، أوضحت النتائج أنّ 43.3 % منهن لم يلجأن إطلاقاً. أمّا اللواتي لجأن، 24 % منهن قلن إنّ الشرطة لم تتخذ أي إجراء، بينما 18.1 % فقط أكّدن أنّ السلطات استجابت لبلاغاتهن بشكل فعلي. هذه الأرقام تشير إلى فجوة كبيرة بين النساء والجهات المفترض أن تحميهن، وتكشف عن فقدان الثقة في النظام القائم على حماية الضحايا.

لماذا لا يتم الإبلاغ؟

الأسباب وراء عدم التبليغ تعكس حجم المعاناة المركبة. فقد ذكرت 40.4 % من النساء اللواتي شاركن بالاستبيان أنّهن لم يبلغن عن العنف بسبب ضغوط عائلية أو اجتماعية تمنع فضح ما يجري داخل البيت. لكن أرجعت 25.8 % السبب إلى قلّة الثقة في جدوى التبليغ، فيما قالت 15.9 % إنّهن يخشين الانتقام من الجاني. هذه المعطيات تكشف أنّ الصمت ليس اختياراً حرّاً، بل نتيجة منظومة من الخوف والضغط.

بلاغات صامتة ونهايات مأساوية

سيدات كُثر آثرن الصمت إمّا يأساً من توفير الحماية اللازمة وتطبيق القانون بقوّة على الأرض مثل "ليلى" ، أو خوفاً من أن يكون مصيرهن القتل مثل "صابرين وعفيفة".
وفي مقدمة تلك الفتيات اللاتي أثرن الصمت، "أسماء" و"عائشة"، فإحداهن صمتت خوفاً من نظرة المجتمع وأحكامه، والأخرى يأساً من أن توفّر لهما السلطات الأمنية الحماية اللازمة، ما جعلهما تواجهان العنف بمفردهما.
كانت حياة "أسماء" أشبه بصفحة بيضاء لم يُكتب فيها شيء بعد. فتاة في ريعان شبابها، لم تتجاوز الـ 24، تحمل في عينيها أحلاماً بسيطة وقلباً يفيض بالبراءة. لم يكن تعليمها المتواضع حاجزاً أمام طموحاتها في حياة كريمة، بل كانت ترى في الزواج فرصة لبداية جديدة، ملؤها الأمان والاستقرار.
التقت بزوجها بصورة تقليدية عن طريق أخيها، بدا كلّ شيء طبيعياً في البداية، لكن سرعان ما تحوّل الأمر إلى فخ يهدّد حياتها. فبعد عام ونصف العام على زواجها، بدأ العنف الخفي (أي أنها لم تكن تشعر بأنّ ما تتعرض له هو عنف) يتسلّل إلى حياتها ببطء، اقتصادياً ونفسياً، تاركاً إيّاها في حالة من الاعتماد على عائلتها لتغطية أبسط احتياجاتها، بينما كان الزوج يراقب من بعيد من دون اكتراث بمعاناتها.
الحمل جاء كبصيص أمل، لكنّه انتهى بالإجهاض ليبدأ العنف الصريح: ضرب مبرح وكلمات مهينة، ثمّ تصاعد إلى لحظات من الرعب عندما قام الزوج ووالده وشقيقته بممارسة طقوس شعوذة ثم ارتكبوا جريمة وحشية، أزالوا عينيها بوحشية مستخدمين ملعقة، وتركوا جسدها في مكان مهجور. لكن العناية الإلهية كانت معها، وقد تمكّنت شقيقتها من إبلاغ الشرطة، فتمّ القبض على الجناة فيما فرّ الزوج مؤقتًا قبل أن يتم اعتقاله لاحقاً.
أسماء الآن تعيش تحت رعاية أخيها، لكنّها محاصرة بالخوف، حبيسة منزلها، بين الألم والندوب النفسية والجسدية التي لم تُمحَ بعد.
أمّا "عائشة"، فكانت شابة بسيطة من إحدى قرى القصرين، بالكاد أتمّت الصف الخامس الابتدائي قبل أن تتوقف عن الدراسة وتكرس حياتها للأسرة. في الـ 32 من عمرها، حلمت ببيت هادئ وأطفال يكبرون في أمان، لكنّ القدر رسم لها طريقاً مختلفاً عنوانه العنف والقهر.
منذ بداية الزواج، بدأ زوجها في ممارسة السيطرة عليها، حرمانها من العمل والاستقلال، وإجبارها على تحمل ديون تفوّق قدرتها على السداد. كان العنف اقتصادياً وجسدياً، ومستمراً. حتّى عندما كانت حاملاً، تحول العنف إلى اعتداء منظّم، إذ اقتادها زوجها مع آخرين وضربوها بشدّة لتخسر جنينها، فيما كسرت يداها ورقبتها، وتركوها مرميةً كأنها جثةّ هامدة، لكنّها رغم كلّ ذلك نجت واستعادت وعيها بين جدران بيت أصبح مقبرة لأحلامها، مثقلةً بآثار الضرب وألم الفقدان، فيما العدالة لم تنصفها بعد، والجناة لم يحاكموا. اليوم تعيش تحت رعاية أسرتها، بندوب واضحة وأخرى خفية، في انتظار يوم تتحقق فيه العدالة.

القانون بحاجة إلى تفعيل وتغيير ثقافي

رجاء الدهماني، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، قالت إنّ ظاهرة قتل النساء في تونس تعكس مجتمعاً لا يزال يحيا تحت نير "التراتبية المقيتة"، مشدّدةً على ضرورة تجريم هذه الأفعال ووضع فصل قانوني خاص بها.
وأوضحت أنّ "المنظومة القضائية لا تزال محافظة وتراعي الجانب الاجتماعي على حساب مفهوم المساواة التامة والفعلية"، وهو ما يفسر عدم اعتماد القضاء للقانون 58 الصادر العام 2017 كمرجع أساسي. وأضافت أنّ هذا القانون، رغم تقدمه، "يحتاج إلى ميزانية مُخصصة لتفعيله ودورات تدريبية بمقاربة نسوية".
وعن دور الجمعية، قالت الدهماني إنّهم يتبنون ملفات قتل النساء بموافقة الأسرة، حيث يقدّمون التوجيه القانوني والإحاطة النفسية ويتابعون الملفات حتى صدور الأحكام. وأكّدت أنّ "المسؤولية مشتركة"، مشيرة إلى أهمية الإبلاغ عن التهديدات لدى الشرطة وضرورة عدم الاستهانة بها.
وأوضحت أنّ تراخي الشرطة قد يؤدّي إلى جرائم قتل، وأنّ الاكتفاء بتهدئة الضحية واعتبار الحادثة "عرضية" أمر خطير، مضيفةً أنّ الحلّ يتطلب تجهيز مراكز رعاية مناسبة للنساء المهدّدَات، وتخصيص ميزانيات لوزارة الداخلية لتكثيف الدورات التدريبية للأعوان.
واختتمت الدهماني تصريحاتها بالقول إنّ "قتل النساء ظاهرة مُخيفة تجعلنا في أدنى مراتب التحضّر والوعي"، مؤكّدةً أنّ القضاء على هذه الظاهرة يتطلب "إرادة سياسية تعتمد مؤسساتها التربوية والتثقيفية والإعلامية"، وتغييراً جذرياً في العقلية الأبوية التي تتوارثها الأجيال.
تُجدر الإشارة إلى أنّ القانون رقم 58 لسنة 2017، المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، ينصّ على ٣ ركائز أساسية. فالمادة الثالثة منه تقدّم تعريفاً شاملاً للعنف، يتجاوز الجانب الجسدي ليشمل المعنوي والجنسي والاقتصادي. ثمّ تأتي المادة التاسعة والتي تلزم الدولة بتقديم الحماية والدعم للمرأة المُعنفة، بما في ذلك توفير مراكز إيواء.
وأخيراً، تضمن المادة الـ 11 تسهيل الإجراءات القانونية وتقديم الشكاوى، وتوفير المساعدة القانونية للضحايا. ولكن رغم هذا الإطار القانوني الواعد، تظل القصص التي ذكرناها تثير تساؤلات حول مدى فعالية هذا القانون على أرض الواقع، خصوصاً أنّ هذا القانون الذي مرّ قرابة 8 سنوات على إقراره، لا يتضمن تعريفاً خاصاً "الفيمينسيد" ولا يعترف به كجريمة قائمة بذاتها، الأمر الذي جعل معظم هذه الجرائم تُسجَّل في المحاكم كـ"قتل عادي"، بلا دلالة على بعدها الجندري.

ما أسباب الفجوة الموجودة؟

المحامية ماجدة مستور، حللت أسباب الفجوة الموجودة ما بين النص القانوني وما يجري تطبيقه على أرض الواقع قائلة إنّ القانون يُعد من بين أكثر القوانين تقدماً في المنطقة العربية لما يتضمنه من آليات تقوم على 4 ركائز أساسية هي: الوقاية، الحماية، التتبع والتعهد. وأكدت أن الإشكال لا يكمن في نصّ القانون، بل في آليات تنفيذه على أرض الواقع.
وأضافت أنّ جزءاً كبيراً من النساء ما زلن يجهلن بوجود هذا القانون وبما يكفله لهن من حقوق، في حين أن بعض رجال الأمن لا يتعاملون مع قضايا العنف ضدّ المرأة وفقاً لمقتضياته، بل باعتبارها جرائم عادية، وهو ما يُضعف من فاعليته ويُكرّس ثقافة الإفلات من العقاب.
وأشارت مستور إلى أنّ عدداً من الضحايا يتعرضن لضغوط مباشرة من بعض الأعوان للتنازل أو "المسامحة"، وهو ما يدفع كثيرات إلى التراجع عن شكاواهن خوفاً من الوصم أو من تعقيدات الإجراءات. واعتبرت أن الأحكام القضائية في قضايا العنف غالباً ما تكون غير رادعة، إذ تُختزل العقوبات في خطايا مالية أو أحكام مخففة، رغم أن النص القانوني ينص على عدم إسقاط التتبعات حتّى في حال تنازل الضحية.
وشدّدت مستور على أنّ فلسفة القانون تقوم على تحويل المرأة من "ضحية" إلى "ناجية"، عبر توفير الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، إضافة إلى برامج التمكين الاقتصادي. غير أنّ هذه الآليات، بحسب قولها، لم تُفعّل بالشكل المطلوب بعد، ما يجعل الفجوة قائمة بين النصوص القانونية والواقع العملي.

محدودية مراكز الرعاية وغياب الإحصاءات الرسمية

مطالبات الدهماني بتوفير مراكز الرعاية المناسبة تفسّر مشكلة أخرى تتعلق بمدى تواجد وانتشار هذه الدور على مستوى البلاد ككل، ونوع الرعاية والحماية التي تقدمها للضحايا، حيث شهدت تونس خلال الأعوام الأخيرة توسعاً تدريجياً في شبكة مراكز "الأمان" المخصّصة لإيواء النساء ضحايا العنف وأطفالهن.
في ديسمبر العام 2023 تمّ افتتاح المركز رقم 12 في ولاية تونس يتّسع لـ 15 سريراً، ليصل العدد الإجمالي حينها إلى 12 مركزاً بطاقة استيعابية تقارب 186 سريراً. لاحقًا، وخلال عامي 2024–2025، أُضيف المركز رقم 14 في إقليم بنزرت تحت مسمى "El Amen"، ليرتفع العدد الإجمالي حالياً إلى 14 مركزاً يوفّر نحو 221 سريراً.
غير أنّ الصورة ما تزال غير مكتملة، إذ لا تتوفر معطيات دقيقة حول توزيع هذه المراكز على الولايات الـ24، بالإضافة إلى ما إذا كانت الخطة المعلنة سابقاً بإنشاء مركز في كلّ ولاية مع نهاية العام 2024 قد تحقّقت بالفعل.
وتُظهر تقارير المركز الإقليمي للتوثيق والبحوث حول المرأة (الكريديف) أنّ طاقة الاستيعاب في مراكز الرعاية ما زالت محدودة للغاية، إذ يبلغ عدد هذه المراكز 14 مركزاً فقط، بطاقة استيعابية إجمالية تبلغ 221 سريراً، بينما استقبلت خلال عام واحد أكثر من 300 إمرأة ونحو 317 طفلاً. هذه الأرقام تكشف عن الفجوة الكبيرة بين حجم المخاطر التي تواجه النساء والأطفال وعدد الأماكن الآمنة المتاحة لحمايتهم.

"الفيمينيسد" ليس مجرد جريمة عادية.. تحليل لأسباب الظاهرة

تؤكّد تقارير المنظمات الدولية أنّ الإشكال لا يكمن في غياب النصوص القانونية، بل في ضعف تنفيذها على الأرض. وقد وثّقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في دراستها "قانون بلا حماية" (2019)، أنّ النساء اللواتي تقدّمن ببلاغات متكرّرة ضدّ شركائهن لم يتلقين الاستجابة اللازمة، وبعضهن قُتلن بعد أيّام من الشكوى. التقرير أشار أيضاً إلى أنّ الشرطة كثيراً ما تتعامل مع هذه القضايا بخفّة، فلا تُسجل البلاغات أحياناً أو تُؤجّل، ما يفتح الباب أمام تكرار المأساة.
الأمر نفسه تؤكّده "منظمة العفو الدولية" في تقريرها الصادر العام 2020 بعنوان "حياة النساء على المحك"، حيث كشفت أنّ فترة جائحة كورونا شهدت تضاعف بلاغات العنف 10 مرّات، لكن بطء استجابة الأجهزة الأمنية جعل تلك البلاغات بلا أثر رادع، وانتهت في عدد من الحالات بجرائم قتل.
أمّا على المستوى الوطني، فقد أظهر المسح الوطني للعنف ضدّ النساء الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء العام 2022 أنّ:
  • 59 % من النساء في تونس تعرضن لشكل من أشكال العنف النفسي
  • 41 % للعنف الاقتصادي
  • 32 % للعنف الجسدي.
وأكثر من نصف هذه الاعتداءات جرت داخل الأسرة، ما يعكس أنّ "الفيمينسيد" ليس سوى حلقة في مسلسل العنف اليومي الذي تعيشه النساء.
المؤسسات الرسمية نفسها تقرّ بوجود ثغرات. ففي تقرير المرصد الوطني لمناهضة العنف ضدّ المرأة (2021)، تمّ التنبيه إلى محدودية التنسيق بين الشرطة والقضاء والخدمات الصحية، إضافة إلى النقص الكبير في الموارد المخصصة للخطوط الخضراء ومراكز الإيواء.
وفي الوقت ذاته، أقرّ دليل وزارة الصحة للتكفل بالنساء ضحايا العنف، بغياب قاعدة بيانات وطنية توثق بشكل منهجي لجرائم "الفيمينسيد"، ما يجعل حجم الظاهرة غير واضح، ويصعّب معالجتها.
قد يكون المجتمع المدني سدّ بعض هذا الفراغ. فقد وثّقت "جمعية أصوات نساء" في تقريرها لعام 2024 حصيلة صادمة لجرائم قتل النساء في تونس، حيث بلغ عدد الضحايا 31 إمرأة في 29 جريمة مختلفة، بالإضافة إلى محاولة قتل واحدة. فيما أشارت الجمعية في أحدث تقاريرها هذا العام 2025 عن ارتفاع مقلق في نسب جرائم العنف مؤكدة على أن 51% من ضحايا تلك الجرائم هن من العازبات، بينما 32% من المتزوجات، و17% من المطلقات والأرامل، وهو ما يعكس هيمنة للعنف الذي يكون مرتكبوه غالباً من الأزواج أو الأصدقاء السابقين.
وتعكس هذه المعطيات مُجتمعة معضلة واضحة: القانون متقدّم على الورق، لكنّ تنفيذه هش، والجرائم تتزايد في ظلّ غياب قاعدة بيانات رسمية وشبكة حماية فعّالة. وهو ما يجعل البلاغات التي تقدمها النساء مجرّد أوراق لا تمنع وقوع الجريمة، ويُكرّس في النهاية ثقافة الإفلات من العقاب.
الناشطة مُنية قاري تشير إلى أنّ "القتل الحميمي"، أي القتل الذي يرتكبه الزوج أو الطليق أو الخليل، يشكّل النمط الأكثر شيوعاً لـ"الفيمينيسد" في تونس والعالم. ويعود الدافع الأساسي وراء هذه الجرائم إلى رغبة الرجل في السيطرة على جسد المرأة وفرض سلطته وهيمنته، ورفض أيّ قرار حرّ تتخذه المرأة، سواء الانفصال أو فك الرابط الزوجي.
وتوضح أنّ العنف الأسري يتفاقم بسبب التطبيع المجتمعي للعنف الزوجي، إذ يترسّخ في أذهان كثيرين اعتقاد السلطة المطلقة للزوج على زوجته، ما يكرس عدم تكافؤ القوى ويضع النساء في مواجهة مستمرة مع الخطر.
وتلفت قاري إلى أنّ النساء يتعرّضن داخل العلاقة الحميمية لمختلف أشكال العنف والإساءة، ما يخلق مناخاً دائماً من الخوف والتوتّر، وتزداد المخاطر عند محاولة الانفصال، إذ تشير الإحصاءات إلى أنّ أغلب حالات قتل النساء تحدث في هذه المرحلة. وترجع جذور هذا العنف إلى النظام الأبوي والهيمنة الذكورية، الذي يعطي الرجل سلطة مطلقة ويعتبر المرأة امتدادًا لملكيته، ما يفسر ذهاب بعض الرجال إلى حد القتل للحفاظ على السيطرة.
وتوضح قاري أنّه رغم وجود القانون إلّا أنّ القتل يُعامل على أنّه عنف جسدي عادي، ولم يُخصص نص خاص لـ"الفيمينيسد". لهذا، تبقى عبارة "الفيمينيسد" مستخدمة فقط من قبل الناشطين والمجتمع المدني لتسليط الضوء على خصوصية الجريمة، فيما يستمر الإعلام والسلطات القضائية والأمنية في التعامل معها كحالات قتل عادية، ما يساهم في إفلات الجناة من العقاب.
وتشير إلى أنّ غياب التوعية، والتقصير في حماية النساء، وعدم تقدير المخاطر بشكل جدي، وغياب استراتيجية وطنية واضحة، كلّها عوامل تزيد من انتشار "الفيمينيسد". كما تؤكّد أنّ الإعلام غالباً ما يركّز على كيفية حصول الجريمة ومسرحها وليس على الضحية أو أبعاد الظاهرة، ما يعزّز التطبيع مع العنف ويبرر الجريمة في نظر المجتمع.
وتستعرض قاري أثر هذه الجرائم على العائلات، مُستشهدة بحالة "رفقة الشارني"، التي قُتلت على يد زوجها تاركة ابناً صغيراً، وكيف اضطرت عائلتها لمواجهة الصدمة النفسية والاجتماعية من دون أيّ دعم رسمي. وتوضح أنّ "الفيمينيسد" يترك أطفالاً وأسراً في مواجهة مأساوية، ويشير إلى أنّ حماية النساء تتطلب إعادة النظر في العقلية المؤسسية والثقافية التي تسامح مع العنف.

لا مختص للرد على أسئلتنا؟

ووقوفاً على وجهة نظر الجهات الرسمية ، فقد حاولنا مراراً طوال فترة العمل على هذا التحقيق وحتى تاريخ نشره، التواصل مع المعنيين للحصول على ردّ وتوضيح لهذه الجرائم وكيفية التعامل معها، ولكن رغم مراسلتنا كلّاً من وزارة الداخلية ووزارة المرأة للحصول على ردود رسمية حول أسئلتنا المتعلّقة بالإجراءات المتبعة للتعامل مع شكاوى العنف وخطوات الحماية الفورية، إضافة إلى وضعية دور الرعاية المخصّصة للنساء المعنّفات ومدى جاهزيتها، لم نتلقَّ أيَّ إجابة من قبل وزارة المرأة حتى لحظة نشر التحقيق، فيما اكتفت وزارة الداخلية بالإشارة إلى أنّه "لا يوجد مختص متاح في الوقت الراهن للرد بسبب ظروف أمنية"، ما يترك تساؤلات مفتوحة حول مدى استعداد السلطات للتعاطي بشفافية مع ملف بهذه الحساسية.

مراكز إيواء بـ221 سريراً فقط لبلد بأكمله

بعد استعراض قصص الضحايا وما تكشفه الأرقام والتقارير عن حجم العنف تجاه النساء، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة من منظور النساء أنفسهن؟
الناجيات والمشاركات في الاستبيان لم يكتفين بسرد المعاناة، بل قدمن رؤى وحلولاً عملية تعكس أولوياتهن وتجاربهن، إذ اتفقت الغالبية (59.9%) على أن تشديد العقوبات القانونية هو الخطوة الأكثر إلحاحاً، فيما طالبت 16.3% بتعزيز دور الشرطة والقضاء، ورأت 8.7% أنّ حملات التوعية المجتمعية قد تُحدث فارقاً، وأكّدت 6.7% على ضرورة توفير دعم نفسي واجتماعي للنساء الناجيات. هذه النسب تضع أمام صانعي القرار خريطة طريق واضحة، صادرة من النساء أنفسهن.
وفي سياق متصل قدّمت الناشطة مُنية قاري، مجموعة من التوصيات العملية، أبرزها: اعتماد خطة وطنية للوقاية من تقتيل النساء، إنشاء هيئة تنسيق لتقييم فعالية السياسات العامة، تكريس "الفيمينيسد" كجريمة مستقلة في القانون، تعزيز آليات الحماية الأمنية والقضائية، تدريب القضاة والأمنيين والإعلاميين، وتوفير الدعم النفسي والمادي للأطفال وأسر الضحايا، إلى جانب نشر الإحصاءات الرسمية بشكل دوري وتكثيف الحملات الوطنية للتوعية بالعنف ضد النساء.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة