الأسهم فوق الغيوم بـ"فومو".. هل تكذب البورصة على الاقتصاد؟
لم تكن الأشهر الأخيرة سهلة على المستثمرين، وسط اضطرابات اقتصادية، وتصعيدات تجارية، وتحولات سياسية غير متوقعة، لا سيما من واشنطن.
ومع ذلك، اختارت وول ستريت أن تحتفل، إذ سجّلت مؤشرات الأسهم الأميركية، على رأسها "ستاندرد أند بورز 500" و"ناسداك"، مستويات قياسية جديدة في نهاية يونيو، وسط تفاؤل متصاعد بشأن التباطؤ التضخمي وطفرة الذكاء الاصطناعي.
لكن خلف هذا الصعود التاريخي، تلوح مؤشرات مقلقة بشأن هشاشة الزخم وارتفاع المخاطر الكامنة.
بين تراجع البطالة الظاهري، وتباطؤ الإنفاق، وتقلص الآمال بخفض سريع للفائدة، يراهن المستثمرون على انتعاش قد لا يصمد طويلًا إذا انقلبت الرياح الاقتصادية.
فهل يعكس انتعاش وول ستريت أساسًا اقتصاديًا حقيقيًا؟ أم أن الأسواق تتجاهل التحذيرات وتُسرف في التفاؤل؟
انتعاش تاريخي.. من الهبوط إلى القمة
سجّل مؤشر S&P 500 أعلى مستوى له على الإطلاق يوم الجمعة، عند 6173.07 نقطة، للمرة الأولى منذ فبراير الماضي، وفقًا لما ذكرته شبكة سي إن إن. وشهد المؤشر ارتفاعًا بنسبة 0.5%، فيما صعد "ناسداك" بالنسبة ذاتها ليحقق رقمًا قياسيًا جديدًا أيضًا، في أول ذروة له منذ ديسمبر.
هذه المكاسب جاءت بعد رحلة مضطربة، حيث خسر مؤشر S&P نحو 9.8 تريليونات دولار من قيمته السوقية بين 19 فبراير و8 أبريل، قبل أن يعوّض تلك الخسائر خلال شهرين ونصف الشهر فقط، بحسب سي إن إن.
وتزامن ذلك مع طفرة أسهم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، خاصة بعد نتائج قوية من شركات مثل Nvidia.
لكن في المقابل، لا يزال مؤشر "داو جونز" أقل بنحو 1200 نقطة عن أعلى مستوياته، وسط أداء ضعيف لبعض الأسهم القيادية مثل Apple وNike وUnitedHealth، بحسب سي إن إن.
خلف الأرقام.. أسهم غير متوقعة تقود الارتفاع
ورغم الاعتقاد الشائع بأن عمالقة التكنولوجيا، أو ما يُعرف بـ"السبعة الرائعين"، هم من يقودون الزخم، فإن الحقيقة مختلفة، وفق تقرير وول ستريت جورنال.
فشركة Dollar General، المتخصصة في البيع بالتجزئة منخفض التكلفة، كانت الأفضل أداءً منذ ذروة فبراير، محققة ارتفاعًا بنحو 50%.
وجاءت Dollar Tree في المرتبة الـ13 داخل S&P 500 بزيادة 30%.
أما أسهم الشركات التكنولوجية الكبرى مثل Meta وApple وTesla، فقد تراجعت بنسب كبيرة بعد فبراير، وفشلت في تجاوز مستوياتها السابقة رغم تعافيها النسبي لاحقًا.
وتشير الصحيفة إلى أن مؤشر القطاع الصناعي تفوّق على التكنولوجيا من حيث الأداء منذ فبراير، بدعم من أسهم الدفاع.
التناقضات الاقتصادية.. هل تجاهلت الأسواق المؤشرات السلبية؟
رغم هذا التفاؤل، لا تزال الخلفية الاقتصادية تحمل إشارات مقلقة. بحسب بلومبرغ، ارتفعت طلبات إعانات البطالة المتكررة إلى أعلى مستوى منذ عام 2021، بينما سجّلت مبيعات المنازل الجديدة في مايو أكبر تراجع لها منذ 3 سنوات.
في الوقت نفسه، تراجع الإنفاق الاستهلاكي خلال مايو بنسبة هي الأكبر منذ مطلع العام، رغم تحسّن معنويات المستهلكين ومؤشر الثقة في يونيو، كما أوردت سي إن إن.
وفي شهادة أمام الكونغرس، قال رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، إن معدلات الفائدة كانت ستبدأ بالانخفاض "لولا الغموض الذي تسببه سياسة التعريفات الجمركية"، في إشارة إلى قرارات ترامب الأخيرة، بحسب بلومبرغ.
الأسواق تُراهن.. لكن هل تثق فعلاً بالأساسيات؟
في واحدة من أقوى الموجات الصعودية المتزامنة منذ مايو 2024، ارتفعت الأسهم والسندات والعملات المشفّرة والسلع معًا خلال يونيو، وفق بيانات بلومبرغ.
وقفزت عملة البيتكوين فوق 100 ألف دولار، فيما سجّلت Coinbase أعلى مستوى لها منذ 2021.
أما سندات الخزانة الأميركية فارتفعت مع انخفاض عائدات الـ10 سنوات بنحو 10 نقاط أساس.
لكن في المقابل، حذّر خبراء من أن هذه القفزة مدفوعة بـ"فومو" (الخوف من تفويت الفرصة)، لا بتقييمات منطقية.
وقالت جولي بيل، كبيرة المحللين في شركة Kayne Anderson Rudnick، لبلومبرغ إن "الناس ينسون أن فومو لا يعني التفاؤل المطلق، بل خوف غير عقلاني.. وإذا ساءت هوامش الأرباح أو بيانات التوظيف، فلن يبقى شيء يدعم السوق".
كما أظهر تقرير رويترز أن أسواق الخيارات باتت تشهد ارتفاعًا في الإقبال على أدوات الحماية من الخسائر، ما يعكس قلقًا متزايدًا بين المستثمرين.
السياسة والتعريفات.. سيفٌ معلّق فوق السوق
لا تزال التحركات السياسية مصدر خطر رئيسي. فقد أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بحسب سي إن إن، إيقاف المحادثات التجارية مع كندا بسبب فرض ضريبة على الخدمات الرقمية، وهدّد بفرض تعريفة جديدة خلال أسبوع. ورغم ذلك، استأنفت الأسهم صعودها قبل الإغلاق.
في أبريل، أعلن ترامب "يوم التحرير" وفرض تعريفات جديدة وصلت إلى 50% على عشرات الدول، و145% على بعض المنتجات الصينية، ما وصفته "سي إن إن" بأنه "أشبه بحصار تجاري كامل". إلا أن الإدارة الأميركية عادت وعلّقت هذه التعريفات لمدة 90 يومًا بعد تحذيرات الأسواق المالية.
كما أشارت بلومبرغ إلى أن المستثمرين باتوا يتجاهلون التوترات الجيوسياسية، ومنها مخاوف تجدد الحرب بين إيران وإسرائيل، وكذلك الجمود المحتمل في الكونغرس بشأن رفع سقف الدين.