مال وأعمال

فول الصويا.. البذرة التي أشعلت حرب واشنطن وبكين ثم أطفأتها

نشر
blinx
قبل أن يتصافح دونالد ترامب وشي جينبينغ في مدينة بوسان الكورية، كانت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد اتسعت لتشمل مجالات تمتد من الزراعة إلى التكنولوجيا والمعادن والمواد الكيميائية.
وفي خضم هذا الصراع المركب، برز فول الصويا، كما كتبت صحيفة 20 مينوت الفرنسية، بوصفه رمزا ملموسا لتوتر أعمق بين القوتين، إذ تحول من سلعة غذائية أساسية إلى مقياس سياسي يرصد حرارة العلاقة بين واشنطن وبكين.
احتدم الخلاف عندما ردّت بكين على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب بوقف استيراد ما قيمته 12.6 مليار دولار من فول الصويا الأميركي ملحقة أضرارا واسعة بالمزارعين الأميركيين الذين فقدوا أحد أكبر أسواقهم الخارجية وأُجبروا على تخزين ملايين الأطنان من المحاصيل بانتظار حلّ سياسي يعيد فتح السوق الصينية.
غير أنّ هذه الحبة نفسها أصبحت لاحقا مفتاح التهدئة، إذ وجدت الصين، مع اقتراب لقاء ترامب وشي، أنّها بحاجة إلى خطوة رمزية تعيد التوازن، فاشترت شركة COFCO الحكومية ثلاث شحنات من فول الصويا الأميركي تزن نحو 180 ألف طن، وفق وكالة رويترز، في أول صفقة منذ بدء المقاطعة.
وفي بوسان، جلس ترامب وشي وجها لوجه لمدة 90 دقيقة على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، في اجتماع وصفه الرئيس الأميركي بأنه "مذهل"، مانحا إياه تقييم "12 من 10"، ومؤكدا أنهما توصلا إلى "مجموعة استثنائية من القرارات" تشمل اتفاقا تجاريا سنويا قابلا للتجديد، بحسب ما نقلت صحيفة فايننشال تايمز.

الرقائق الذكية.. بين الحظر الأميركي والطموح الصيني

من بين القضايا التي تصدّرت لقاء بوسان، كان ملف الرقائق الإلكترونية الأكثر حساسية. فقد صرّح ترامب، وفق فايننشال تايمز، أنّ المحادثات تناولت مستقبل صادرات الرقائق إلى الصين، موضحاً أنّ شركة إنفيديا ستتولى التباحث مع الجانب الصيني حول تصدير بعض الشرائح، لكنه استدرك قائلا: "لم نتحدث عن رقائق بلاكويل، فهي خارج نطاق النقاش".
هذا التصريح يعكس الحدود الدقيقة بين الرغبة في التهدئة الاقتصادية وبين الإصرار على الحفاظ على التفوق التكنولوجي الأميركي.
فواشنطن ترى في قطاع الرقائق قلب المنافسة الجيوسياسية مع بكين، خصوصا مع تطور القدرات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة. أما في بكين، فيُنظر إلى الحظر الأميركي على الرقائق المتقدّمة بوصفه محاولة لخنق طموحها التكنولوجي.

الفنتانيل.. بين السياسة والصحة العامة

شكلت مادة الفنتانيل، المخدر الصناعي الذي يتسبب في وفاة عشرات الآلاف من الأميركيين سنوياً، محورا بارز في اللقاء.
أعلن ترامب أنه قرر خفض التعرفة الجمركية المفروضة على الصين من 20% إلى 10% بعد أن تعهد شي "بالعمل الجاد لوقف تصدير المكونات الكيميائية" المستخدمة في تصنيع هذا العقار القاتل.
وقال الرئيس الأميركي للصحفيين على متن طائرته: "فرضت هذه الرسوم لأن الفنتانيل يقتل شعبنا، لكني أعتقد أنّ الرئيس شي سيتخذ إجراءات حقيقية لوقف الموت القادم إلينا"، بحسب ما نقلت شبكة NBC News.
ويرى خبراء أنّ هذه الخطوة تمثل اعترافا ضمنيا من واشنطن بالجهود التي تبذلها بكين منذ عام 2019، حين صنفت الحكومة الصينية الفنتانيل كفئة دوائية خاضعة للرقابة الكاملة، مما قلل من تدفق المادة الخام نحو المكسيك والولايات المتحدة.

المعادن النادرة.. سلاح الصين وورقة أميركا

تمثلت واحدة من أبرز نتائج قمة بوسان في التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن المعادن النادرة التي تعد العمود الفقري لصناعة الإلكترونيات والسيارات الكهربائية والتوربينات.
وكان خبراء قد رجحوا أن تشكل هذه المعادن ورقة ضغط رئيسية بيد الصين في مفاوضاتها التجارية مع الولايات المتحدة، إذ تسيطر بكين على نحو 70٪ من الإمدادات العالمية من المعادن الحيوية التي تعد أساسية للصناعات العسكرية وأشباه الموصلات وقطاع السيارات الأميركي.
أعلن ترامب أن الصين وافقت على تجميد القيود المفروضة على تصدير المعادن النادرة لمدة عام واحد، على أن يراجع الاتفاق سنويا.
وجاء ذلك بعد أن كانت بكين قد شددت ضوابط تصدير هذه المواد، ما أثار غضب واشنطن التي اتهمت الصين بأنها "تحتجز الاقتصاد العالمي رهينة".
ووفق فايننشال تايمز، تمثل هذه الخطوة الصينية محاولة لإعادة ضبط العلاقة، مع إدراك الطرفين أن أي تصعيد في هذا الملف سيؤثر على سلاسل الإمداد العالمية.

التعرفة الجمركية وما لم يُناقش في الاجتماع

فيما تم الاتفاق على ملفات جوهرية، بقيت قضايا أخرى خارج الطاولة. فقد أوضح ترامب أنّه لم يتم التطرق إلى تايوان مطلقا، نافيا أي نية للمساومة حولها، رغم المخاوف التي أثارتها دوائر دبلوماسية من احتمال تقديم تنازلات في هذا الملف الحساس.
كما لم تُطرح قضية تطبيقات التكنولوجيا الصينية مثل تيك توك، رغم الإشارات السابقة من البيت الأبيض إلى إمكانية التوصل لاتفاق بشأن عملياتها في الولايات المتحدة، وفق ما ذكرت شبكة NBC News.
وفي الجانب الاقتصادي، قال ترامب إنّ البلدين سيوقعان "اتفاقا تجاريا شاملا قريبا جدا"، مشيراً إلى أنّ الجانبين سيقومان بمراجعة سنوية للاتفاق المبدئي "لكنني أعتقد أنّه سيستمر لسنوات طويلة"، مؤكداً أنه سيزور الصين في أبريل المقبل، على أن يقوم شي بزيارة مماثلة إلى واشنطن لاحقا.
بين فول الصويا والرقائق والفنتانيل والمعادن، رسم لقاء بوسان ملامح مرحلة جديدة من "الهدنة الاقتصادية" بين واشنطن وبكين. فالمصالح الزراعية أعادت فتح الأبواب التي أغلقها الصراع التكنولوجي والرسوم الجمركية، فيما أظهر كلا الزعيمين إدراكا بأنّ المنافسة الشرسة لا تمنع التفاوض، بل تجعله أكثر إلحاحا.
وفي الوقت الذي يرى فيه بعض المراقبين أن الاتفاق مؤقت ومرحلي، يبدو أنّه منح الاقتصاد العالمي، ولو مؤقتا، استراحة من حرب تجارية أنهكت الجميع. وكما قال ترامب في ختام لقائه: "لدينا اتفاق رائع... ليس مثاليا بعد، لكنه أفضل مما توقعت، بكثير".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة