صورة للقصف.. هكذا يعيش صحافيو لبنان "حربا مصغرة"

النقطة التي يتمركز فيها الصحافيون تسمى بـ"إستديو 9" إذ كانت تتضمن سابقا منشأة صغيرة سابقا لإنجاز أعمال تصويرية ضمنها.

بلينكس زارت الاستديو مرات عدة، وعلى مدى ساعات النهار، يتواجد الصحافيون هناك باستمرار.

من تلك البقعة، يمكن للصحافيين معاينة ما يجري داخل مستوطنات إسرائيلية مثل المطلة وكريات شمونة، ومن نقطتهم يمكنهم رصد مزارع شبعا اللبنانية التي تتواجد إسرائيل فيها، كما بالإمكان أيضا رصد هضبة الجولان السوري المحتلة.

الإعلامية اللبنانية في قناة "الغد" حنان عيسى تروي تجربتها مع تغطية الأحداث، لكنها لا تُغفل التعبير عن مدى ارتباطها بـ"إستديو 9" الذي وصفته بأنه مساحة مفتوحة بين "الأرض والسماء".

تقول عيسى "هنا مكثنا ساعات طويلة وأيام كثيرة منذ أكتوبر الماضي. هنا المكتب الكبير الذي نأتي إليه جميعنا لتأدية رسالتنا الإعلامية ولنقل صورة ما يجري عن قرب. لقد بات لنا انتماء إلى هذه الأرض، وحينما تنتهي الحرب، سأعود وأمر من هنا وأستذكر تلك النقطة لأنه باتت لنا فيها ذكريات، أحاديث وتغطيات".

على مسافة 300 متر فقط من "إستديو 9"، يمكن أن تجد نقطة أخرى تمثل "مركز عمليات" لتغطية الأحداث.

النقطة هذه قائمة على سطح منزل المصور الصحافي لطف الله ضاهر الذي يلقبه عدد من الإعلاميين بـ"مختار الصحافيين" في جديدة مرجعيون، كونه يعتبر الدليل الأبرز لهم في مختلف المناطق الحدودية.

هناك، ومقابل بلدة الخيام الجنوبية، يمكث ضاهر يوميا لأكثر من 15 ساعة مراقبا الأحداث وراصدا الغارات الإسرائيلية لينقل الصورة في لحظة الحدث إلى وكالات أجنبية وعالمية.

يعد ضاهر من أوائل المصورين في جديدة مرجعيون على مدى مسيرة تمتد لـ40 عاما. على سطح منزله، توضع الكاميرات ويلتقي الصحافيون، وتجري عملية تحليل أحداث الجبهة واستنتاج ما قد يحصل عليها.

في حديثه عبر بلينكس، يقول ضاهر إنّ هذه الغرفة ومحيطها باتت ملتقى للزملاء، ويقول "أمكث في منزلي وأتابع الأحداث وآخذ الصور المناسبة مع تصوير حي. الجبهة على القطاع الشرقي في جنوب لبنان مرصودة. رغم الظروف الخطيرة، إلا أنني أكون مسرورا بحضور الزملاء إلى هنا فهذه نقطتهم ومكانهم".

يوضح ضاهر أن كل وسائل الراحة مؤمنة في هذه الغرفة، ويقول "من أجل أن تعمل بشكل مريح، يجب أن تؤمن كل المستلزمات لذلك. خلال الشتاء الماضي وفي هذا الصيف، كانت تلك الغرفة شاهدة على معظم الأحداث حتى حينما تشتد المعارك".

أيضا، من هذه الغرفة، رصد ضاهر مقطع فيديو مميز يظهر القمر وأمامه تمر طائرة مسيرة إسرائيلية.

يقول ضاهر إن هذه اللقطة لم تأتِ من مكان واحد، ويضيف "من أجل أن التقطها، انتقلت من مكان إلى مكان، ومن نقطة إلى نقطة عند المنطقة الحدودية كي أوثق اللحظة. رغم الخطر الكبير الذي كان قائما".

"مدفعية يا شباب".. هكذا يصرخ المصورون لبعضهم البعض في "إستديو 9" وقرب غرفة ضاهر، وذلك خلال محاولتهم رصد ضربة إسرائيلية مُواجهة لهم وتحديدا في منطقة الخيام الحدودية أو أطرافها.

العبارة المذكورة هي واحدة من عبارات أخرى باتت متداولة في "الإستديو 9" مثل "غارة غارة"، "صلية" في إشارة إلى إطلاق رشقات صاروخية من لبنان. أيضا، يأتي مصطلح "دبعة" للحديث عن صوت قصف مدفعي لا يمكن رصده بالعين المجردة.

محمد زناتي، وهو مصور صحفي، يقول لبلينكس إن هذه المصطلحات باتت "قاموسا" لكلمات تصدر بشكل تلقائي عن مختلف الصحافيين هناك، ويضيف "المسألة هذه لافتة فهي تكشف عن نشوء مصطلحات صحافية-حربية خلال الاشتباكات الحالية، فيما الأمر الأكثر بروزا هو أن جميع الصحافيين باتوا يستخدمون هذه العبارات تلقائيا خلال تواصلهم أثناء رصد الأحداث".

يلفت زناتي إلى أن الصلة بين الصحافيين ازدادت متانة خصوصا أن هناك حربا جمعتهم، فيما نشأت أيضا علاقات معرفة بين عدد من الصحافيين القدامى وآخرين جدد دخلوا إلى المجال، وأضاف "أيضا، الحرب جعلتنا على صلة بصحافيين عرب وأجانب حضروا إلى هنا، كما أننا تشاركنا المعلومات والمصطلحات والرسائل".

حنان عيسى، لطف الله ضاهر، ومحمد زناتي يتفقون على أن المعركة الحالية جعلتهم يعيشون تجربة اجتماعية جديدة في مناطق جنوب لبنان الحدودية.

تقول عيسى إن تغطيتها في الجنوب تستمر لمدى أيام متواصلة حيث تبيت في إحدى الفنادق هناك، مشيرة إلى أن عملها على المنطقة الحدودية جعلها تكتسب علاقات اجتماعية جديدة.

الأمر ذاته يؤكده زناتي الذي بات له أصدقاء في بلدات حدودية، فيما المسألة نفسها يثبتها ضاهر الذي يقول إن مجيئ صحافيين جدد إليه جعله يكتسب معرفتهم ويطلع أكثر على معاناتهم وأحوالهم.

في المقابل، تتحدث عيسى عن "إنكسار" خوفها الآن مقارنة مع فترة بداية التوتر، وتقول "حينما بدأت الاشتباكات، كنا نخشى التنقل كثيرا كما أنه كانت لدينا رهبة كبيرة مما يجري. مع هذا، يمكن القول إن ما يجري الآن هو ميني حرب، وذلك مقارنة مع حرب يوليو 2006 التي عشتها بكل تفاصيلها وكنت مشاركة في تغطيتها إعلاميا".

تلفت عيسى إلى أنه باتت هناك عادة على سماع صوت القصف، مشيرة إلى أن التنقل خلال الليل لم يعد مخيفا مثلما كان سابقا.

بدوره، يتحدث ضاهر عن شعور آخر، ويقول "خلال حرب العام 2006، كنا ندخل إلى مناطق القصف تحت الغارات.. لم نكن نخشى شيئا. أما الآن فهناك خشية كبيرة لدينا، وقد تكون ناجمة عن حقيقة مفادها أن إسرائيل استهدفت صحافيين سابقا في جنوب لبنان".

وأردف "رغم ذلك، هناك إصرار على نقل الصورة والحدث، وخلال لحظات معينة يكون الشغف الصحفي والمهني قد طغى على كل شيء".

يشار إلى أنه خلال شهر أكتوبر الماضي، قتلت إسرائيل مصور وكالة رويترز عصام عبدالله فيما أصيب آخرون بجروح جراء استهداف صاروخي طال نقطة للصحافيين في منطقة علما الشعب في جنوب لبنان.

أيضا، استهدفت إسرائيل خلال شهر نوفمبر الماضي الصحافية فرح عمر وزميلها ربيع معماري، وذلك بغارة من طائرة مسيرة طالت نقطتهم في منطقة طيرحرفا بجنوب لبنان.