إسرائيليون يودّعون "الشمال" للأبد

تقول ديدي التي ترى العودة إلى حياتها السابقة في شمال إسرائيل مستحيلة، إن "كل شيء قد تغير"، فقد كانت مدّرسة المسرح واليوغا البالغة من العمر 44 عاما، تعيش في منزل بمنطقة كيبوتس أدميت على الحدود مع لبنان، لكنها الآن على بُعد 30 كيلومترا من منزلها ولا تعرف كيف ستعود.

ديدي التي رفضت ذكر اسمها كاملا، تضيف: "لست خائفة، لكن الانتظار محبط للغاية، وأعتقد أن لا شيء سيعود إلى ما كان عليه من قبل في إسرائيل، ما حدث كان جنونيا تماما".

لكن السيدة الإسرائيلية ترى أن "الحرب حتمية"، وتقول إنه رغم الحزن الشديد، فإن خوض إسرائيل الحرب يعد أمرا لا بد منه على أية حال، مشيرة إلى أنها "لا تملك الحل".

وتعرض شمال إسرائيل لقصف مستمر من حزب الله منذ أكتوبر الماضي، بعدما أعلن الحزب المدعوم من إيران دعم حماس في قطاع غزة عبر الهجوم على شمال إسرائيل.

لكن إطلاق الصواريخ من لبنان وأصوات الانفجارات، سواء تلك التي تسقط على مناطق الشمال، أو التي تعترضها الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وهدير الطائرات العسكرية، كلها أشياء تجعل الفزع والذعر مسيطرا على الجميع في شمال إسرائيل.

يقول الإسرائيلي إيدرو روفين، المرشد السياحي البالغ 27 عاما، إنه اضطر إلى مغادرة مستوطنة كريات شمونة، ليستقر في قرية جفعات أفني، حيث استأجر منزلا قبل أن تتعرض القرية لقصف صاروخي جديد: "الأيام المقبلة صعبة للغاية".

ويضيف: "نأمل أن تسير الأمر نحو الأفضل، لكننا نعيش يوميا تجارب صعبة، وتتقلب مشاعرنا بين الخوف والقلق والحزن والارتياح وفقا للأحداث المحيطة".

أما مناحيم شارون، فيقول إنه لا يتوقع العودة قريبا إلى منزله في كريات شمونة شمالي إسرائيل، قائلا إنه اضطر إلى مغادرة منزله منذ أشهر ليستقر في حيفا، مضيفا: "ربما ننتظر عاما آخر قبل العودة إلى منازلنا".

وأجلت إسرائيل حوالي 60 ألفا من سكان الشمال والمناطق القريبة من الحدود مع لبنان، وفقا لبيانات رسمية إسرائيلية.

ويتفق أغلب سكان الشمال على أن موعد العودة إلى منازلهم لا يعرفه أحد، بعد أن بدأت إسرائيل شن هجماتها الجوية على لبنان، ورد حزب الله برشقات صاروخية على الشمال.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، في 10 سبتمبر الجاري، إن مهمة إعادة السكان إلى الشمال لم تُنجز بعد، مشيرا إلى أن ما يعملون عليه حاليا هو تغيير الوضع الأمني لإعادتهم.

ومن جانبه قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن حكومته عازمة على إعادة سكان الشمال إلى منازلهم، مشيرا إلى أنه لن يتسامح مع إطلاق النار على سكان المنطقة الشمالية.

ويقول المُدرس الإسرائيلي شارون البالغ 29 عاما، إنه لا أحد يعرف موعد العودة، مضيفا: "ربما نعود خلال شهر أو 8 أشهر، أو سنتين.. لا يمكننا معرفة ماذا سيحدث".

ويشير شارون إلى أن الوضع الأمني ليس فقط ما يهدد السكان من العودة إلى الشمال، موضحا: "نحتاج إلى إصلاح البنية التحتية والمنازل التي تم إخلاؤها إلى جانب تأمين المنطقة، فلا أحد يضمن أن ما حدث في 7 أكتوبر 2023 لن يتكرر مجددا في الشمال".

مع تصاعد وتيرة الحرب على الحدود، بات السكان يشعرون أنه لا مكان يمكنهم الذهاب إليه، فالبعض اتجه إلى أماكن بعيدة بشكل مؤقت، لكنهم لا يعرفون إلى أين يتجهون بعد ذلك.

يقول رئيس المجلس الإقليمي لماتي آشير في الجليل الغربي، موشيه دافيدوفيتش، في تصريحات نشرتها تايمز أوف إسرائيل: "عشنا عاما صعبا من الفوضى والخوف من المجهول والعجز".

وتبلغ مساحة منطقة ماتي آشير في الجليل الغربي 212 كليومترا مربعا، وتقع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وتحتوي على 32 مجتمعا سكنيا، تم إخلاء 8 منها ما تسبب في نزوح أكثر من 7 آلاف شخص.

ويصل العدد الكلي لسكان المنطقة إلى 25 ألفا، يقولون إنهم لا يعيشون حياة طبيعية بعد إغلاق المدارس وإلغاء جميع الفعاليات والمتاجر، وإيقاف كل الأنشطة العامة في شمال إسرائيل خوفا من القصف الصاروخي لحزب الله.

ويعتبر دافيدوفيتش أن الحياة التي يعيشها سكان منطقته "ليست طبيعية"، ملقيا اللوم على الحكومة الإسرائيلية، مؤكدا أنها "لا تساعد"، في إشارة إلى غلق كل المدارس وتعليق الحياة في المنطقة.

وتعرض الكثير من السكان النازحين من شمال إسرائيل لأزمات نفسية، إذ أكد دافيدوفيتش أنه حضر جنازات بعض المسنين الذين ماتوا حزنا بعد أن نزحوا من مكان إلى آخر.