سوريا بعد حرب غزة.. أبعاد "الحياد" وحدود الشرارة

الضربات الإسرائيلية في سوريا ليست جديدة ولم تكن وليدة الحرب في غزة، بل تعود إلى سنوات طويلة مضت.

لكن ما ميزها بعد السابع من أكتوبر هو الحالة التصعيدية التي كانت عليها والأهداف التي ضربتها.

وبينما ركّزت إسرائيل في الأيام الأولى من الحرب في غزة على ضرب المطارات السورية واستهداف الشخصيات، وصلت بعد إطلاق عملياتها في جنوب لبنان إلى حد استهداف المعابر الحدودية.

كما أعلنت عن مساعٍ لإحباط تهريب وتمرير الأسلحة لحزب الله، فيما اتخذت ضرباتها، الأحد، مسارا جديدا بضرب مستودعات الأسلحة التابعة للجيش السوري.

يعتقد الكاتب والصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق أن "الحرب على سوريا وبالحجم الذي تشهده المنطقة الآن سيكون بعيدا".

ويقول لبلينكس إن القصف الحاصل، وهو الأشبه بـ"الإشارات الميدانية للحكومة السورية"، يهدف إلى إرسال رسالة مفادها: "أنتم تحت المجهر في حال واصلتم تقديم الدعم المادي والعيني لحزب الله".

ولن تتوقف الضربات الإسرائيلية كما يبدو لتوفيق في المرحلة المقبلة، وقد تكون مركزة على أماكن تخزين السلاح وطرق الإمداد القريبة من الحدود اللبنانية.

ويضيف أن استهداف مستودعات الأسلحة في حمص وسط البلاد مرتبط بمحاولات إسرائيل "ضرب المواقع المعروفة بإيران وحزب الله"، وخاصة تلك التي تمر من الصحراء وصولا للحدود السورية-العراقية.

"قرار النأي بالنفس" الذي اتخذته الحكومة السورية خلال العام الماضي من حرب غزة "لم يكن نابعا من قناعات ذاتية"، كما يوضح الباحث السوري، ضياء قدور.

وباعتقاده "كان نابعا من تفاهمات إيرانية روسية".

ويضيف قدور لبلينكس أن الحكومة السورية استطاعت أن تقنع الايرانيين بأنه "لا يجب توريط الجغرافيا السورية في أي معركة"، وأن "سوريا بيئة حاضنة" للجماعات المدعومة من إيران، "ويحتاجها المحور كساحة خلفية".

ورغم أن شرارة الحرب ما تزال تضرب سوريا عن بعد حتى الآن، لا يستبعد الباحث أن تأخذ منحى تصعيد أكبر في مرحلة ما لاحقا.

ويرى قدور أن "إسرائيل تمارس مبدأ محاصرة وعزل حزب الله"، وعلى أساس ذلك يمكن قراءة الضربات المتكررة لها في سوريا.

يحدد الكاتب عبد الحميد توفيق سببين لابتعاد سوريا عن حرب شاملة.

الأول ذاتي ويرتبط بأن واقعها القائم على كل المستويات السياسية والعسكرية والأمنية لا يؤهلها لأي انخراط.

كما لا يعتقد توفيق أن "سوريا قادرة أو لديها القابلية بأن تكون جزء من الصراع".

أما الثاني فهو موضوعي ويذهب باتجاه "التوازنات الخاصة بالقوى الدولية والإقليمية على الأرض السورية، والتي تسهم إلى حد كبير في عملية اتخاذ القرارات من جانب سوريا".

لكن في المقابل يقول الباحث قدور إن "كل شيء مرشح لأن يحدث، ولاسيما في ظل تجاوز إسرائيل لكافة الخطوط الحمر".

ويضيف أن خسائر الحكومة السورية "ما تزال متواضعة نتيجة التطورات الإقليمية، مشيرا في ذات الوقت أنه "إذا تطور الوضع يمكن أن تنجر سوريا إلى الحرب وتقع الخسائر" لدى دمشق.

تتلقى الحكومة السورية منذ سنوات دعما عسكريا وسياسيا من إيران، متزعمة "المحور"، ومن روسيا أيضا صاحبة اليد الطولى في المنطقة.

ويعتقد توفيق أن "الحسابات الخاصة بالدولة السورية منذ حرب غزة كانت قائمة على قراءة المصلحة العليا في واقعها الراهن".

ويشير أيضا إلى دور روسي مرجّح لأهداف 3 وهي كما يستعرضها الكاتب في الآتي:

• روسيا لا تريد أن تتمدد إيران أو أن يمون لها دور واسع في سوريا.

• لا تريد أن تفرط بوجود إيران بشكل مطلق لأنها تستفيد من وجودها كمناكفة على الأقل على المستوى الشكلي والسياسي.

وفي المقابل يرى توفيق أن "روسيا تريد أن تكون بعيدة عن أي ورطة في معركة كبرى بسوريا وهي المتورطة بأوكرانيا".

ويضيف أنها "تبحث عن صورة انتصار في سوريا لتقول إنها حولت تدخلها العسكري الواسع إلى نصر سياسي أو نتيجة سياسية".

وتجدر الإشارة أيضا بحسب الكاتب السوري إلى أن "موسكو مرتبطة وملتزمة التزاما كاملا بالتفاهمات مع إسرائيل بعد دخولها العسكري بسوريا في 2015".

ويوضح أن "التفاهم الرسمي الذي تم مع إسرائيل شدد على أن لا يكون هناك أي مجال للتهديد من سوريا لإسرائيل مقابل أن تلتزم الأخيرة بعدم الاقتراب من أي مواقع ذات طابع استراتيجي للحكومة السورية والدولة في دمشق".