"معضلة الرئيس".. قانون العفة يهدد النسيج الإيراني

وافق مجلس صيانة الدستور، الذي يفحص القوانين البرلمانية في إيران، على قانون العفة، ليدخل مرحلته قبل الأخيرة، وبعدها يتم تطبيقه رسميا.

القانون الآن ينتظر توقيع الرئيس الإيراني كإجراء شبه احتفالي بعد أن أنهى البرلمان ومجلس صيانة الدستور دورهما، إذ لا يمكن لبزشكيان رفض القانون أو عرقلته بعدما حصل على إجماعهما.

ويدخل القانون فور تطبيقه، تجربة مدتها 3 سنوات، وفقا للقواعد التي أقرها البرلمان، التي من شأنها فرض ضوابط أكثر صرامة على "انتهاكات الملابس والحجاب غير اللائقة من الرجال والنساء على حد سواء"، كما ورد بنصه.

ويمنع قانون العفة، وفقا لما ورد على شبكة "سي إن إن"، النساء من ارتداء الملابس الضيقة، وتلك التي تكشف الجسد بداية من أسفل الرقبة مباشرة، وكذلك فوق الكاحلين والساعدين.

وبالنسبة للرجال، فقد شملهم القانون الجديد، إذ يحظر تماما ارتداء ملابس قصيرة فوق الركبتين، أو التعري من دون ملابس تغطي الصدر والكتفين.

ويفرض القانون غرامات مالية وقيودا في المخالفات الأولية، وفي حال تكرارها يتعرض المخالف لعقوبات تصل إلى السجن وحظر السفر، وفرض قيود على قيادة السيارات، وتجديد جوازات السفر، وكذلك الوصول إلى الإنترنت.

ووضع القانون آليات الرقابة على المواطنين في الشوارع والأماكن العامة، بتخصيص كاميرات المرور لمراقبة الجمهور وفحص ملابسهم، وكذلك كاميرات المراقبة في المؤسسات والهيئات المختلفة، وتعزيز أدوات الذكاء الاصطناعي لتفعيل الدور الرقابي.

يرى الزميل البارز في مركز السياسة الدولية في واشنطن، سينا توسي، أن هذا القانون يهدد النسيج الإيراني، وينذر بأزمات مقبلة على السطح.

وأشار توسي في حديثه لشبكة "سي إن إن" إلى أن الحكومة الإيرانية بصدد تكرار أخطاء الإدارة السابقة التي مارست نفس السياسات، ونتج عنها احتجاجات واسعة في عام 2022.

وأضاف: "القانون الجديد يعكس سوء التقدير للمشاعر العامة في إيران، ولا يُعتقد أنه سيحافظ على المعايير الاجتماعية التقليدية، بل إنه يخاطر بزعزعة النسيج الاجتماعي الهش بالفعل".

وتعد إيران دولة غنية بالمكونات العرقية المختلفة، إذ يشكل النسيج الفارسي نسبة 34.9% فقط، وتتوزع المكونات الأخرى بنسب متقاربة ما بين "أذربيجاني وكردي ولوري وجيلاكي، ومازانديراني، وأفغاني، وأعراق أخرى"، وفقا لموسوعة "بريطانيكا".

وتشير الاختلافات في المكون الإيراني إلى وجود خلافات حول القواعد الجديدة التي يفرضها قانون العفة والحجاب، بحيث لن تكون مقبولة لدى الكثير من الفئات، مما قد ينتج عنه احتجاجات جديدة على غرار ما حدث قبل عامين.

وفي أواخر عام 2022، أدى موت مهسا أمين البالغة 22 عاما أثناء احتجازها لدى شرطة مراقبة الأخلاق في إيران، إلى اندلاع احتجاجات لم تشهدها إيران منذ عقود، ووفقا للأمم المتحدة قُتل خلالها وفي أعقابها أكثر من 500 شخص.

وقالت الإعلامية الإيرانية نيجار مرتضوي: "إن جوهر النظام المحافظ المتشدد يتعارض مع أغلبية الشعب، وكذلك الرئيس المنتخب وحكومته، ولا أحد لديهم التفويض لمواجهة التشدد، لكن لديهم الإرادة".

خلال برنامجه الانتخابي، خاض بزشكيان حمله ضد الحجاب الإلزامي والقوانين القاسية المفروضة على الملابس، التي فرضت في عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، لكنه وجد نفسه الآن مجبرا على توقيع قانون العفة الذي يفرض ضوابط أكثر صرامة.

بزشكيان وعد خلال حملته الانتخابية بوضع حد لشرطة الأخلاق في إيران التي تلقي القبض على النساء غير المحجبات، ليعلق على القانون الجديد في منشور عبر "إكس"، "القانون الذي يتعين علي اعتماده غامض، ولا يجب علينا فعل أي شيء يزعزع الاستقرار والانسجام في المجتمع، علينا أن نتحدث بشأن هذه القضية".

وعلقت مرتضوي: "أمام بزشكيان معركة شاقة، بسبب القانون الذي يمهد الطريق لصراع بين القوى المحافظة المتشددة في الهيئات غير المنتخبة والبرلمان من جهة، وحكومة الرئيس المنتخب الإصلاحي من جهة أخرى".

وكانت لبزشكيان مقولة شهيرة، اعتبرتها النساء في إيران حصانة لهن، عندما قال في يوليو الماضي خلال مناظرة رئاسية: "لم يكن بالإمكان خلع الحجاب من فوق رؤوس النساء بالقوة من قبل، وبالتالي لا يمكن الآن فرضه عليهن بالقوة، ليس لدينا الحق في فرض إرادتنا على النساء والبنات هنا".

وكل ما يمكن للرئيس الإيراني فعله إزاء القانون الجديد، هو تأخير توقيعه، لكنه لا يتمتع بسلطة النقض التي تمكنه من عرقلته، إذ بات ملزما بتوقيعه.

وأوضحت مرتضوي: "يمكن أن يطلب بزشكيان الاستئناف ضد القانون أمام المرشد الإيراني، أو تقديم طلب إحاطة، أو يطلب من المجلس الأعلى للأمن القومي إلغاء القانون بعد إقراره، لكنها خيارات تتوقف على نظرة المرشد للأمور".