دمشق تحمي نفسها بـ"لجان شعبية مسلحة"

يتناوب المدنيون الحراسة بالسلاح، ويتجمعون في الوقت المناسب عند صدور نداءات استغاثة من السكان أو أحدهم، بضبط أحد اللصوص الذين يسرقون ليلا.

ويقول تاجر الأقمشة فادي رسلان البالغ 42 عاما، أثناء نوبة حراسته مع صديق له في الأزقة الضيقة لدمشق القديمة:"سوريا بحاجة لنا، خاصة في هذا الوقت، لذا علينا أن نقف يدا واحدة".

وتابع رسلان: "في منازلنا نساء، وأيضا كبار في السن، لذلك نحاول من خلال هذه المبادرات التطوعية أن نحميهم ونمنع الأذى عنهم".

وشهدت سوريا انفلاتا أمنيا بعد فرار بشار الأسد وقواته من مواقعهم، بما في ذلك شرطة النجدة والمرور، تاركين الفرصة للصوص من أجل مهاجمة السكان دون رادع.

وعانت دمشق مثل المدن السورية الأخرى من الفراغ الأمنى، بعد خلو البلاد من أي حواجز أمنية أو نقاط تفتيش، ما تسبب في زيادة عمليات السلب والنهب، والاعتداءات على المواطنين من اللصوص المسلحين.

وبشكل عفوي، نزل الأهالي إلى الشوارع من أجل حماية أنفسهم أولا، وصد هجمات اللصوص، ومنعهم من الوصول إلى منازلهم، حيث تعيش عائلاتهم.

تحول عمل اللجان الشعبية فجأة من ارتجال وعمل عشوائي، إلى شكل أكثر تنظيما، بعدما منحتهم السلطة السورية الجديدة أسلحة، وأخضعتهم لدورات تدريبية سريعة لتنظم عملهم.

وتحدث مسؤول في الشرطة الجديدة بسوريا، العميد أحمد لطوف، عن حمل المدنيين السلاح للحراسة: "تشكل لجان الحماية المحلية بهدف تسيير الدورات الليلية في الأحياء السكنية لمنع الجرائم"، مؤكدا أن هذا الوضع "مؤقت" لسد الفجوة في عدد رجال الشرطة الموجودين حاليا.

ويضيف لطوف: "لا يسمح عدد رجال الشرطة الحالي بالقيام بأعمال اللجان، لكننا مستمرين في استقبال الدورات لزيادة العدد حتى نصل إلى العدد المطلوب، ونعيد البناء الذي يحقق الأمن والأمان".

ومن جانبه قال حسام يحيى البالغ 49 عاما، من حي الشاغور، أنه انضم إلى لجان الحماية الشعبية من أجل "حماية الحارات والمحلات والممتلكات العامة، بشكل تطوعي وبلا أي مقابل".

ويضيف يحيى: "حصلنا بعد ذلك على سلاح فردي من هيئة تحرير الشام، وبطاقات تعرف هويتنا، لكنني كنت أعرف كيفية استخدام السلاح منذ أيام الخدمة الإلزامية".

وتنطلق نوبات الحراسة في العاشرة مساء، وتستمر حتى 6 صباحا، بشكل يوميا، حيث يفتش المتطوعون السيارات والمارة، ويقفون على حواجز القوات الأمنية السابقة.

وانتشرت الفكرة في مدن كبرى أخرى مثل حلب وحمص، وبات لجان المحلية دورا كبيرا في الحماية الشعبية، بينما ظل التوسع في العمل بشكل أكبر في دمشق حتى أصبح له صبغة شبه رسمية.

وخلال عمل اللجان المحلية الليلية، تنتشر دوريات محدودة من عناصر الشرطة التابعين للحكومة السورية المؤقتة، ليشكلا معا تحالف أمني ضد اللصوص والخارجين عن القانون.

ويقتصر دور الدوريات الأمنية الليلية الرسمية على نقاط رئيسية في العاصمة دمشق فقط، بالإضافة إلى عناصر شرطة مرور جاءوا من إدلب، معقل هيئة تحرير الشام قبل توليها حكم البلاد عقب سقوط الأسد، بالإضافة إلى مسلحين من الهيئة، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وركزت هيئة تحرير الشام جهودها في التأمين والحراسة على بعض المقار الحكومية والمباني الرسمية، مثل قيادة الشرطة والقصر الرئاسي ومبنى الحكومة.

ولسد الفجوة، أعلنت وزارة الداخلية فتح باب الانتساب لها، بالإضافة إلى العمل على إعادة بناء جهاز الشرطة من جديد، في ظل التحديات الأمنية الداخلية التي تواجهها.

وتعتقل الداخلية السورية الجديدة "متورطين بأعمال إجرامية ضد الشعب السوري"، وفقا لما تعلنه رسميا، كما تلاحق فلول النظام السابق في كل مكان.

وفي ساحة باب توما التي تزدحم يوميا في أوقات المساء، انتشر أربعة متطوعين محليين عند مداخل الحي الدمشقي، يشُرفون على تنظيم مرور السيارات والأفراد.

وقال المسؤول في اللجان الشعبية بالمنطقة، فؤاد فرحة، في حديث لوكالة "فرانس برس" إن الهدف هو "حماية المنطقة من اللصوص ضعاف النفوس، والتكاتف لإعادة سوريا الجميلة المليئة بالمحبة".

وأشار فرحة إلى أنه تحدث مع لجنة إدارة الأمن في هيئة تحرير الشام، وطلب التطوع مع المدنيين لإرساء الأمن، ويضيف: "تدربنا على فك وتركيب السلاح واستخدام البندقية بشكل رئيسي، وحصلنا على بطاقات صغيرة تحمل اسم إدارة الحماية والحراسات – لجان محلية"، مؤكدا أن البطاقة سارية لمدة عام.

وبفضل اللجان الشعبية، تراجعت حوادث السرقة في الأحياء التي خضعت لحراستها وفقا لشهادات السكان، بينما يقول فرحة: "على كل منا تحمل مسؤولية منطقته وشارعه وبلده، هكذا يمكننا إعادة إعمار بلدنا".