اتفاق أو ضربة إسرائيلية.. 3 سيناريوهات لمفاوضات "نووي إيران"
ظلت العلاقات بين إسرائيل وإيران منذ قيام ما يعرف ب"الثورة الإسلامية" في إيران عام 1979 عبارة عن سلسلة من المواجهات العسكرية والاستخباراتية غير المباشرة، حتى دخل الصراع مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة في صيف العام الماضي عندما أطلقت إيران مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل ردا على قصفها لمبنى تابع للسفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق.
وبعد الهجوم الإيراني ردت إسرائيل بقصف جوي استخدمت فيه الطائرات إف 35 لضرب مواقع بالقرب من العاصمة طهران. والآن، تسير طهران وتل أبيب في طريق يُنذر بمزيد من التصعيد في صراعٍ إقليميٍّ متقلّب أصلًا.
ويبقى البرنامج النووي الإيراني، الذي تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا لها وضمانةً رئيسيةً للنظام الحاكم في إيران، في قلب هذا التوتر.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية قال المحلل السياسي عساف زوران الباحث الزميل في مشروع إدارة الذرة التابع لمركز بيلفر في كلية كيندي بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة إن النقاش في دوائر صنع القرار الغربية والإقليمية بما في ذلك إسرائيل، لا يتعلق بما إذا كان يجب منع إيران من امتلاك السلاح النووي وإنما بكيفية منعها من ذلك.
ولتقييم أفضل مسار لمنع إيران من دخول النادي النووي وتأثير ذلك على علاقاتها مع إسرائيل، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية يجب التفكير فيها، فما هي هذه السيناريوهات؟
السيناريو الأول: اتفاق جزئي مع إيران
هذا السيناريو سيكون الأكثر ترجيحا، إذا استمرت الاتجاهات الحالية على الصعيدين الدولي والمحلي. ويمكن أن توفر الاتفاقات الجزئية قيودا محدودة أو مؤقتة، على الأنشطة النووية الإيرانية لكنها لن ترقى إلى حل شامل يُضاهي الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018.
ورغم المأزق الداخلي الصعب الذي تواجهه إيران والانتكاسات الإقليمية، ونظرًا لانعدام ثقتها العميق بالولايات المتحدة، فقد أظهر النظام صمودًا ولم يُبدِ استعدادًا يُذكر لتقديم تنازلات جوهرية في المجال النووي، رغم إجراء تعديلات داخلية وقبول المفاوضات لتخفيف الضغوط.
وهناك عوامل تدفع نحو الاتفاق الجزئي ومنها الضغط الغربي لإتمام اتفاق قبل أكتوبر 2025، وهو تاريخ انتهاء صلاحية الآلية الدولية لإعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران.
وقد تستفيد طهران من تشتيت الانتباه عن قضايا عالمية ملحة أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا والتدخل الروسي في المفاوضات. إضافةً إلى ذلك، قد يدفع نفاد صبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المحتمل تجاه المفاوضات المطولة، وتردده في بدء حروب جديدة، وتشتت انتباه فريقه وخبرته المحدودة في المفاوضات النووية، نحو التوصل لاتفاق جزئي.
على الرغم من عيوبه، قد يُحقق مثل هذا الاتفاق فوائد مؤقتة، بما في ذلك توقف التصعيد المباشر بين تل أبيب وطهران. ومن المرجح أن تتجنب القيادة الإسرائيلية تقويض ما يمكن اعتباره انتصارًا دبلوماسيًا لترامب بشكل مباشر.
السيناريو الثاني: اتفاق شامل مع إيران
هو السيناريو الأقل ترجيحًا في الأشهر القليلة المقبلة. فرغم ضيق الوقت، ثمة فجوة كبيرة بين مطالب الولايات المتحدة والتنازلات التي ترغب إيران في قبولها، بناءً على تقييمها الحالي للفرص والتهديدات.
ومع ذلك، فإن العزيمة والاتساق والتماسك في نهج الرئيس ترامب تجاه إيران قد يزيد من احتمال التوصل إلى اتفاق أكثر شمولًا بدلًا من اتفاق جزئي.
إن مرونة ترامب السياسية المتزايدة في رفع العقوبات "الحساسة" أو توقيع معاهدات أكثر إلزامًا قد تُمكّن طهران من الحصول على ضمانات وحوافز إيجابية.
كما تُساعد رغبته في إنهاء الحرب في أوكرانيا في كسب الدعم الروسي للضغط على إيران للتوصل إلى اتفاق شامل جديد.
السيناريو الثالث: هجوم عسكري إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية
في غياب أي حل للقضية النووية، يزداد احتمال توجيه ضربة إسرائيلية مستقلة. فهجوم إسرائيل على البرنامج النووي العراقي عام 1981 والسوري في 2007، وإن كان استهدف مشاريع نووية أقل تعقيدا وتطورا مقارنة بالبرنامج الإيراني، فإنه يؤكد موقفها المتشدد ورفضها الحاسم لامتلاك أي دولة إقليمية غيرها سلاحا نوويا.
في المقابل فإن الرئيس ترامب يبدو ميالا للحل الدبلوماسي للملف النووي الإيراني مع الحفاظ على الخيارات العسكرية، بما في ذلك هجوم إسرائيلي مستقبلي، كخطة بديلة قابلة للتطبيق.
وفي تل أبيب يؤيد الخط الرسمي السعي إلى اتفاق شامل لتفكيك البرنامج النووي الإيراني، ورغم ذلك فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقوى سياسية إسرائيلية أخرى يدعو إلى توجيه ضربة عسكرية إلى إيران إذا تعثرت المفاوضات، في ظل التقدم غير المسبوق الذي حققته إيران خلال السنوات الأخيرة، بما جعلها على وشك امتلاك السلاح النووي بحسب أغلب تقديرات المحللين واجهزة الاستخبارات الغربية.
في الوقت نفسه فإن المخاوف من تحقيق إيران لاختراق نووي سريع وسري، واحتمال تركيب منشآت تخصيب جديدة تحت الأرض، وإعادة بناء أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، التي تضررت بشدة من الهجوم الإسرائيلي الأخير، واحتمال استخدام الولايات المتحدة لحق الاعتراض (الفيتو) ضد العمل العسكري بسبب التغيرات في الديناميكيات السياسية والدولية والإقليمية، حتى في حال فشل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، يجعل المدى الزمني المتاح أمام تل أبيب لتنفيذ هجومها العسكري في حال قررت ذلك محدودا.