"سرايا أنصار السنة".. تنظيم غامض يهدد مستقبل سوريا الجديدة
منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة جديدة من تاريخها السياسي بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وسط تحديات على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ورغم الآمال التي علّقها السوريون على هذه المرحلة لإعادة بناء الدولة وتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، إلا أن واقع البلاد لا يزال هشاً، مهدداً بموجات عنف جديدة، وفقا لتقرير نشره
معهد واشنطن.
في هذا السياق المضطرب، برزت على الساحة جماعة متطرفة جديدة تُعرف باسم "سرايا أنصار السنة"، لتعيد إلى الأذهان مشاهد الرعب التي خلفها تنظيم داعش الإرهابي في السنوات الماضية.
"سرايا أنصار السنة"، الذي تبنّى خطاباً طائفياً وتكتيكات عنف نوعية، ظهر فجأة في فراغ أمني وسياسي، وتحوّل بسرعة إلى أحد أبرز التهديدات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة.
ومع تصاعد الهجمات التي تبنّاها أو حرّض عليها، والتقاطع الأيديولوجي مع تنظيم داعش، تتزايد المخاوف من أن تكون "سرايا أنصار السنة" واجهة جديدة للجماعات المتطرفة في سوريا، في لحظة فارقة من تاريخ البلاد.
ظهرت جماعة "سرايا أنصار السنة" في أواخر يناير 2025، حسب موقع
The Syrian Observer، كمجموعة متطرفة جديدة تدّعي الاستقلال عن باقي التنظيمات الأخرى، لكنها لا تخفي تعاطفها مع تنظيم داعش، بل وأبدت استعدادها للتعاون معه مستقبلاً.
تعرّف الجماعة نفسها بأنها "شبكة لا مركزية" تعتمد على تكتيكات الذئاب المنفردة، وتتبنّى أيديولوجيا طائفية صارخة تستهدف العلويين والشيعة والدروز، مستخدمةً خطاباً متطرفا يشبه أدبيات داعش، وفقا لموقع
L'Orient Today.يقود الجماعة شخص غامض يُدعى "أبو عائشة الشامي"، ويشرف على الشؤون الشرعية المتحدث "أبوالفتح الشامي". وتستقطب الجماعة منشقين عن تنظيمات إرهابية، بالإضافة إلى مدنيين جرى تجنيدهم من سوريا ومن البلدان المجاورة، وفقا لـ
BBC Monitoring.
أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن مجازر ضد المدنيين في مناطق الساحل وريف حمص، وشاركت في اشتباكات طائفية في مناطق يسكنها العلويون، كما نشرت تهديدات ضد "المرتدين" والطوائف الأخرى التابعة للأقليات، مع تبنّي أدبيات إعلامية مستوحاة من تنظيم داعش، مثل استخدام قناة "العديات" ومنشورات دينية مأخوذة من مواد داعش القديمة، وفقا لتقرير
BBC Monitoring.
هجمات الجماعة.. من الساحل إلى قلب دمشق
رغم حداثة عهدها، وقفت "سرايا أنصار السنة" خلف سلسلة هجمات دموية أثارت القلق في الأوساط السورية، حسب ما جاء في تقريرلـ
BBC Monitoring. أبرز هذه الهجمات وقع في فبراير 2025، حين أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن مذبحة في قرية "أرزة" بمحافظة حماة، والتي أسفرت عن مقتل 15 مدنياً.
في مارس، شاركت الجماعة في موجة عنف طائفية على الساحل السوري، عقب كمين استهدف قوات حكومية واتُّهم موالون للأسد بتدبيره، مما أدى إلى موجة انتقام ضد مدنيين علويين، وصفها شهود بأنها "مجازر".
وفي مايو، أعلنت وزارة الداخلية السورية تنفيذ عمليتين أمنيتين، إحداهما قرب دمشق أسفرت عن اعتقال خلايا تابعة لداعش، والأخرى في حلب، قُتل فيها ثلاثة من عناصر التنظيم، وفقا لفرانس برس. ورغم أن الجماعة لم تعلن تبنيها للهجمات بشكل مباشر، إلا أن نشاطها الإعلامي وتحريضها المستمر يُرجح ارتباطها غير المباشر بها، بحسب BBC Monitoring.
من جانب آخر، أحبطت السلطات السورية في يناير مخططاً لتفجير ضريح السيدة زينب في ضواحي دمشق، واغتيال الرئيس أحمد الشرع، ما يدل على اختراق الجماعة للمناطق الحساسة ومحاولتها زعزعة التوازن الطائفي والسياسي، وفقا لمعهد واشنطن.
التهديد الذي يمثله التنظيم للحكومة الجديدة
يمثّل ظهور "سرايا أنصار السنة" تحدياً معقداً للحكومة السورية الجديدة، لا سيما في ظل مرحلة انتقالية تتسم بالهشاشة المؤسساتية وغياب العدالة الانتقالية، وفقا لـ The Syrian Observer. فهذه الجماعة لا تستهدف الأقليات وحسب، بل تسعى إلى نسف أي مشروع لإعادة بناء دولة مركزية موحدة، وفقا لصحيفة
النهار.
بحسب
معهد دراسات الحرب، فإن خطاب الجماعة وتكتيكاتها تشير إلى نوايا طويلة الأمد لإفشال الاستقرار، عبر نشر الفوضى، وتجذير الانقسام الطائفي، واستقطاب المقاتلين الراديكاليين. وتمتلك الجماعة أدوات متطورة في الدعاية الرقمية، ما يصعّب تعقّبها أو مواجهتها أمنياً، حسب تقرير The Syrian Observer.
الفراغ الناجم عن عدم اكتمال دمج "قوات سوريا الديمقراطية" في المنظومة العسكرية الجديدة، يمنح الجماعة هامش تحرك أوسع، ويؤكد أن الصراع على مستقبل سوريا لم يُحسم بعد، وأن على الرئيس الشرع أن يتعامل مع هذا التهديد بجدية، قبل أن تتحول "سرايا أنصار السنة" إلى نواة تطرف واسع يقوّض آمال الاستقرار.