سياسة

كيف خسرت إسرائيل معركة الإعلام في مواجهة "تجويع غزة"؟

نشر
blinx
على مدار ما يقرب من عامين منذ هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، تواجه إسرائيل تحديات جسيمة متعددة الأبعاد في تعاملها مع قطاع غزة.
التحديات لا تقتصر على الميدان العسكري فقط، بل تمتد لتشمل خسائر إعلامية وسياسية، ومآزق إنسانية، وضغوط دولية تتزايد بحدة، أدت إلى تراجع واضح في خططها ومبادراتها المتعلقة بإدارة الأزمة. فإلى أي حد خسرت إسرائيل صورتها على الساحة الدولية؟

الكارثة بين الواقع والمشهد الإعلامي

في بداية الصراع، تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رؤية عسكرية متطرفة، تهدف إلى تحقيق "نصر شامل عبر اجتياح بري كامل لغزة واستئصال حركة حماس من جذورها، حتى آخر نفق وآخر مقاتل"، بحسب تعبيره.
إلا أن هذه الأهداف، التي عُرفت في أوساط الجيش الإسرائيلي بأنها غير قابلة للتحقيق زمنيًا أو من حيث الكلفة البشرية، تقابلت مع واقع ميداني معقد.
فرغم هذه الصعوبات، استمر الجيش الإسرائيلي في تنفيذ خططه التي ارتكزت على دورات متكررة من العمليات العسكرية، التي سُمّيت بأسماء بطولية لكنها لم تغير في الواقع شيئًا، بحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، استنتج أن وضع قطاع غزة بقي على حاله، وتفاقمت المعاناة الإنسانية للغزاويين، بينما ازدادت خسائر إسرائيل في الأرواح والمكانة الدولية.

خسارة مدوّية لإسرائيل على المستوى الإعلامي

وفي هذا الإطار، يرى مراقبون أن إسرائيل خسرت المعركة الإعلامية بامتياز، حيث تبنى المجتمع الدولي والرأي العام العالمي روايات منظمات حقوق الإنسان، التي وصفت التدخل الإسرائيلي بأنه كارثي إنسانيًا، ما دفع الدول الصديقة لإسرائيل إلى إعادة النظر في مواقفها.
كما تصاعد الحملات الدولية ضد إسرائيل بسبب ما وصف بـ"حملة التجويع" على سكان غزة.

التراجع تحت الضغط وتجميد خطط "المدينة الإنسانية"

وسط هذه المعطيات، اضطر نتنياهو إلى "تنكيس رايات الحرب" رسميًا، عبر وقف العمليات العسكرية لوقت محدود خلال ساعات النهار، والرضوخ لمطالب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بإدخال مساعدات إنسانية محدودة.
الخطوة التي قوبلت داخليًا بانتقادات حادة واتهامات بالضعف، جاءت خوفًا من تفاقم الضغط الدولي على إسرائيل، وكذلك من ردود فعل داخلية متشددة من وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
ومن بين المبادرات التي قُدمت كخطوات استراتيجية لكسر الأزمة، كانت فكرة إنشاء "المدينة الإنسانية" على أنقاض رفح، لاستيعاب مئات الآلاف من الفلسطينيين كخطوة أولى لتخفيف التوتر والفصل بين المدنيين وحركة حماس.
لكن بحسب مصادر رفيعة في الأجهزة الأمنية، هذه المبادرة تعاني من جمود شبه كامل، بعد أن فشل الجيش في تقديم خطة تنفيذ واضحة، وأبدى نتنياهو غضبه من تأخر الجيش في التخطيط، فيما أشار المصدر إلى أن الطبقة السياسية فقدت الاهتمام بالخطة وسط ترقبها لاتفاق أسرى محتمل مع حماس قد يؤدي إلى تنازلات تتعلق بهذا المشروع.

تردد في اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأمد

كما أظهرت تقارير أن الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى التردد في اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأمد بشأن قطاع غزة، أدت إلى تباطؤ شديد في تنفيذ أو حتى متابعة أي حلول جذرية، حيث أن كل القرارات المهمة تُتخذ "في اللحظة الأخيرة"، مما يزيد من حجم الأضرار التي تتكبدها إسرائيل في الساحة الدولية.

مستقبل غامض وحالة تأزم

في ظل هذه الظروف، تبدو إسرائيل أمام مأزق مزدوج: فهي تواجه خسارة معركة الإعلام العالمية، التي تهدد دعمها الدولي وتُضعف من موقفها الدبلوماسي، وفي الوقت ذاته تتراجع عن تنفيذ مشاريع استراتيجية لفترة ما بعد الحرب.
وتحاول بالمبادرات الأحادية الجانب تفادي مزيد من الضغوط، لكنها تدرك أن التردد في اتخاذ قرارات جذرية ووضوح الاستراتيجية قد يؤدي إلى مزيد من التدهور، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي.
في أوائل أبريل، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مناشدات القيادة السياسية في الجيش الإسرائيلي لاستئناف المساعدات في أسرع وقت ممكن، تفاديًا لأزمات دولية قد تضر بالمجهود الحربي مستقبلًا.
إلا أن الحكومة سخرت من ذلك، حتى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وعد يوم النشر قائلًا: "لن تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة بطريقة تصل إلى حماس. اقرأوا أوراقي".
وأمس الأحد، صرح الجيش الإسرائيلي أنه كان من الممكن تجنب المشاهد الصعبة في غزة، لو لم توقف إسرائيل إدخال المساعدات في مارس الماضي لأسباب سياسية، كتهديدات الوزراء بحل الائتلاف.
وبرأي القيادة العسكرية الإسرائيلية كانت لنجحت القيادة السياسية في إقناع العالم والأمم المتحدة بتوزيع المواد الغذائية في الشاحنات العالقة عند معبري زيكيم وكرم أبو سالم.
ووفق الصحيفة الإسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلي تفاجأ في الأسابيع الأخيرة كيف تُفضّل حكومات الغرب، بما فيها تلك الصديقة لإسرائيل، تصديق وزارة الصحة التابعة لحماس على الجانب الإسرائيلي.
ونقلت الصحيفة عن مصدر قوله: "لم يعد يهمّ ما هي الحقيقة، بل ما تقوله وكيف ينظر إليه العالم. لقد لحق بنا ضررٌ جسيم. المشكلة أن معظم قراراتنا تُتخذ في اللحظة الأخيرة وعلى عجل، بدلاً من المبادرة والتخطيط لمثل هذه التحركات مُسبقًا، وإقناع من يحتاجون إليها في العالم، ومنع وقوع أزمة كهذه ضد إسرائيل مُسبقًا".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة