"غرفة جماجم" جامعة إدنبرة.. عنصرية وتجارة رقيق
أثارت مراجعة علمية حديثة جدلاً واسعاً حول الدور التاريخي لجامعة إدنبرة البريطانية في تطوير أفكار عنصرية والتربح من العبودية والاستعمار. وتكشف المراجعة، التي أجرتها لجنة مستقلة بتكليف من الجامعة، عن كيفية مساهمتها في ترسيخ أفكار التفوق العرقي الأبيض منذ القرن الثامن عشر، وكيف استثمرت أموالاً طائلة مصدرها تجارة السلع الاستعمارية في بناء مبانيها وتمويل برامجها التعليمية.
غرفة الجماجم وتاريخ العنصرية العلمية
وتظهر المراجعة التي استعرضتها صحيفة
الغارديان أن "غرفة الجماجم" في جامعة إدنبرة تعد من أبرز الشواهد على ارتباط المؤسسة الأكاديمية بما يُعرف بعلم فراسة الدماغ (Phrenology)، وهو "علم زائف" يدّعي القدرة على معرفة درجة ذكاء الشخص من شكل جمجمته. وتضم الغرفة مئات الجماجم التي تم جمعها من مختلف أنحاء العالم، بعضها جاء من متبرعين، وأخرى انتُزعت من سجناء أو مرضى أو حتى من ضحايا الحملات العسكرية الاستعمارية.

جامعة إدنبرة في قلب جدل العنصرية وتجارة الرقيق (أ.ب)
وتبرز الغارديان قصة شقيقين من أصول مختلطة أفريقية وأوروبية، وهما جورج ريتشاردز وروبرت بروس، اللذين درسا في الجامعة وتوفيا في أوائل القرن التاسع عشر، إذ تُظهر السجلات أن جمجمتيهما قد انتُزعتا بعد الوفاة واستخدمتا كعينات لدراسة فوارق عرقية مزعومة. وتؤكد مراجعة الجامعة أن تصنيفهما كـ"مولاتو"، وهو تصنيف عنصري كان يستخدم لوصف الأشخاص ذوي الأصول المختلطة، كان سبباً رئيسياً في اهتمام أعضاء جمعية فراسة الدماغ بجماجمهما.
ويشير التقرير إلى أن جمعية فراسة الدماغ التي تأسست في إدنبرة في القرن التاسع عشر جمعت نحو 400 جمجمة غالباً دون موافقة أصحابها، ثم أُضيفت إلى متحف التشريح التابع للجامعة الذي يضم اليوم أكثر من 1500 جمجمة. ويوضح البروفيسور توم غيلينغووتر، رئيس قسم التشريح في الجامعة، للغارديان: "لا يمكننا إنكار أن بعض هذه الجماجم جُمعت بغرض إثبات أن بعض الأعراق أدنى من الرجل الأبيض".
أرباح العبودية والاستعمار ودعوات للعدالة التصالحية
وتشير المراجعة إلى أنّ الجامعة حصلت على ما يعادل 30 مليون جنيه إسترليني من "هبات خيرية" مصدرها أرباح تجارة السلع الاستعمارية مثل التبغ والسكر والقطن، بحسب
بي بي سي. وقد استُخدمت هذه الأموال في تشييد مبانٍ جامعية، وتمويل منح دراسية وبرامج بحثية.
ويوضح التقرير أن المراجعة، التي أطلقتها الجامعة عام 2021، هدفت إلى تحديد أوجه التورط في العبودية والاستعمار والتمييز العنصري على مدى القرون الماضية. وقد أشرف على العمل البروفيسور السير جيف بالمر، أول بروفيسور أسود في اسكتلندا، الذي توفي قبل نشر التقرير النهائي. وأكد مدير الجامعة السير بيتر ماثيسون أن الجامعة "ستتعلم من الماضي لتبني مستقبلاً خالياً من العنصرية والتمييز".
وتتضمن المراجعة، توصيات بإنشاء لجنة لمراجعة أسماء المباني الجامعية، وتعزيز التواصل مع المجتمعات المتضررة، وتوسيع برامج المنح الدراسية، إلى جانب دعم مبادرات التعليم المناهض للعنصرية. كما دعت إلى إجراء أبحاث إضافية حول الظلم العرقي وإلى التزام شفاف ببرامج "العدالة التصالحية".
الاستعمار وعلماء التنوير الاسكتلندي
كما أظهرت المراجعة أن بعض كبار مفكري عصر التنوير الاسكتلندي، الذين يُشاد بهم لدورهم في تأسيس الديمقراطية الليبرالية الحديثة، كانوا أيضاً من بين أبرز المروّجين لنظريات التفوق العرقي الأبيض. وقد كانت هذه الأفكار تُستخدم لتبرير الاستعمار وممارساته، بما في ذلك الاستعباد والتمييز العرقي.
من ناحية أخرى، تشير المراجعة إلى أن الثروة التي راكمتها الجامعة عبر القرنين السابع عشر والثامن عشر ما زالت آثارها واضحة في بعض الأوقاف والحملات الرأسمالية الحالية. ويشير التقرير أيضاً إلى مبادرات مماثلة قامت بها جامعات بريطانية أخرى، مثل جامعة غلاسكو التي خصصت 20 مليون جنيه إسترليني كتعويضات بعد اكتشاف استفادتها من أرباح تجارة العبيد.
دعوات لتغيير الثقافة المؤسسية
خلصت مراجعة الجامعة، إلى أن مواجهة هذا الإرث التاريخي تتطلب أكثر من مجرد اعتذار رمزي، بل تستدعي تغييرات جذرية في الثقافة المؤسسية. ففي تصريح لقناة بي بي سي، قال البروفيسور تومي كاري، المشارك في رئاسة لجنة المراجعة: "لقد أعدنا تعريف ما كنا نعرفه عن عصر التنوير الاسكتلندي، وأظهرنا أن دراسة الفوارق العرقية كان لها موطن رئيسي هنا".
وأضافت فيونا ماكليمِنت، قائدة فريق استجابة الجامعة للتقرير: "نطمح لأن نكون مؤسسة مناهضة للعنصرية، إذ يشعر جميع أفراد مجتمعنا بالانتماء والقدرة على النجاح دون عوائق غير عادلة".