كيف تحولت إسرائيل إلى "جمهورية موز" مع نتنياهو؟

في عام 1981 استدعى رئيس الوزراء مناحيم بيغن السفير الأميركي وأخبره أن إسرائيل ليست "جمهورية موز" وأنه "لا توجد قوة على وجه الأرض قادرة على إلغاء قانون ضم الجولان"، في رد صارم على طلب أميركي بالتراجع عن ضم الأراضي السورية المحتلة.

لكن في العام التالي، رضخ بيغن للضغوط الأميركية وأوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982 بعد مكالمة واحدة غاضبة من رئيس الولايات المتحدة رونالد ريغان.

الرئيس الأميركي الجمهوري تفاجأ من مدى قوته وتأثيره على السياسات الإسرائيلية بعد تلك المكالمة لدرجة أنه قال "لم أكن أعلم أني أمتلك مثل هذه القوة".

المفتاح السحري للضغط على إسرائيل والتأثير على قرارتها وسياساتها هو اعتمادها الكبير على السلاح الأميركي.

الولايات المتحدة تمنح إسرائيل سنوياً نحو 4 مليارات دولار من المساعدات العسكرية المباشرة، بالإضافة لصفقات السلاح التي ظهر دورها جلياً في الحرب الجارية على غزة حيث عقدت إسرائيل أكثر من 100 صفقة سلاح مع أميركا منذ 7 أكتوبر للتزود بالذخيرة والصواريخ.

وظهر تأثير "جمهورية الموز" الأميركي على إسرائيل مؤخراً في رسم بايدن خطوطاً حمراء أمام نتنياهو فيما يتعلق بالاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح، حيث أصدر بايدن تحذيره الأول ضد اجتياح المدينة المحاذية لمصر في شهر فبراير الماضي، ومر شهر دون إقدام إسرائيل على تلك الخطوة.

بايدن طالب نتنياهو بخطة واضحة لإجلاء المدنيين من المدينة الجنوبية قبل أن يوافق على غزو الجيش الإسرائيلي لها، ونقلت صحيفة بوليتيكو أن بايدن يدرس فرض شروط على مساعدات السلاح الأميركية لإسرائيل في حال تجاوزها خطوطه الحمراء.

في شهر فبراير الماضي، تفاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بطلب غير مسبوق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عندما أراد الأخير الاجتماع مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي على انفراد دون وجود نتنياهو.

طلب بلينكن قوبل بالرفض، وحظر نتنياهو رئيس أركان جيشه من لقاء وزير خارجية الحليف الأقرب لإسرائيل وحدهما، بينما نقلت صحيفة إسرائيل هيوم عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله "إسرائيل ليست جمهورية موز".

لكن ذلك التفاؤل بقوة سيادة الحكومة الإسرائيلية لم يدم طويلاً.

في شهر مارس الجاري استقبل البيت الأبيض وزير الحرب وزعيم حزب الوحدة الوطنية المعارض، بيني غانتس، بدون إذن مسبق أو إخطار لنتنياهو، والتقى غانتس بنائبة الرئيس كامالا هاريس لمناقشة الحرب على غزة.

وفي يوم السبت الماضي، عقد وزير الدفاع اجتماعاً مع قادة الأجهزة الأمنية دون حضور نتنياهو رغم اعتراضه.

يأتي ذلك بعد رفض غانتس وغالانت أن يعقدا مؤتمراً صحافياً مشتركا مع نتنياهو للتحدث عن إنجازات الحرب، وبعد خروج غالانت في شهر يناير الماضي غاضباً من وسط اجتماع مع نتنياهو بسبب عدم السماح لأحد مساعديه بحضور الجلسة.

فور تولي نتنياهو مقاليد الحكم مرةً أخرى في نوفمبر 2022 وإطاحته بحكومة يائير لابيد، قالت المعارضة إن نتنياهو في طريقه لتحويل إسرائيل لـ"جمهورية موز متفجرة".

يائير لابيد مثلاً، ذَّكر الإسرائيليين بأن نتنياهو يريد منح الحريديم، اليهود الألترا أرثوذكس، الرافضين للخدمة في الجيش رواتب شهرية أعلى من نظرائهم جنود الجيش، ليتفرغوا لدراسة التوراة.

كما يعمل زعيم حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريش على إلغاء مباريات دوري كرة القدم يوم السبت، بجانب اقتراب إصدار قانون الفصل بين الرجال والنساء في الأماكن العامة.

معارضو نتنياهو يربطون بين هذه التحولات اليهودية المتشددة وتحويل الدولة إلى جمهورية موز، تكون السلطة المطلقة فيها في يد أقلية يمينية متطرفة فاسدة أو رجال دين متشددين.

في شهر أغسطس الماضي، وضع أنصار نتنياهو أقفاص الموز أمام منزل رئيسة المحكمة الإسرائيلية العليا إستر حايوت، مرددين شعارات غاضبة بأن المحكمة العليا حولت إسرائيل لـ"جمهورية موز" بسبب نفوذها الكبير وقدرتها على إلغاء وتقييد قرارات الكنيست والحكومة.

ماتان بيليغ، مدير منظمة إم ترتسو اليمينية المتطرفة التي نظمت المسيرة قال إن "سلوك قضاة المحكمة العليا بشكل عام، ورئيسة المحكمة العليا بشكل خاص، في السنوات الأخيرة أضعف الديمقراطية الإسرائيلية إلى حد تحويلها عمليا إلى جمهورية موز".

مناصرو حكومة نتنياهو يقولون إن السبيل الوحيد لإنهاء "جمهورية الموز الإسرائيلية"، هو إضعاف المحكمة العليا.

لذلك، قال عراب ومهندس التعديلات القضائية المثيرة للجدل سمحا روثمان: "لسنا جمهورية موز"، في دفاعه عن إصرار التحالف تمرير تلك القوانين التي تضعف قوة واستقلالية المحكمة.

بعد تمرير قانون إلغاء مبدأ العقلانية الذي عمل على إضعاف سلطة المحكمة العليا في وجه الحكومة، احتفل أنصار اليمين الإسرائيلي بتلك المناسبة واستشهدوا بها للقول إن إسرائيل "اجتازت اختبار جمهورية الموز".

كانت الحجة على ذلك هو أن القانون جرى تمريره دون حصول تمرد كبير داخل أروقة الجيش الإسرائيلي على الرغم من حالة الاستقطاب الشديدة التي شهدها الشارع على مدار عام 2023 فور عودة نتنياهو للحكم مجدداً.

عشرات آلاف جنود الاحتياط رفضوا الخدمة العسكرية في ذلك الوقت ما دفع وزير الدفاع للتنديد بتعديلات نتنياهو القضائية علناً والتحذير من عواقبها.

صحيح أن التمرد داخل الجيش لم يحدث بسبب التعديلات القضائية، لكن تسببت به الحرب الإسرائيلية على غزة.

العميد باراك حيرام جرى توبيخه مؤخراً داخل الجيش لقيامه بتفجير جامعة الإسراء في غزة بقرار شخصي دون الرجوع للقيادة العليا.

نفس العميد قصف منزلا إسرائيليا بالدبابات يوم 7 أكتوبر على الرغم من معرفته بوجود رهائن في الداخل، ما أدى لمقتل جميع الرهائن ومحتجزيهم من مسلحي حركة حماس.

بينما قام العميد دان جولدفوس في نفس الأسبوع بإلقاء خطاب ناري من قلب غزة لشاشات التلفزيون الإسرائيلي دون إذن من قيادته، قام فيه بتوبيخ الطبقة السياسية قائلاً "أثبتوا أنكم جديرون بنا" مطالباً إياهم بضمان عدم العودة لما كانت عليه الأمور داخلياً في 6 أكتوبر.