واشنطن وطوكيو.. محبة بعد قتال

فلنبدأ أولا بفصول الحرب من علاقة الولايات المتحدة واليابان.

فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تنضم إلى الحرب العالمية الثانية منذ بدايتها، فإن علاقة الثنائي حكمتها المنافسة على السيادة في المحيط الهادئ.

في ديسمبر 1941 هاجمت اليابان بصورة مباشرة الميناء الأميركي بيرل، الأمر الذي أثار الأخيرة وأدى إلى اشتعال الحرب بين البلدين، لتنضم واشنطن إلى جهود دول الحلفاء ضد دول المحور.

وفي أغسطس 1945 عانت اليابان ويلات إلقاء قنبلتين نوويتين على سكان هيروشيما وناغازاكي، أسفرتا عن سقوط 214 ألف قتيل، ما مهّد لاستسلام طوكيو.

ومنذ ذلك الحين احتل الأميركيون اليابان حتى عام 1952، فيما عدا أوكيناوا التي أُعيدت عام 1972.

وينص الدستور الياباني السلمي الذي كتبه الأميركيون في 1947 على تخلي طوكيو عن الحرب "إلى الأبد".

لضمان دفاعها عن نفسها في فترة ما بعد الحرب، تعتمد اليابان بصورة وثيقة على الولايات المتحدة التي تمتلك قواعد عسكرية على أراضيها.

هذا الوضع تعزز من خلال معاهدة للتعاون المتبادل والأمن بين البلدين، التي تم التصديق عليها في 1960، على الرغم من احتجاجات شعبية شديدة في اليابان في ذلك الوقت، ولا تزال هذه المعاهدة سارية المفعول.

ويتمركز حاليا نحو 54 ألف جندي أميركي في اليابان معظمهم في أوكيناوا، في الطرف الجنوبي للأرخبيل.

وتساهم اليابان ماليا بصورة كبيرة في القواعد الأميركية على أراضيها، بمبلغ يتجاوز مليار دولار سنويا.

لكن اليابان لا تنوي الاستمرار على هذا النهج للأبد، ففي ظل الضغوط المتزايدة التي تمارسها الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أجرت اليابان مراجعة عميقة لمبادئها للأمن القومي نهاية 2022، وقررت التزود بقدرات خاصة بها، تحسبا "لهجوم مضاد".

وتنوي اليابان التي تمتلك قوات للدفاع عن النفس، مضاعفة ميزانيتها الدفاعية، لتبلغ 2% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2027.

ويتخذ التحالف الأميركي الياباني أكثر فأكثر أشكالا موسعة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مثل اتفاقية كواد أو التعاون الأمني غير الرسمي الذي يجمع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند.

ويمكن أن تتعاون اليابان أيضا في المستقبل مع تحالف "أوكوس" الدفاعي الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، كما تتفاوض حاليا على اتفاقية عسكرية ثنائية مع الفلبين.

يشكل عدد كبير من الشركات اليابانية جزءا من المشهد الصناعي في الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولا سيما في قطاع صناعة السيارات، كشركات تويوتا وهوندا ونيسان.

مع ذلك، تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري كبير مع اليابان (-71.2 مليار دولار في 2023)، وهو ما شكل مسألة خلافية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب.

البلدان يعملان أيضا على تعزيز تعاونهما في المجالات التكنولوجية الحساسة مثل الطاقة النووية المدنية والفضاء وأشباه الموصلات.

لكن الشراكة الاقتصادية بين واشنطن وطوكيو لا تخلو من خطوط حمراء، يفضّل الرئيس الأميركي الاحتفاظ بها.

فعلى سبيل المثال يعارض بايدن مشروع استحواذ الشركة اليابانية "نيبون ستيل" على شركة صناعة الصلب المحلية "يو إس ستيل" التي تعد رمزا أميركيا.