كيف أصبح "صندوق الاقتراع" بطل 2024؟

في فرنسا بالذات، شهد الموسم الانتخابي تصاعدا دراميا غير معهود، بدأ مع حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للجمعية الوطنية في أوائل يونيو من العام الجاري، في أعقاب انتخابات الاتحاد الأوروبي التي شهدت صعودا غير متوقع لقوى أقصى اليمين بزعامة جوردان بارديلا.

على غير المتوقع استحوذ أقصى اليمين على نسبة تزيد على 30% من الأصوات، بينما حصل المعسكر الرئاسي على نسبة تصل إلى 15% فقط من الأصوات.

كانت تلك مقامرة لا يمكن التنبؤ بعواقبها، إذ بدأ الفرنسيون اختيار برلمانهم الجديد 30 يونيو، وسط تظاهرات منددة بصعود اليمين، الذي كان من شأنه أن يعدل من دفة اتخاذ القرار في فرنسا.

وبالرغم من تقدم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في الجولة الأولى من الانتخابات في يونيو، عاد الفرنسيون ليديروا إليه ظهورهم، فبعد أسابيع من محاولة عقد تحالفات تمنع تشكيل أول حكومة من أقصى اليمين في فرنسا منذ عهد فيشي إبان الحرب العالمية الثانية، فاز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري بـ 182 مقعدا، بينما فاز تحالف ماكرون الوسطي بـ 163 صوتا، وتراجع التجمع الوطني إلى المركز الأخير بـ143 صوتا، بحسب شبكة سي إن إن.

وفيما اقتربت فرنسا من تغيير جذري في الوجوه ولكن لم تحققه، تمكنت بريطانيا من ترك اليمين والاتجاه لليسار قليلا، فبعد 14 عاما من حكم المحافظين، والعديد من الانقسامات التي خلفها الخروج المدوي من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار ومستويات الفقر، قرر البريطانيون أن يمنحوا حزب العمال فرصة جديدة، بقيادة كير ستارمر، رئيس الوزراء الجديد.

واستحوذ العمال على 410 مقاعد في البرلمان، مقابل 117 مقعدا فقط للمحافظين، ما أدى بالإطاحة بنحو 250 من مشرعيهم.

في الجهة الأخرى من العالم، لم تكن الانتخابات محفوفة بالمخاطر والمفاجآت كما في أوروبا، فعلى سبيل المثال، تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تأمين ولايته الخامسة بسهولة في مارس الماضي، متفوقا على 3 منافسين بينهم الشيوعي نيكولاي خاريتونوف الذي حظي بأقل من 4% من الأصوات وجاء في المركز الثاني.

بوتين في المركز الأول بالطبع، حصد 87.28% من الأصوات، واعتبر أن فوزه يثبت أن موسكو كانت "على حق" في الوقوف في وجه الغرب، وإرسال قواتها إلى أوكرانيا، بحسب وكالة رويترز.

ولكن على الجهة الأخرى اعتبر المعسكر الغربي أن المشهد الانتخابي في روسيا لم يكن "حرا أو نزيها"، رجوعا لموجة اعتقال المعارضين وفرض الرقابة.

في الهند، المشهد الانتخابي لم يكن تقليديا على الإطلاق، على الرغم من أن النتيجة جاءت أقرب ما تكون للتقليدية.

فعلى عكس أغلب الدول التي تمضي انتخاباتها خلال أيام قلائل، استغرقت الانتخابات الهندية 6 أسابيع كاملة، وذلك لتتسع لأصوات 969 مليون ناخب، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية، يمثلون نحو ثُمن سكان العالم.

وقد فاز رئيس الوزراء ناريندرا مودي، من حزب بهاراتيا جاناتا القومي بولاية ثالثة، لكن جموع الناخبين في الهند حرموه هذه المرة من الأغلبية المطلقة، مما اضطره إلى تشكيل حكومة ائتلافية للمرة الأولى.

في إيران، لعب القدر الدور الأبرز في تنظيم عملية الانتخابات، إذ لقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مصرعه، في الـ 19 من مايو الماضي بشكل مفاجئ إثر تحطم مروحيته في حادث.

بحلول أواخر يونيو كان الناخبون الإيرانيون أمام صناديق الاقتراع يختارون الرئيس الجديد، ولكن ليس جميعهم، إذ بلغت نسبة المشاركة نحو 40% فقط، وهو أدنى مستوى مشاركة يُسجل منذ العام 1979.

كما أن تلك الأصوات، لم تمنح أيا من المرشحين الأربعة نسبة 50% من الأصوات، مما دفع بإعلان جولة جديدة من التصويت في 5 يوليو، فاز بها المرشح الإصلاحي، والطبيب مسعود بزشكيان، الذي كان المرشح المعتدل الوحيد بين المرشحين الأربعة الذين أقر مجلس صيانة الدستور أهليتهم للترشح.

وبزشكيان برلماني حُرم سابقا من المنافسة على منصب الرئيس في العام 2021، وفي العام 2022 انتقد بشكل علني الحكومة الإيرانية، بسبب افتقادها للشفافية فيما يتعلق بوفاة الشابة مهسا أميني، التي جرت على إيران اضطرابات واسعة وموجات من التظاهرات.

وفاز بزشكيان في الجولة الثانية في مواجهة المرشح المحافظ المتشدد، سعيد جليلي، الذي استحوذ سابقا على منصب كبير المفاوضين في الملف النووي.

العام 2024 لم ينته بعد، واللغز الأميركي لم يتكشف؛ فهل يفوز الرئيس الأميركي جو بايدن بولاية ثانية في الانتخابات في نوفمبر المقبل، أم يتفوق عليه الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي يخوض السباق بينما تثقله عدة اتهامات جنائية؟

المشهد الانتخابي الأميركي تعقد قليلا على مدار الأسابيع القليلة الماضية، فمن جهة أصبح الرئيس السابق دونالد ترمب أول رئيس سابق يصدر ضده حكم إدانة جنائي في أواخر مايو الماضي، بعد أن وجدته هيئة محلفين مذنبا في قضية دفع أموال لشراء صمت نجمة أفلام إباحية.

على الجهة الأخرى سرى في الحزب الديمقراطي اضطرابات أواخر يونيو بعد أداء ضعيف للرئيس جو بايدن في المناظرة الرئاسية، إذ بدا كأنه يفقد التركيز ويتلعثم كثيرا، ما دفع بعض الأصوات الديمقراطية لمطالبته علنا بالتخلي عن السباق الرئاسي وترك الفرصة لمرشح آخر قادر على هزيمة ترمب.

وبعد المناظرة الفارقة في الـ 27 من يونيو، تراجع الرئيس الأميركي جو بايدن في استطلاعات الرأي، وبات الرئيس السابق دونالد ترمب يسبقه بثلاث نقاط مئوية، بحسب أحدث استطلاع لصحيفة نيويورك تايمز وكلية سيينا، وذلك مقارنة بفارق نقطة مئوية واحدة قبل المناظرة.