لا تمويل ولا مياه.. شبح العطش يطارد نازحي سوريا

يقول النعسان، الذي نزح قبل 11 عاما: "بالنسبة إلينا، المياه هي الحياة، هي كل شيء".

لكنه في واقع الأمر يعاني من أجل الوصول إلى أي مقدار من تلك السلعة العزيزة، فيتشارك مع 3 عائلات أخرى خزانا للمياه، ينتفعون منه جميعا ويقتسمون ثمنه.

ويقول النعسان: "لا يستطيع الإنسان العيش من دون مياه، ويحتاج للاستحمام من أجل تخفيف تأثير الحرارة داخل الخيم.. نواجه صعوبة كبيرة في الحصول على المياه التي لا نملك ثمنها".

تَوفّر النقود، أمر معقد تماما مثل توفر المياه، إذ أن المساعدات المتاحة باتت قليلة، وليس من اليسير أيضا الحصول على فرصة عمل.

لكن هناك أزمة أخرى حاضرة إلى جانب نقص المياه، هناك أكوام من النفايات المتراكمة، بالإضافة إلى عدم معالجة مياه الصرف الصحي، ذلك الأمر يضيف إلى مخاوف النعسان، الذي يخشى الآن من انتشار الجراثيم والأمراض، ومن ثم انهيار المنظومة الصحية المرهقة أساسا، بعد أكثر من 13 عاما من نزاع مدمر.

منذ سنوات، يعتمد قاطنو المخيمات المكتظة على مساعدات غذائية وطبية ولوجستية توفرها منظمات محلية ودولية في ظل فقر مدقع.

وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة، يفتقر 41% من المخيمات، أي 460 من بين 1100 مخيم، إلى "دعم أساسي للمياه والصرف الصحي والنظافة من الشركاء الإنسانيين".

لكن الوضع قد يُصبح أسوأ، حيث تتوقع الأمم المتحدة أن يتم قطع الخدمات عن 111 مخيما آخر بنهاية سبتمبر المقبل، ما يبرز "الحاجة الملحة إلى زيادة الدعم المالي للحفاظ على العمليات الإنسانية الأساسية في المنطقة".

وفي الربع الأول من عام 2024 "تم تلقي 2% فقط من التمويل المطلوب للاستجابة في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة".

ويقول نائب المنسق الإقليمي للأزمة السورية، ديفيد كاردن، لوكالة فرانس برس: "أوضاع المخيمات في شمال غرب سوريا يُرثى لها.. 70% منها مكتظة، وتواجه العائلات في خيم مهترئة حرارة خانقة.. تتراكم القمامة في مخيمات لا تحظى بدعم للصرف الصحي ويمرض الأطفال".

بين خيام مبعثرة وسط أرض رملية جرداء، يركن عبد الكريم عز الدين، وهو أب أربعيني لتسعة أطفال، شاحنته الصغيرة المحملة بـ3 براميل بلاستيكية ملأها بالمياه من بئر قريب، ويساعده أحد أطفاله على إفراغ الحمولة في برميل قرب الخيمة حيث يقطنون.

حمولة المياه تلك، رغم أنها تشكل بارقة أمل، إلا أنها بالكاد تكفي الأسرة ليوم واحد، إلا أن عز الدين يعتبر نفسه محظوظا، نظرا لقدرته على نقل المياه بشاحنته، وهو أمر لا يقوى كثيرون على تحمل أعبائه.

ويسأل عز الدين رغم ذلك: "هل يُعقل أن يقطعوا الماء عنا في الصيف؟ هل يريدوننا أن نموت؟".

وفي مخيم قرب قرية البردقلي في ريف إدلب الشمالي، تستقر أسماء الصالح وهي نازحة أيضا، وأم لـ5 أطفال.

تشعر صالح أنها "مكبلة اليدين" وفق وصفها، إذ لا يمكنها إيجاد مياه لإعداد الطعام أو استحمام الأطفال، فتقول: "لا أمتلك خزانا لحفظ المياه ولا قدرة لي على شراء واحد.. عندما أنقطع من المياه أتوجه سيرا على الأقدام حاملة أواني فارغة لتعبئتها من الآبار القريبة".

تحاول hgحكومة التي تتولى إدارة مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها، "إيجاد البدائل"، وفق ما يقول المسؤول في وزارة التنمية في هذه الحكومة فراس كردوش، لكنه يحذر من أن استمرار انقطاع الدعم "سيؤدي إلى ازدياد معاناة أهلنا في المخيمات وحصول كارثة إنسانية" حد وصفه.

ونبه "منسقو استجابة سوريا"، وهو ائتلاف منظمات محلية في شمال غرب سوريا، من انتشار أمراض جلدية في المخيمات بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كميات المياه المتوفرة.

وخلال زيارة ميدانية لمخيم على أطراف سرمدا، لاحظ الطبيب لدى جمعية "العطاء" المحلية فداء الحامض، المسؤول عن عيادة متنقلة، أن نسبة الإصابة بالجرب في بعض المخيمات تتجاوز 90%.

وينتج ذلك عن نقص المياه وانتشار القمامة في الشوارع وعدم وجود شبكات صرف صحي.