"بئيري".. هكذا خرجت إسرائيل من مأزقها بـ"تحقيق"

"بئيري" كان أول الكيبوتسات التي تعرضت للهجوم في السابع من أكتوبر في تمام الساعة 6:42 صباحا، أي بعد بدء الهجوم بـ12 دقيقة.

بحسب التحقيق الإسرائيلي في مجريات ذلك اليوم، فإن الفوج الأول الذي دخل "بئيري" كان مكونا من 25 مسلحا من كتيبة النصيرات التابعة لحماس وسط غزة.

ثم انضمت لهم قوات أخرى كانت في طريقها لبلدة "نيتيفوت" لكن اضطروا لتغيير مسارهم بسبب اشتباكات ودخلوا لبئيري أيضا.

التحقيق قال إن تدفق المسلحين لبئيري استمر بشكل متواصل، خاصة مع انهيار فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي وفشل وصول القوات للكيبوتس واندلاع موجة ثانية عشوائية من الهجوم ضمت جميع الفصائل المسلحة في غزة.

بذلك، تراوح عدد المسلحين الفلسطينيين في بئيري بين 80 إلى 220 ووصل عددهم الإجمالي لـ340 مسلحا، منهم نحو 100 إلى 120 من النخبة و50 إلى 70 مسلحا من حماس وحوالي 100إلى 150 عناصر من تنظيم الجهاد الإسلامي، بحسب التحقيق الإسرائيلي.

في المقابل، كان في البلدة التي يقطنها ما يقارب ألف شخص حوالي 13 إلى 26 جنديا إسرائيليا فقط على مدار 7 ساعات كاملة حتى تمكن الجيش من الوصول للمنطقة.

بالتزامن مع اجتياح بئيري، هاجم مقاتلو القسام قاعدة رعيم للجيش الإسرائيلي التي كانت مسؤولة عن تنسيق التعزيزات العسكرية.

• الفشل الأول الذي كشفه التحقيق كان عدم وجود أي تحذير من الجيش أو جهاز الشاباك للقوات المتواجدة في غلاف غزة لليقظة والتأهب لهجوم محتمل، على الرغم من تقارير أشارت لتلك الاحتمالية قبل السابع من أكتوبر.

• أما الفشل الثاني، فكان عدم وجود قوات عسكرية كافية لمنع مقاتلي النخبة من الوصول لبئيري في المقام الأول، فإسرائيل في العادة تتفاخر بوضع عدد كبير من الخطوط الدفاعية المتتالية التي "لا تقهر" بين قطاع غزة وكيبوتسات الغلاف.

• لكن ما هو أبرز من ذلك، كان فرار قائد فرقة غزة العميد "أفي رونزبيرغ" من موقعه، ما يعني أنه لم يبق أحد في مكان قريب من الكيبوتس لتنسيق حشد تعزيزات عسكرية واسعة.

رونزبيرغ تقدم باستقالته في شهر يونيو وقال إنه "فشل في مهمة حياته" وأقر بتحمله المسؤولية وترك الجيش بعد خدمة 30 عاما.

• الفشل الرابع كان تواجد عدد من قوات الحراسة المسلحة في أوقات مختلفة بعد الظهر والمساء في مكان قريب من الكيبوتس، ولكنها فشلت في دخول بيري في وقت سابق.

بعض أولئك الجنود كانوا ينتظرون وصول تعزيزات إضافية خوفا من أن يهزموا إذا دخلوا الكيبوتس وحدهم، وبعضهم قالوا إنهم رأوا أن دورهم يقتصر على إخلاء سكان بئيري بعد هزيمة حماس.

تحقيق الجيش الإسرائيلي انتقد بشدة هذه القوات وألقى عليها باللوم بسبب سلبيتها وشدد على الحاجة إلى "روح المخاطرة بحياة الفرد لمواجهة قوات العدو لحماية المدنيين".

التحقيق قال إن أول فوج من الأسرى تم نقله لغزة من "بئيري" كان في الساعة 8:00 صباحا وضم شخصين، ثم لحقهم 7 أسرى آخرين في الساعة 9:00، و12 في الساعة 10:00 دون أن يعترض طريقهم الجيش.

أول اشتباك بين الجيش الإسرائيلي والمسلحين في بئيري كان في الساعة 9:45 عندما وصلت وحدة شلداغ النخبوية للقوات الخاصة.

الجنرال إدلشتاين يقول إن جنود وحدة الشلداغ كان عددهم أقل من مسلحي حماس في تلك اللحظة الذين وصل عددهم لـ80 شخصا.

• وقتل من الشلداغ 5 جنود وأصيب حوالي 15 آخرين، وانسحبوا من المنطقة، واعتبر التقرير ذلك الانسحاب الفشل الخامس في ذلك اليوم ووصفه بـ"الخطأ الفادح".

حوالي الساعة 10:45 صباحا، حاولت قوات سيرات متكال النخبوية الخاصة الوصول لبيري للمساعدة، لكن قوات حماس نصبوا كمينا على مفترق 232 الحساس، واشتبكوا مع القوة ما أدى لتأخير وصولهم لبئيري حتى الساعة 1:30 ظهرا.

وبحلول الساعة 12:00، تم نقل 11 أسيرا إلى غزة وكان ذلك الفوج الأخير من كيبوتس "بئيري".

الجيش الإسرائيلي كان في حالة صدمة وارتباك لفترة طويلة في السابع من أكتوبر، بحسب التحقيق، وبدء بتدارك الأمر في "بئيري" نحو الساعة 11 أي بعد حوالي 4 ساعات ونصف على الهجوم، حيث قام الجيش بتوجيه قادة عسكريين لاستعادته، وكان القائد المكلف بالسيطرة على بئيري هو العميد، باراك حيرام.

في حوالي الساعة 1:00 ظهرا، تمكن الجيش الإسرائيلي من استعادة السيطرة على مفترق 232 الذي استعملته حماس ككمين للقوات طيلة اليوم، بحسب التقرير.

وفي الساعة 1:30 أي بعد 7 ساعات، أمر العميد حيرام، عددا كبيرا من القوات باقتحام "بئيري" وانضمت لهم وحدة سريات متكال الخاصة، وعدد من جنود وحدة شلداغ، ووحدة مظليين، ووحدة يمام وعدد من ضباط جهاز الشاباك الأمني.

وحاولت قوة من الشرطة الانضمام لهم، لكن وقعوا في كمين قبل وصولهم، وفر عدد منهم من المكان، وفقا للجنة التحقيق.

بحلول الساعة 2:30 بعد الظهر، وصل عدد المقاتلين الإسرائيليين في "بئيري" لنحو 230 جنديا مقابل 219 من مسلحي الفصائل في غزة، وهو ما أعطى الجيش تفوقا عسكريا في المنطقة، بالإضافة لمشاركة دبابتين في اجتياح الكيبوتس.

وفي حوالي الساعة 4:15 مساء، تضخمت قوات الجيش الإسرائيلي لتصل لـ350 مقاتلا، وفي وقت لاحق من المساء، وصلت إلى نقطة الذروة عند 730 مقاتلا.

مع ذلك، لم ينجح الجيش في استعادة "بئيري" وإفراغها من مقاتلي حماس إلا في اليوم التالي، الأحد 8 أكتوبر، ولم يستعد السيطرة بالكامل على محيطها ويعلنها منطقة خالية تماما إلا يومي 11 و12 أكتوبر.

أما العميد حيرام، فكان أبرز قرارته في ذلك اليوم هو إعطاء الأمر بقصف منزل في "بئيري" تحصن فيه عدد من مقاتلي حماس وأخذوا من فيه كرهائن وحاولوا التفاوض مع الجيش.

القوات الإسرائيلية قصفت المنزل أربع مرات على رؤوس من فيه، ولم ينجوا منهم أحد، لكن مع ذلك التحقيق لم يقم بإدانة حيرام أو أي من الجنود في ذلك الحدث.

التقرير قال إن قوات الأمن ومتطوعي منظمة زاكا لم يحافظوا على مسرح الجريمة بشكل لائق وقاموا بنقل الجثث على عجالة، ولم يتسنَ للجيش التحقق إذا كان سبب وفاة الرهائن هو قصف الدبابة أم قتلوا على يد المسلحين قبل القصف.

وبناء على ذلك، خلص التحقيق بتبرئة حيرام وقال إن تلك الحادثة كانت "غير مسبوقة" وذات ظروف فريدة، ولذلك "لم يرتكب أي من المسؤولين المعنيين، بما في ذلك حيرام، أي أخطاء".

نفس ذلك العميد باراك حيرام، يشارك حاليا في الحرب وتعرض للتوبيخ في الجيش بسبب قراره نسف جامعة الإسراء دون أي مبرر أو رجوع للقيادة، حيث تنص قوانين الجيش أن تدمير المباني العامة الرئيسية يجب أن يكون بموافقة من القيادة العليا للجيش.

لكن حيرام لم يتعرض لأي عقوبات فعلية هو أو أي من الجنود الذين اشتركوا في تلك تدمير الجامعة، وهو الآن على وشك ترقيته ليصبح قائد فرقة غزة.

التحقيق في "بئيري" فحص تكتيكات وتحركات الجيش على الأرض، لكنه لم يقم بأي تحقيق جنائي فيمن قتل 103 من الإسرائيليين في الكيبوتس وإن كان بعضهم قتلوا على يد الجيش نفسه أو في اشتباكات بين الطرفين.

كما لم يذكر التحقيق أي تفاصيل عن دور سلاح الجو في ذلك اليوم، حيث اشتركت عدد من المروحيات الإسرائيلية في قصف عشوائي للمنطقة بسبب غياب التنسيق مع القيادة المركزية.

ولم ينظر التقرير لقيام الجيش الإسرائيلي بقصف منطقة غلاف غزة بالمدفعيات وقذائف الهاون بشكل كبير لتحويلها لـ"منطقة موت" بما في ذلك مناطق محيطة بكيبوتس "بئيري"، بالإضافة لتفعيل بروتوكول هانيبال الذي يوجب على القوات الإسرائيلية قتل الخاطف والمخطوف في حال وقوع عملية أسر لشخص إسرائيلي.

صحيفة جيروزاليم بوست تقول إن طائرات المروحية قامت بقصف "عدد لا يحصى" من مقاتلي حماس والفصائل الأخرى سواء الذين تنقلوا داخل مركبات أو سيرا على الأقدام.

في بعض الحالات، كان هناك أسرى مع أولئك الأفراد، لكن لم ينظر التحقيق في عدد من قُتل من الأسرى في تلك الضربات الجوية.

لذلك، كانت نتائج تحقيق "بيئري" مخيبة لآمال الإسرائيليين ودفعهم للمطالبة بإنشاء لجنة حكومية شاملة لفحص مسؤولية الجميع بما في ذلك نتنياهو.

صحيفة معاريف قالت إن "الجيش لا يستطيع التحقيق مع نفسه فعليا"، وأنه ينبغي إجراء تحقيق شامل ينظر أيضا في مسؤولية رئيس أركان الجيش وقادة الحكومة.

وطالب الكاتب في معاريف آفي أشكينازي، وزير الدفاع بحل هيئة الأركان العامة للجيش بأكملها وتعيين هيئة أركان عامة مؤقتة من ضباط الاحتياط الذين لم يكونوا جزءا من الجيش في السنوات الخمس الماضية وبعض الضباط الشباب.

أما وزير الشتات عميشاي شيكلي، فاقترح تشكيل لجنة برلمانية لتحقيق في يوم "السبت الأسود"، وهو ما تعتبره المعارضة محاولة لطبخ تحقيق متحيز يبيض وجه التحالف الحاكم.