سياسة
.
توقف الرئيس الأميركي جو بايدن عن محاربة طواحين الهواء، والتمسك بالاستمرار في السباق الرئاسي، ليرضخ في النهاية لضغوط بعض الديمقراطيين، وينسحب رسميا، في قرار عصف بأوراق الانتخابات وبعثرها.
بايدن أعلن الانسحاب من السباق الرئاسي، مكتفيا بخطاب نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء.
وكان الرئيس الأميركي مرشحا ليقتحم السجل التاريخي للرؤساء المرضى الذين حكموا الولايات المتحدة، بداية من جورج واشنطن المؤسس، لكنه كما أعلن في خطابه اختار "مصلحة البلاد" في قراره، لينال إشادة واسعة من مؤيديه، وأعضاء الحزب الديمقراطي.
وفي وقت يواصل خلاله منافس بايدن، دونالد ترامب، حملاته الانتخابية بنشاط منقطع النظير، بعدما ظن أن الملعب بات خاليا من منافس قوي، جاء مرض بايدن وخطاب الانسحاب ليعقد الموقف.
فهل يعيد هذا القرار صراع الانتخابات لنقطة الصفر؟
واجه بايدن حملة شرسة للمطالبة بتنحيه، بدأت من الجمهور، ووصلت إلى المانحين، وتبلورت عند الحلفاء من الحزب الديمقراطي، الذين تكتلوا ضد رئيسهم وطالبوه بالانسحاب حتى لا يخسر الانتخابات أمام ترامب.
وعبر نحو 30 مشرعا ديمقراطيا عن مخاوفهم من خسارة بايدن (81 عاما) في الانتخابات لافتقاره إلى القدرة العقلية والبدنية التي تؤهله للفوز في الانتخابات والبقاء في السلطة لأربع سنوات أخرى.
ورفض بايدن مطالبات نواب الكونغرس من الديمقراطيين، الأمر الذي جعلهم يتمسكون أكثر بها، ويعلنون لوسائل إعلام أميركية مختلفة، استمرارهم في مطاردة الرئيس الحالي من أجل إزالة فكرة الترشح في الانتخابات من رأسه.
وعلق النائب الديمقراطي، لويد دوجيت، على حملة نواب الكونغرس للإطاحة ببايدن، قائلا: "بايدن لديه أولوية دائما وهي بلدنا، على عكس ترامب الذي يفضل نفسه أولا، ولذلك أتمنى أن يتخذ القرار المؤلم والصعب وينسحب".
ووجه بايدن في خطاب انسحابه الشكر إلى نائبته كامالا هاريس على شراكتها الاستثنائية معه خلال فترة العمل في ولايته الرئاسية الحالية، مؤكدا أن قراره بالانسحاب يأتي في صالح البلاد.
النقطة المحورية التي أجبرت جو بايدن على الانسحاب من الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كانت ظروفه الصحية، بسبب المرض والشيخوخة، لكن يشير التاريخ الأميركي إلى العديد من الرؤساء الذين حكموا البلاد رغم مرضهم.
ويشهد التاريخ الأميركي أيضا الكثير من حالات إخفاء مرض الرؤساء عن الشعب، وأحيانا تلاعب أولئك الرؤساء في تقاريرهم الطبية، وأشهر تلك الحالات على الإطلاق، كانت لدى الرئيس الأميركي الأسبق جون إف كينيدي.
لكن الأسرار انتهت في عام 1967، مع التعديل رقم 25 للدستور الأميركي، ووضع مادة تضمن الكشف عن أمراض رئيس الولايات المتحدة، الأمر الذي تسبب في مشكلات واضحة لأكثر من رئيس على رأسهم رونالد ريغان، الذي كان عمره 70 عاما عند انتخابه لأول مرة عام 1981.
لكن ريغان الذي يعد المثال الأبرز دائما للتشبيه بجو بايدن، بدأ يفقد الذاكرة تدريجيا في السبعينيات من عمره، وينسى أسماء وزراء حكومته، وغيرهم من مساعديه، ليصاب بمرض الزهايمر الذي اعترف به في رسالة للشعب الأميركي 1994، وكتب رسالة حزينه ذيلها بجملة "أبدأ الآن الرحلة التي ستقودني إلى غروب حياتي".
ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية ملفا خطيرا عام 2018، بعنوان "التاريخ السري لرؤساء أميركا المرضى، والأطباء الذين تستروا عليهم"، ووصف الملف تاريخ الرئاسة الأميركي أنه عبارة عن 230 عاما من الرجال المرضى.
واستقل كليفلاند سرا يختا إلى المحيط مع فريق طبي من الجراحين لإجراء عملية كانت ستصبح معقدة حتى في أفضل المستشفيات، وقاموا بإزالة 5 أسنان، والجزء العلوى الأيسر من الفم، وأجرى العملية وهو واقفا وفقا للتقرير.
ولم يعلم الشعب الأميركي وقتها بالمرض الذي أصاب الرئيس، إذ تم إخبار العامة فقط بأن كليفلاند يعاني من ألم في الأسنان، لكن بعد 25 عاما، نشر مقالا في "ستارداي إيفننج بوست"، شرح بالتفاصيل مرض كليفلاند والعملية الجراحية التي خضع لها، وسبب التستر على الأمر حتى لا تتعرض البلاد لحالة من عدم الاستقرار.
وذكرت التقارير أن غرايسون تآمر مع السيدة الأولى إديث لإدارة البلاد وقتها، بينما بقي الرئيس الأميركي طريح الفراش لأكثر من عام، بينما تنتشر الشائعات حول موت ومرض ويلسون دائما.
ديلانو كان يتنقل بكرسي متحرك، وشُخصت حالة بالإصابة بمرض "شلل الأطفال"، عام 1921 عندما كان عمره 39 عاما فقط، وكان الأمر غريبا نظرا لأن الإصابة بهذا المرض كانت تصيب الأطفال أقل من 4 أعوام فقط.
فرانكلين روزفلت زوجته عملت على إعادة تأهيله، وأخفت مرضه عن الشعب بالتعاون مع المساعدين، وأحب ديلانو الفكرة وكان يخدع الناس بالظهور واقفا مستخدما دعامات للساق واستخدام عصا، أو ذراع ابنه أو مستشاره الموثوق ليتمكن من الوقوف لالتقاط الصور.
بدأ بايدن يرتكب العديد من الأخطاء خلاله خطاباته ولقاءاته التلفزيونية في الأشهر الماضية، وبدا وكأنه يفقد الذاكرة تدريجيا، للدرجة التي تجعله لا يعرف إذا كانت كاملا هاريس نائبته هو أم نائبة دونالد ترامب.
وذكر تقرير أطباء الأعصاب في فبراير الماضي، أن جو بايدن أصبح "رجل مسن يعاني من ضعف الذاكرة"، مع التأكيد على أن الشيخوخة بدأت تسيطر عليه ما يؤثر على الأداء المتوقع منه بصورة سلبية، وفقا لتقرير "إن بي سي نيوز".
وعلق الطبيب بول نيوهاوس، القائد الأساسي السريري لمركز فاندربيلت لأبحاث مرض الزهايمر، على حالة بايدن في فبراير الماضي، قائلا: "ما يحدث مع بايدن هو الشكوى الأكثر شهرة عالمية لكل شخص تقدم في السن، سيصاب باضطرابات في الذاكرة، ويطارده النسيان دائما".
ورغم ذلك، دافع الطبيب توماس ويسنيوكسي، مدير مركز أبحاث مرض آلزهايمر في جامعة نيويورك، لانغون هيلث، عن بايدن وقت انتقاداته بسبب النسيان، مؤكدا أنه من الطبيعي أن ينسى شخص في مثل عمره المعلومات الجديدة، لكن ذلك لا يؤثر على المعلومات القديمة المخزنة في دماغه، وفي الوقت نفسه تزداد حكمته مع تقدم العمر واكتساب الخبرات.
وبرزت حالة ذاكرة بايدن المتواضعة في المناظرة الرئاسية الأولى ضد دونالد ترامب، إذ تسبب الأداء السيئ للغاية له، في حالة ذعر للديمقراطيين، لتبدأ أولى موجات الهجوم الرئيسية للمطالبة بانسحابه، وفقا لتقرير آخر نشرته "إن بي سي نيوز".
وبدلا من طمأنة الديمقراطيين على حالته الصحية وقدراته العقلية، حدث العكس في ليلة المناظرة، إذ وجد بايدن صعوبة في التحدث، وكان صوته ضعيفا، وتلعثم كثيرا وتعثر في ذكر الكلمات التي يريد أن يقولها، كما أخطأ في النطق وفقد تسلسل وتدفق الأفكار.
وبدا بايدن شبه مغيبا عن الواقع عندما قال في المناظرة: "لقد نجحنا أخيرا في التغلب على الرعاية الطبية"ن ليتدخل المشرفون على المناظرة ويعودون إلى ترامب مرة أخرى.
وتهكم ترامب على منافسه في المناظرة، واحتفل بعد نهايتها وكأنه فاز بالانتخابات، ووجه رسالة إلى الشعب الأميركي مفادها "هل شاهدتم المناظرة؟"، ومنذ ذلك الحين بدأ جدار حماية بايدن الديمقراطي ينهار تدريجيا ليجد نفسه على فراش المرض يتعرض لضغوط يومية متزايدة من أجل الانسحاب.
حاول بايدن بعد ذلك إنهاء الحديث عن المناظرة، والتركيز على أخطاء ترامب، لكن الهجوم تحول إلى داخلي من الحزب الديمقراطي، بعد أن أدرك الجميع أن فرصة الرئيس الأميركي معدومة للفوز بهذه الحالة الصحية المتراجعة أمام ترامب، ليرضخ الرئيس في النهاية ويرفع الراية البيضاء.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة