شلل الأطفال.. شبح جديد يهدد غزة

بداية الأزمة كانت في مياه الصرف الصحي، إذ قال رئيس فريق الطوارئ الصحية التابع لمنظمة الصحة العالمية في غزة والضفة الغربية، أياديل ساباربيكوف، إنه تم رصد فيروس شلل الأطفال الدائر المشتق من اللقاح من النمط 2 في عينات تلك المياه.

بالنسبة لساباربيكوف هناك خطر كبير لانتشار الفيروس في غزة، لا فقط بسبب تواجده في مياه الصرف، ولكن بسبب الوضع السيئ الذي يعانيه القطاع في ما يخص المياه والصرف الصحي، وذلك حسب ما نقلت عنه وكالة رويترز.

في أسوأ السيناريوهات، يعتقد ساباربيكوف أن الفيروس قد ينتشر على مستوى دولي.

الآن تحاول منظمة الصحة العالمية واليونيسيف إجراء تقييم للمخاطر المتعلقة باكتشاف الفيروس، مما سيسمح بإصدار توصيات صحية محددة، متعلقة بمدى الحاجة إلى حملة تطعيم جماعية، وكذلك تحديد نوع اللقاح الواجب استخدامه والفئة العمرية من السكان التي ستحتاج للقاح.

تحاول المنظمة أيضا تطبيق إجراءات توعوية أخرى، ونشر المعرفة بشأن الفيروس بين سكان القطاع، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية، إلا أن الصحة العالمية تُدرك أن تطبيق تلك "المشورة" سيكون "بالغ الصعوبة"، مع انهيار خدمات المياه والصرف الصحي.

شلل الأطفال هو مرض فيروسي شديد العدوى، ينتقل بالأساس عن طريق البراز، وقد ينتقل بصورة أقل حدة من خلال المياه أو الأطعمة الملوثة، ويمكن للمرض أن يُحدث شللا تاما في ساعات، وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية.

أعراض المرض الأولية مألوفة، كالحمى والصداع والقيء، لكنها تمتد لتصل إلى تصلب الرقبة وآلام الأطراف، وسرعان ما تقع مضاعفات للمرض، فتؤدي حالة واحدة بين كل 200 عدوى بالمرض إلى شلل عضال، يصيب الساقين في الأغلب.

إلا أن شلل الأطفال قد يسبب الموت أيضا، فما بين 5 و10% من المصابين بالمرض يموتون بسبب توقف العضلات التنفسية عن أداء وظائفها.

في مقاله المنشور على صحيفة الغارديان البريطانية، قال مدير منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن المنظمة بصدد إرسال أكثر من مليون لقاح ضد المرض إلى غزة، ليتم توزيعها على مدار الأسابيع المقبلة، لكن بالنسبة لغيبريسوس، يظل عنصر غائبا عن المعادلة، وهو وقف إطلاق النار في القطاع المحاصر.

فيقول غيبريسوس: "في غياب وقف إطلاق النار الفوري وتسريع وتيرة المساعدات الإنسانية، بما في ذلك حملة تطعيم مستهدفة، تركز على الأطفال الصغار، سوف يستمر الناس في الموت بسبب أمراض يمكن الوقاية منها وإصابات يمكن علاجها".

ورغم عدم تسجيل أي حالات إصابة بشلل الأطفال حتى الآن، يعتقد مدير منظمة الصحة العالمية أن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا حتى ينتشر المرض بين صفوف آلاف الأطفال، وذلك ما لم تُتخذ إجراءات فورية.

يرجح غيبريسوس كذلك أن الأطفال دون الخامسة معرضون للخطر، خاصة الرضع منهم دون سن الثانية الذين لم يتلقوا التطعيمات الضرورية طوال أشهر الصراع.

أكد مدير المنظمة كذلك أن الظروف في قطاع غزة، أصبحت أرضا خصبة مثالية لانتشار الأمرض، خاصة مع تدمير 70% من جميع مضخات الصرف الصحي، كما لم تعد أي محطة معالجة صرف تعمل.

إسرائيل بدأت تأخذ حذرها بشكل مبكر، فخلال الأسبوع الماضي، أعلنت بدء توفير لقاح شلل الأطفال للجنود الذين يخدمون في قطاع غزة.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه يعمل مع منظمات مختلفة لتوفير اللقاحات للقطاع، مؤكدا على إنه أوصل 300 ألف لقاح للقطاع المحاصر منذ بداية الحرب.

لكن بعض الأصوات في إسرائيل ذاتها لا تعتقد أن ذلك كافيا، ففي مقال نُشر على صفحات هآرتس الإسرائيلية، طالب مجموعة من علماء الأوبة والمتخصصين، بوقف لإطلاق النار في القطاع، وذلك للتمكن من منع انتشار الفيروس.

وأقر المقال بأن الظروف في غزة ومن بينها النزوح وعدم إمكانية الوصول للمياه النظيفة بشكل كافي، أو الوصول لأدوات النظافة والصرف الصحي وكذلك الملاجئ المكتظة، ساهمت جميعها في انتشار الأمراض المعدية والتي يمكن الوقاية منها باللقاحات.

وجاء في المقال: "هؤلاء الأكثر عرضة للخطر، هم أطفال غزة وأطفال إسرائيل، الذين لم يُكملوا لقاحاتهم المطلوبة، نتيجة لتعطل الخدمات الصحية أو للعمر الصغير. هؤلاء ليسوا مدانين بأي جريمة غير ميلادهم في ظروف خطيرة".

ورجح المقال أن مواجهة الأزمة الآن، تتطلب وصول الوكالات الدولية للأطفال، والبالغين الذين يعانون من ضعف المناعة، إلا أن ظروف الحرب تجعل تلك المهمة شاقة وشبه مستحيلة.

وأضاف المقال: "نحن بحاجة لوقف إطلاق النار، ليس فقط من أجل تحرير رهائننا، ولكن من أجل إطلاق حملة تطعيم واسعة للجنود ومن هم على اتصال بهم، والسكان المدنيين في غزة".