ربيع ديني جديد؟.. التشدد يخترق صفوف شباب فرنسا
كشف تقرير لصحيفة
لوموند، نقلا عن دراسة موسعة أجراها المعهد الفرنسي للرأي العام، Ifop، وجود تحوّل اجتماعي لافت داخل شريحة واسعة من الشباب المسلمين في فرنسا، كشفته بوضوح البيانات التفصيلية التي قدّمها الاستطلاع.
ويُظهر التقرير اتجاها متسارعا نحو التشدد الديني والهوية الدينية الصلبة داخل الفئة العمرية بين 15 و24 عاما، في ظاهرة لا تبدو معزولة عن سياقات أوسع تتعلق بتغيّر الممارسات الدينية، وإعادة تشكيل علاقة هؤلاء الشباب بالقيم الجمهورية والفضاء العام.
وتكشف الأرقام الواردة في التقرير عن تحوّل "جيل كامل" في اتجاه ممارسات أكثر صرامة، تتصل بالعبادة والسلوك الاجتماعي والنظرة إلى الدولة والقانون، ما يضع الجمهورية الفرنسية أمام سؤال جدي يتعلق بمستقبل الانسجام الاجتماعي والتعايش الداخلي.
صعود الجيل الديني الجديد.. مؤشرات متسارعة على عودة التشدد
توضح بيانات Ifop أن الشباب المسلمين في فرنسا يسيرون في مسار تصاعدي من "إعادة الأسلمة" مقارنة بالأجيال السابقة. فقد تضاعفت معدلات الممارسات الدينية خلال العقود الثلاثة الماضية بشكل لافت:
- ارتفعت نسبة المواظبين على ارتياد المسجد بين من هم دون 25 عاماً من 7٪ عام 1989 إلى 40٪ عام 2025.
- ارتفع الالتزام بصيام رمضان من 51٪ إلى 83٪ للفئة نفسها.
- تضاعف ارتداء الحجاب لدى الفتيات من 16٪ عام 2003 إلى 45٪ عام 2025.
ويشير مدير الدراسات السياسية في Ifop، فرانسوا كراوس، إلى أنّ الشباب المسلمين اليوم يُظهرون بدرجة غير مسبوقة "تشبثا بالهوية الدينية" يتجلى في ثلاثة محاور رئيسية: تكثيف الممارسات الدينية، تشدد في العلاقات بين الجنسين، وارتفاع القبول بالأفكار ذات الطابع الإسلامي السياسي.
ويرى كراوس أنّ هذه المؤشرات لا تنحسر مع الزمن، بل تميل إلى التوسع مع تجدد الأجيال.
التحول نحو المرجعية الدينية على حساب القيم الجمهورية
واحدة من أكثر النتائج إثارة للقلق في الوسط الفرنسي، بحسب التقرير، هي تزايد الاعتقاد بأن الشريعة يجب أن تعلو على القانون الفرنسي. وتشير الأرقام إلى أن:
- 57٪ من المسلمين بين 15 و24 عاما يرون أنّ قوانين الجمهورية أقل أهمية من القواعد الدينية.
- بينما كان 62٪ من المسلمين في 1995 يفضلون القوانين الجمهورية، لم يعد هؤلاء اليوم سوى 49٪ من مجموع المسلمين.
- 82٪ من الشباب المسلمين يعتقدون أن الدين يجب أن يتقدم على العلم في تفسير أصل العالم، مقارنة بـ19٪ فقط من عموم المجتمع الفرنسي.
ويسجل التقرير أيضا انفجارا في ظاهرة رفض الاختلاط، إذ يرفض 57٪ من الشابات دون 35 عاما أشكالا مختلفة من التواصل مع الجنس الآخر، مثل المصافحة، العلاج الطبي المختلط، المسابح المختلطة. يرفض نصف الشباب دون 25 عام حتى "تقبيل التحية" مع الجنس الآخر.
هذه المؤشرات، بحسب التقرير، تعكس فجوة ثقافية متنامية بين جيل مسلم شاب يسعى لترسيخ هويته في مواجهة "مجتمع يعتبره عدائيا"، وهو ما يسهم في تصاعد الانغلاق وازدياد التوتر حول قيم العلمانية.
صعود التعاطف مع الحركات الإسلاموية
بحسب الدراسة، فإنّ 38٪ من المسلمين في فرنسا يبدون تعاطفا كاملا أو جزئيا مع التيارات الإسلاموية، مقارنة بـ19٪ فقط عام 1998. أما الشباب دون 25 عاما، فالنسبة بينهم تبلغ 42٪، بعد أن كانت 29٪ فقط في 1998.
ويتوزع التعاطف مع التيارات الإسلامية على الشكل التالي:
- الإخوان المسلمون: 25٪ لدى عموم المسلمين، و33٪ لدى الشباب.
- السلفية بأنواعها: 17٪
- التبليغ: 8٪.
- التكفير: 8٪.
- الجهادية: 3٪، مع 52٪ رفض صريح لها.
ويؤكد التقرير أن الإخوان يُمثلون التيار الأكثر انتشارا، لكونهم كما يقول التقرير، ينجحون في الاندماج داخل المجتمعات الغربية عبر تطوير شبكات تعليمية ودعوية فعالة، بينها مدارس ومعاهد لتكوين الأئمة.
كما يشير التقرير إلى أن موجة التشدد هذه لم تفقد زخمها رغم جهود المؤسسات الإسلامية الرسمية في فرنسا، التي لم تعد قادرة على التأثير في الأجيال الشابة كما في السابق.
جيل يعتبر فرنسا "مجتمعا معاديا"
يُبرز التقرير أن معظم الشباب المسلمين يشاركون شعورا بأن المجتمع الفرنسي "معاد لهم"، وهو ما يعزز الانغلاق داخل الهوية الدينية.
ويربط التقرير هذا التحول بتداعيات مرحلة داعش، وما خلقته من صدمات سياسية واجتماعية في فرنسا. لكن الدراسة تشير أيضا إلى أن الظاهرة لا تقتصر على المسلمين، إذ تشهد الديانات الأخرى بدورها "عودة دينية" لدى الشباب، وإن كانت ظاهرة الإسلام أكثر بروزا، حيث يعرّف 80٪ من المسلمين أنفسهم بأنهم "متدينون"، مقابل 48٪ فقط لدى بقية الأديان.
وتخلص الدراسة إلى أنّ "الرغبة في الإصلاح الديني" بين الشباب تراجعت من 41٪ عام 1998 إلى 12٪ فقط في 2025، ما يجعل احتمالات التحديث الديني أقل، ويفتح الباب أمام استمرار التشدد الديني لأمد قد يكون طويلا.