شاركت بـ"حصار المركزي".. "ردع طرابلس" ترهب العاصمة الليبية

بلحية كثة وثوب يقود عبدالرؤوف كارة أقوى الفصائل المسلحة في طرابلس، يعرف بين أنصاره بالمحافِظ على أمن العاصمة، وبين خصومه، بصاحب الميليشيا التي تسيطر على العاصمة.

يبلغ كارة من العمر 44 عاما، وكان هذا سبب اعتقاله إبان عهد الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، قبل أن يخرج في أعقاب الحرب الأهلية عام 2011.

التحق كارة بمجلس طرابلس العسكري عندما كان يقوده عبد الحكيم بلحاج زعيم "الجماعة الليبية المقاتلة" القريبة من القاعدة، قبل أن ينشق عنه ويشكل كتيبة المواصي، نواة قوات الردع الخاصة.

ويسيطر كاره على أجزاء واسعة من العاصمة أهمها سوق الجمعة، كما يتخذ من مطار معيتيقة مقرا له، وهناك سجن سري يحتجز فيه الآلاف وفق منظمات حقوقية دولية.

قوام قوات ميليشيا الردع نحو 5 آلاف عنصر، تم تجهيزهم بأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، ويتبعون كارة شخصيا، ولا يتلقون أوامر من أي جهة حكومية في الغرب.

يقول معتصم، وهو اسم مستعار لصحافي ليبي رفض الكشف عن هويته، إن كارة يمتلك شبكة علاقات داخلية وخارجية واسعة، واعتمد طوال الفترة الماضية على التناقضات، فتارة يصطف مع جهة، ومرة ينقلب عليها وفق ما تمليه عليه المصلحة، ولا دليل على ذلك مثل علاقته بقوات فجر ليبيا، ورجل الدين الصادق الغرياني الذي انقلب عليه بعد علاقة طويلة طبعها الود.

توسعت سيطرة كاره شيئا فشيئا، من سوق الجمعة مركزه الأساس، إلى مناطق عدة تضم مؤسسات حساسة، كمصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط ومبنى الإذاعة والتلفزيون بزاوية الدهماني ووزارة الخارجية وجامعة طرابلس.

يضيف الصحافي، أن كارة مرتبط بأجهزة استخبارات عبر استخدامه ورقة أعضاء الجماعات الإرهابية الذين يعتقلهم، في المساومة السياسية، هذا فضلا عن تمكنه من استئصال مجموعات أخرى كانت تسبب قلقا دوليا مثل "كتيبة التوحيد" التابعة لتنظيم داعش، والتي قتل زعيمها مراد القماطي.

"لا يمكن بحال من الأحوال انتقاد كارة علانية"، بحسب معتصم، فالعقوبة قد تكون قاسية، كالإخفاء القسري في معيتيقة، وذلك كابوس يطارد أصحاب الرأي في طرابلس، خصوصا غير المنتمين لفصيل مسلح.

ويختم المعتصم، متحدثا عن شخص يدعى "سراج" ويعتبر بمثابة "ظلّ كارة"، الذي ينسق علاقته بالاستخبارات التركية وغيرها، ويدير صفقات السلاح المورد إلى ليبيا.

تكثر القصص عن هذا السجن السري وما تدور فيه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث يقبع داخل قطاعاته الـ15، نحو 4 آلاف سجين، بينهم نساء وأطفال.

مصطفى مصباح، كان أحد المعتقلين في السجن سيئ السمعة يروي لبلينكس ما عاناه داخل "الجحيم" بحسب وصفه.

اعتقل مصباح من بيته مطلع 2023، بتهمة ترويج المخدرات، التي ينفيها ويؤكد أنها ملفقة بسبب موقفه من الفوضى في العاصمة، أتم مصباح قرابة 9 أشهر في السجن لم يعرض خلالها على أي قاض ولم يخضع سوى لجلستي تحقيق تخللتهما عمليات تعذيب بالضرب والصعق بالكهرباء والإيهام بالغرق.

يقول مصباح: "كان مسؤول السجن أسامة إنجيم، يشرف على التعذيب ويتحكم بمصير الآلاف داخل معيتيقة، حتى أنه في بعض الأحيان يتسلى بإهانة السجناء".

خرج مصباح بعد وساطة مع "أيوب امبيرش" أحد قادة قوات الردع، مع رسالة تهديد واضحة مفادها: "المرة الأخرى بتكون الأخيرة ومانقبلش الواسطات".

قصة مصباح واحدة من مئات، يخشى ضحاياها الحديث عنها، إلا أن منظمات حقوقية دولية طالبت بفتح ملف سجون طرابلس.

ومنتصف العام 2022 حذرت الأمم المتحدة من انتشار انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا، حيث كشف الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش وجود أكثر من 12 ألف معتقل رسميا، في 27 سجنا ومنشأة داخل البلاد.

وأكد غوتيريش، أن هناك "آلاف المحتجزين بشكل غير قانوني تحت ظروف غير إنسانية" داخل منشآت تسيطر عليها جماعات مسلحة، أبرزها سجن معيتيقة الأكثر رعبا.

عناصر حماس الذين كانوا معتقلين في ليبيا، وأفرج عنهم أواخر العام الماضي، كانوا يقبعون في سجون تتبع لقوة الردع الخاصة، حيث أطلق سراحهم بعد تهديد باقتحام السجن من قبل فصائل مسلحة منافسة من مدينة مصراتة.

ونقل المفرج عنهم إلى مدينة إسطنبول التركية بعد اعتقال 9 سنوات بتهمة تهريب السلاح إلى قطاع غزة.