هكذا تستعدّ أوروبا لحرب يقلل بوتين من شأنها
تسارع دول أوروبية عدّة إلى تعزيز قدراتها العسكرية، من خلال مضاعفة ميزانيات الدفاع، وتوسيع التجنيد، وتحسين الجاهزية اللوجستية تحسباً لصراع مباشر مع روسيا، إذ تُشيِّد الخنادق، وتبني الملاجئ، وتنشر أنظمة الدفاع الجوي على الحدود الشرقية، خاصة في دول البلطيق، فنلندا، والنرويج، بحسب ما كشفه تقرير نشرته صحيفة
فايننشال تايمز.
وفي خضم الجو المشحون بنوع من الخوف والقلق، وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هذه الاستعدادات بـ"العبثية"، قائلاً الشهر الماضي إن الحديث عن تنامي التهديد الروسي "مجرد هراء"، وإنّ تصاعد الإنفاق العسكري الأوروبي "غير عقلاني ولا طائل منه".
لكنّ التقرير أشار إلى أن هذه التحركات تعكس خشية أوروبية من أن موسكو قد تعتبر نفسها منتصرة إذا فُرض على أوكرانيا "سلام سيّئ" من قبل الولايات المتحدة، ما قد يمنح روسيا شعوراً بالتفوق ويزيد من جرأتها للتوسع نحو دول أخرى.

هكذا تستعدّ أوروبا للحرب (أ.ب)
ووفقاً لكريستي رايك، مديرة "المركز الدولي للدفاع والأمن" في إستونيا: "إذا شعرت روسيا أنها خرجت منتصرة، فإن التهديد لأمننا سيتضاعف، ويصبح احتمال المواجهة أكثر واقعية"، حسب ما ذكرت فايننشال تايمز.
هل ستتخلى أميركا عن الناتو؟
تزايدت المخاوف الأوروبية من تراجع الالتزام الأميركي بالحلف الأطلسي، خاصة في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي لمح خلال رحلته إلى قمة الحلف بهولندا إلى أن المادّة الخامسة، التي تنصّ على الدفاع المشترك، "قابلة للتفسير"، وفقا لوكالة
رويترز.
وقال الأمين العام السابق للحلف أندرس فوغ راسموسن إن مثل هذا التشكيك "يشجّع بوتين على اختبار صلابة الناتو، ويمنحه شهية لأراضٍ جديدة".
وتُعبّر دول البلطيق عن قلق متزايد ليس فقط من موسكو بل أيضاً من سلوك ترامب، حسب فايننشال تايمز. فقد اعتُبر لقاؤه المُهين للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في البيت الأبيض في فبراير "نقطة تحوّل" في مزاج المنطقة.
وقالت رايك: "لم نعد قادرين على الاعتماد على أميركا. هناك حالة قلق عامة".
أما الرئيس الليتواني ناوسيدا فأكّد الحاجة إلى خطط دفاع بديلة، بينما وصف مسؤول أوروبي كبير الوضع بحدة قائلاً: "الأميركيون يرحلون، وعلينا أن نستيقظ ونتصرف".
بينما تنشغل موسكو في توسّعها داخل أوكرانيا، تشير فايننشال تايمز إلى تزايد التوقعات بأن بوتين قد يحوّل أنظاره لاحقاً نحو الجبهة الشرقية لحلف الناتو. ومن بين المؤشرات على ذلك تهيئة اقتصاد روسيا لحرب أطول، وطموحات بوتين الإمبراطورية.
وقد حذّر الأمين العام للناتو، مارك روته، في يونيو في
خطاب ألقاه بتشاتام هاوس بلندن من أن روسيا قد تكون جاهزة لاستخدام القوة ضد الحلف خلال خمس سنوات، قائلاً: "دعونا لا نخدع أنفسنا، كلّنا على الجبهة الشرقية الآن".
وتشير صور الأقمار الصناعية التي رصدتها صحيفة فايننشال تايمز إلى نشاط متزايد في قواعد روسية قريبة من حدود الناتو، مثل مطارات ليفاشوفو وكامينكا وأولينيا. كما جرى إنشاء منشآت جديدة قرب الحدود الفنلندية، وتجهيز مدارج جديدة قرب النرويج. ووفقا لرايك، فإن هدف روسيا "ليس الاستيلاء على بضعة كيلومترات في البلطيق، بل كسر حلف الناتو بالكامل".
وتُعدّ تجربة أوروبا الشرقية مع التوسع الروسي خلفية دافعة لهذا القلق، لاسيما تجربة فنلندا التي تشارك روسيا حدودا بطول 1,340 كلم. في حرب الشتاء عام 1940، تنازلت فنلندا عن أجزاء من مقاطعتي كاريليا وسالا ومنطقة كوسامو لصالح الاتحاد السوفيتي، إضافة إلى جزر في خليج فنلندا. وقد بلغت المساحة الإجمالية نحو 40 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل 3 أضعاف المساحات التي استولى عليها الاتحاد السوفيتي خلال الحرب نفسها، وفقا لـ
Radio Free Europe.
السباق الأوروبي نحو التسلح
تحت ضغط الخطر الروسي المتزايد والقلق من دعم أميركي متقلب، بدأت دول أوروبية عدة، خاصة في الشرق، بتعزيز قدراتها العسكرية. فيما يلي، بعض التجهيزات التي نقلها تقرير فايننشال تايمز:
- توسيع عدد الفرق العسكرية من فرقة واحدة إلى 3 بحلول 2032
- تعزيز القوات في منطقة "فينمارك" الحدودية بأنظمة دفاع جوي وقوات ردّ سريع
- إنشاء لواء مشاة ثقيل جديد في شمال البلاد
- الإبقاء على التجنيد الإجباري والاحتفاظ بـ900 ألف عنصر احتياطي من أصل 5.6 ملايين نسمة
- تخزين غذائي ووقود يكفي لـ6 إلى 9 أشهر، وملاجئ نووية لـ4.4 ملايين شخص
- إنشاء أنظمة صواريخ بعيدة المدى في البر والبحر والجو
دول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا)
- تعزيز "خط الدفاع البلطيقي" من خنادق وأسلاك شائكة وعوائق دبابات
- ليتوانيا تخطط لقوة وطنية من 17,500 جندي بحلول 2030
- إعادت لاتفيا العمل بالتجنيد الإجباري
- خطط لإجلاء جماعي مشترك بين الدول الثلاث في حال الحرب
- الأعلى إنفاقاً عسكرياً نسبةً للناتج المحلي في الناتو
- خطة لرفع عدد الجنود إلى 500 ألف وتدريب الرجال البالغين عسكرياً
- بناء حاجز فولاذي بطول 186 كلم على الحدود مع بيلاروسيا
- مشروع "الدرع الشرقي" يتضمن أنظمة دفاع جوي وحواجز مضادة للدبابات
- شراء صواريخ طويلة المدى قادرة على استهداف عمق روسيا
- التخلي عن معاهدة حظر الألغام الأرضية
في ظلّ هذه التحركات المتسارعة، لا يبدو أن أوروبا تراهن على التهدئة، بل تستعد للأسوأ، مدفوعةً بخوف من زحف روسي محتمل، وشكّ متزايد في مظلّة الحماية الأميركية.