في عالم يشهد تطورا مذهلا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، يزداد القلق حول مستقبل الوظائف ودور البشر في سوق العمل. هل نحن على أعتاب عصر جديد يتفوق فيه الذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية، أم أن الأمر لا يزال بعيدا؟
بينما تعمل الشركات التكنولوجية الكبرى على تطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وهو الذكاء القادر على التفكير والتعلم مثل البشر أو حتى تجاوزهم، تظهر تساؤلات جوهرية حول ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى استبدال البشر بالآلات في وظائفهم اليومية، أو ما إذا كان العالم مستعدا أخلاقيا وتنظيميا لمثل هذا التطور الجذري.
رئيس Google DeepMind يتوقع أن الذكاء الاصطناعي العام قد يصبح حقيقة في غضون 5 إلى 10 سنوات، بينما يرى خبراء آخرون أن الأمر قد يستغرق أكثر من عقد، في حين يعتقد بعض المتفائلين أننا قد نشهد ظهور أولى بوادره في العام المقبل.
ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات تقنية وأخلاقية تعوق تحقيق هذا الحلم، أبرزها عدم قدرة الأنظمة الحالية على فهم السياق الحقيقي والتعامل مع مواقف غير مسبوقة، فضلا عن المخاطر الاجتماعية التي قد تترتب على ذلك، مثل التفاوتات الاقتصادية وفقدان الوظائف البشرية.
فهل نحن مستعدون لهذا التحول؟ وما العقبات التي يجب تجاوزها قبل أن يصبح الذكاء الاصطناعي قادرا على التفكير مثل البشر؟
اعرف أكثر
وفقا لديميس هسابيس، الرئيس التنفيذي لشركة Google DeepMind، فإن الذكاء الاصطناعي العام قد يظهر في غضون5 إلى 10 سنوات، مؤكدا أن الأنظمة الحالية لا تزال محدودة في قدراتها، لكنها ستشهد تطورا ملحوظا خلال العقد المقبل، حسب ما ورد في تقرير لسي إن بي سي.
لكن هناك آراء متباينة بين قادة الصناعة حول الجدول الزمني المحتمل لتحقيق AGI.
روبن لي، الرئيس التنفيذي لشركة بايدو الصينية، يرى أن AGI لا يزال على بعد أكثر من 10 سنوات، في تناقض مع بعض التقديرات الأكثر تفاؤلا، حسب سي إن بي سي.
في المقابل، يعتقد داريو أمودي، الرئيس التنفيذي لشركة Anthropic، أن نوعا من الذكاء الاصطناعي العام AGI قد يظهر خلال عامين إلى ثلاثة فقط، فيما يرى جيتو باتيل، مدير المنتجات في Cisco، أن الدلائل الأولى على ظهور AGI ستبدأ بالظهور في عام 2025.
رغم التقدم الذي أحرزته تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا تزال هناك عقبات جوهرية تعوق تحقيق الذكاء الاصطناعي العام.
أحد التحديات الرئيسية، وفقا لهسابيس، هو جعل الذكاء الاصطناعي قادرا على فهم السياق الحقيقي والتكيف مع مواقف غير مسبوقة، وهو أمر لم يتحقق بعد، حسب سي إن بي سي.
التحديات التقنية الأخرى تشمل صعوبة تعميم السلوكيات الذكية والتخطيط ونقلها إلى العالم الحقيقي، حيث تعمل الأنظمة الحالية بكفاءة في بيئات محددة مثل ألعاب الذكاء الاستراتيجي، ولكنها تواجه صعوبة عند نقل هذه القدرات إلى سيناريوهات معقدة في الواقع.
في السياق ذاته، يشير تقرير مجلة ناتشر إلى أن تطوير الذكاء الاصطناعي العام يتطلب نماذج مستوحاة من الدماغ لتحسين قدرته على التعلم، التكيف، واتخاذ القرارات.
كما أن تحديات الاستهلاك المرتفع للطاقة، صعوبة نقل المعرفة بين المجالات المختلفة، والحاجة إلى خوارزميات أكثر كفاءة تبقى من أبرز العوائق أمام تحقيق AGI.
إلى جانب العقبات التقنية، يثير تطوير الذكاء الاصطناعي العام تساؤلات أخلاقية ومخاوف اجتماعية.
تقرير مجلة ناتشر يحذر من تأثير AGI على التوظيف والعدالة الاجتماعية، حيث يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوظائف البشرية على نطاق واسع بسبب الأتمتة الذكية، مما يتطلب حلولا تنظيمية لحماية القوى العاملة، حسب ناتشر.
من الناحية الأخلاقية، يشير التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي العام يطرح قضايا المساءلة والتحيز والعدالة، إذ لا تزال هناك مخاوف بشأن كيفية اتخاذ هذه الأنظمة للقرارات، وما إذا كانت ستتمكن من احترام القيم الإنسانية أو ستؤدي إلى انحرافات غير متوقعة.
لذلك، يشدد التقرير على الحاجة إلى إطار تنظيمي وأخلاقي قوي يضمن تطوير واستخدام AGI بطريقة مسؤولة، بحيث يتم تقليل المخاطر المحتملة وتعزيز الفوائد الاجتماعية.
إحدى الحلول المطروحة لتطوير الذكاء الاصطناعي العام هي الاستفادة من الأنظمة العصبية البشرية، حيث يشير تقرير مجلة ناتشر إلى أن محاكاة الدماغ البشري قد تساعد في تحسين كفاءة التعلم والتكيف لدى الذكاء الاصطناعي، مما يجعله أكثر قدرة على معالجة المهام المعقدة.
من أبرز الابتكارات في هذا المجال تطوير رقائق عصبية هجينة مثل "Tianjic"، التي تجمع بين الشبكات العصبية الاصطناعية والنماذج البيولوجية لتحسين الأداء في البيئات المتغيرة.
وبحسب التقرير، فإن دمج الخوارزميات الذكية مع النماذج الإدراكية البشرية قد يكون أحد المفاتيح الرئيسية لنجاح AGI، حيث يمكن لهذه الأنظمة أن تتعلم بطريقة أكثر مرونة وتكيفا مع السياقات المختلفة، مما يساعد على تجاوز بعض التحديات التقنية الحالية.
ما زال العالم ينتظر لحظة الإعلان عن الذكاء الاصطناعي العام الحقيقي، ولكن حتى ذلك الحين، يظل التطوير التكنولوجي والتنظيم الأخلاقي من العناصر الحاسمة التي ستحدد مستقبل الذكاء الاصطناعي العام.