بدأ بعض مسؤولي البنوك المركزية والرقابة المالية في أوروبا يتساءلون عما إذا كان لا يزال بإمكانهم الاعتماد على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للحصول على التمويل بالدولار في أوقات الأزمات، وفقا لما نقلته وكالة رويترز عن 6 مصادر مطلعة.
تتزامن هذه التساؤلات مع توجهات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "الذي يحاول قلب النظام المالي العالمي رأسا على عقب، النظام الذي يقول إنه يعمل ضد مصالح الولايات المتحدة"، بحسب ما أوردته بوليتيكو.
ورغم أن بعض المسؤولين الأوروبيين يرون أن العلاقة مع الفيدرالي لم تتغير، إلا أن المناقشات غير الرسمية تعكس حالة من القلق بشأن مستقبل التعاون المالي بين الجانبين، واحتمالات البحث عن بدائل لم تكن مطروحة من قبل.
وفي هذه الأجواء، دعت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، قادة الاتحاد الأوروبي إلى "عدم إضاعة الوقت"، مؤكدة أن أوروبا تملك فرصة لجذب رؤوس الأموال الباحثة عن بدائل للنظام المالي الأميركي، وفقا لبوليتيكو.
فهل تهدد سياسات ترامب المالية هيمنة الدولار؟ وهل تملك أوروبا فعلا الأدوات اللازمة لبناء بدائل استراتيجية؟
اعرف أكثر
قال 6 أشخاص مطلعين لرويترز إن بعض مسؤولي البنوك المركزية والرقابة المالية في أوروبا بدأوا يتساءلون عما إذا كان لا يزال بإمكانهم الاعتماد على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لتوفير التمويل بالدولار في أوقات الاضطرابات السوقية، ما يثير بعض الشكوك حول ركيزة أساسية من ركائز الاستقرار المالي العالمي.
ورغم أنهم يعتبرون من غير المرجح أن يتخلى الفيدرالي عن التزامه بخطوط التمويل الطارئة، فإنهم أجروا مناقشات غير رسمية حول هذا الاحتمال، بسبب اهتزاز ثقتهم بالحكومة الأميركية نتيجة بعض سياسات إدارة ترامب، وفقا لرويترز.
وقد أقدم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على تغيير جذري في السياسة الأميركية التقليدية، مثل إظهار دعم لموقف روسيا بشأن أوكرانيا وفرض رسوم جمركية على حلفاء الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلات في أوروبا بشأن مدى التزام واشنطن بالتحالفات التاريخية، بحسب رويترز.
وذكر مصدران للوكالة أن بعض المسؤولين ناقشوا سيناريوهات قد تضغط فيها الحكومة الأميركية على الفيدرالي لتعليق خطوط التمويل بالدولار. كما بدأ بعضهم بدراسة إمكانية إيجاد بدائل لهذا الاعتماد.
خلصت نقاشات كبار مسؤولي البنك المركزي الأوروبي وهيئات الرقابة المالية في الاتحاد الأوروبي، بحسب ما أوردته رويترز، إلى أنه "لا بديل فعّال" عن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
ويُذكر أن الفيدرالي قد قدم عشرات المليارات من الدولارات للبنك المركزي السويسري عام 2023، مما ساعد مصرف كريدي سويس على تلبية الطلبات النقدية وتفادي انهيار مالي محتمل، بحسب رويترز.
وفي المقابل، لا تزال أوروبا تواجه تحديات بنيوية كبيرة تحول دون توفير بدائل، حيث أظهرت دراسة حديثة للبنك المركزي الأوروبي أن نحو 17% من تمويل بنوك منطقة اليورو يتم بالدولار، ما يجعل استمرار الوصول إلى خطوط التمويل من الفيدرالي أمرا بالغ الأهمية، وفقا لرويترز.
وفي ظل الفوضى الاقتصادية التي تخلقها إدارة ترامب، رأت أوروبا فرصة لتعزيز مصالحها المالية الخاصة، بحسب بوليتيكو.
خلال قمة أوروبية، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، لزعماء الاتحاد إن سوقا مالية أوروبية موحدة يمكن أن تجتذب المستثمرين الباحثين عن بدائل للنظام المالي الأميركي، وفقا لما نقله دبلوماسي ومسؤول في الاتحاد الأوروبي لبوليتيكو.
ووجهت لاغارد رسالة واضحة لرؤساء الحكومات: "لا تضيّعوا الوقت، الآن هو وقت التحرك"، مشيرة إلى أن حلم صانعي السياسات منذ إنشاء اليورو كان تقليص هيمنة الدولار الأميركي، بحسب بوليتيكو.
بحسب بوليتيكو، يستخدم الدولار في نحو 90٪ من المعاملات العالمية، ويظل المعيار الذي تُقاس عليه العملات الأخرى. ووفقا لتقرير البنك المركزي الأوروبي لعام 2024، فإن نحو 60٪ من السندات الأجنبية تصدر بالدولار، في حين تبلغ حصة اليورو 20٪، وهي نسبة ظلت ثابتة تقريبا منذ عشر سنوات.
لكن في المقابل، تعاني أوروبا من غياب سوق سندات موحدة. فإصدار الديون المشتركة لا يزال متقطعا، ورغم بلوغ إجمالي هذه الديون 578 مليار يورو بنهاية عام 2024، وفقا لوثيقة داخلية للمفوضية الأوروبية، إلا أنها تبقى صغيرة حتى مقارنة بالديون الوطنية لدول الاتحاد، بحسب بوليتيكو.
وقال كارستن بريزسكي، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في ING، لبوليتيكو" لجعل اليورو بديلا أكثر جاذبية للدولار، تحتاج أوروبا إلى أصول آمنة وواضحة. والدين الأوروبي المشترك هو أحد تلك البدائل، لكنه سيظل أقل بكثير حجما من الدين الأميركي".
في السياق ذاته، قال دافيدي أونيغليا، مدير الاقتصاد الكلي الأوروبي والعالمي في TS Lombard لبوليتيكو، إن محاولة تخفيض قيمة الدولار طوعا من قِبل الولايات المتحدة قد تمثّل فرصة لليورو، لكنه شدد على أن السير في هذا الطريق يتطلب قرارات سياسية عميقة من الدول الأعضاء.
رغم التحركات الأوروبية والدعوات إلى تسريع التكامل المالي، يتفق المحللون الذين تحدثت إليهم بوليتيكو على أن الحديث عن استبدال الدولار لا يزال سابقا لأوانه. وقال كارستن بريزسكي، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في بنك ING "على مدى العقود الماضية، أُعلن مرات عدة عن نهاية هيمنة الدولار، لكنها لم تحدث قط".
وأضاف ماركو بابيتش، كبير الاستراتيجيين في شركة BCA Research أنه "من غير المرجّح أن يحل اليورو محل الدولار كعملة احتياطية عالمية بشكل كامل. أوروبا قد تعيد تسليح نفسها بحماسة، لكن قدرتها على إسقاط نفوذ عالمي ما تزال أقلّ من الولايات المتحدة، وكل عملة احتياطية تاريخيا كانت مدعومة بهيمنة عسكرية عالمية".
ووصفت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، ما يُعرف بـ"اتفاق مارالاغو"، وهو مقترح لإعادة تنظيم النظام المالي العالمي عبر تخفيض طوعي لقيمة الدولار بالتعاون مع الحلفاء، بأنه "ترتيب غامض ومضارب يفتقر إلى المضمون"، كما ورد في بوليتيكو. لكنها حذّرت أيضا من أن على أوروبا أن "تكون مستعدة لأي شيء".