مع اقتراب انطلاق اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي في واشنطن، خلال الأسبوع الممتد من 21 إلى 26 أبريل، اطلعت بلينكس على الفصل الثاني من تقرير المنظمة الدولية، والذي يُعرض تقليديًا خلال فعاليات المؤتمر.
هذا الفصل، الذي يأتي تحت عنوان "اقتصاد الفضة: الشيخوخة، الإنتاجية، وانعكاساتها المالية"، يكشف عن ملامح تحوّل ديموغرافي واسع يُعيد تشكيل سوق العمل، ويهدد التوازنات المالية والاجتماعية حول العالم.
ففي وقت تثير معدلات الشيخوخة قلقا متصاعدا في كبرى الاقتصادات، ويُسجّل تراجعات غير مسبوقة في معدلات الخصوبة، تطرح البيانات مشهدا مزدوجا: ضغوط مالية متزايدة، ولكن أيضاً فرصاً غير مستغلّة، خاصة إذا ما تمكّنت الحكومات من مواكبة هذه الموجة عبر سياسات ذكية.
ومن اللافت أن التقرير يولي أهمية خاصة لتقاطع الشيخوخة مع الذكاء الاصطناعي، بوصفه عاملا محوريا يمكن أن يعزّز إنتاجية كبار السن، أو يزيد من إقصائهم إذا غابت السياسات المواكبة.
فهل تُحوّل الشيخوخة الاقتصادية النظام العالمي إلى قنبلة ديموغرافية موقوتة؟
اعرف أكثر
ملاحظة: اقتصاد الفضة: يستخدم المصطلح لوصف القطاعات والخدمات والمنتجات الموجهة لكبار السن
تتوقّع البيانات الصادرة عن صندوق النقد أن ترتفع نسبة السكان الذين يبلغون من العمر 65 عاما فأكثر من 10% حاليا إلى 16% بحلول 2050، في ما يشبه "تسونامي ديموغرافي" يطال الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء.
لكن التقرير يرصد أيضا تحسنا لافتا في ما يُعرف بـ"الشيخوخة الصحية"، إذ بات الأشخاص في السبعين من عمرهم يتمتعون بقدرات معرفية وجسدية مشابهة لما كانت عليه الفئة العمرية 55 قبل 20 عاما.
وتُظهر التحليلات أن تعزيز الشيخوخة الصحية يمكن أن يرفع معدلات المشاركة في سوق العمل، ويزيد من الإنتاجية، ويطيل سنوات العمل الفعلي، خاصة إذا ترافقت هذه التحسينات مع سياسات تُزيل العوائق أمام كبار السن، مثل التمييز العمري أو غياب التدريب.
مع تقدّم الأعمار، يشير صندوق النقد إلى فجوة ملحوظة بين سن التقاعد القانوني وسن التقاعد الفعلي، ما يفاقم الضغوط على المالية العامة.
ويدعو التقرير إلى رفع سن التقاعد الفعلي تدريجيا، مع تقديم حوافز مالية وتمكين صحي ومهني، خاصة وأن رفع سن التقاعد بمقدار 5 سنوات قد يعوّض نحو ثلث التباطؤ المتوقع في النمو بين 2025 و2050.
وتواجه حكومات مثل اليابان تحديا مضاعفا يتمثل في شيخوخة سريعة ونفقات اجتماعية مرتفعة، حيث بلغت مخصصات الضمان الاجتماعي 38.3 تريليون ين في ميزانية 2025، وفق فرانس برس.
يرى صندوق النقد أن تقليص الفجوة بين الجنسين في المشاركة الاقتصادية يمكن أن يُسهم بشكل جوهري في تخفيف آثار الشيخوخة. وتشمل التوصيات دعم رعاية الأطفال، وتعديل أنظمة الضرائب، وتوسيع إجازات الأمومة والأبوة. وتشير النماذج إلى أن الجمع بين هذه السياسات الثلاث (الشيخوخة الصحية، ورفع التقاعد، وتقليص فجوة الجنسين) قد يعوّض نحو ثلاثة أرباع التباطؤ المتوقع في النمو.
وفي الصين، تسعى السلطات إلى تحفيز الزواج والولادة من خلال منح مالية، وسط تراجع متواصل في معدلات الزواج وانخفاض عدد السكان للعام الثالث على التوالي، بحسب ما أوردت فرانس برس.
يفرد صندوق النقد حيّزًا خاصًا للذكاء الاصطناعي، ويدعو إلى استثماره كأداة لتمكين كبار السن من البقاء في سوق العمل.
ويُظهر التقرير أن العاملين الأكبر سنًا ذوي الشهادات العليا يستفيدون أكثر من الذكاء الاصطناعي، خاصة في البيئات المهنية التي تشجّع على التعلم المستمر.
لكن بالمقابل، فإن غياب السياسات التدريبية يُهدد بإقصاء العمال ذوي المهارات المحدودة، ويُعمّق التفاوت داخل سوق العمل.
ولذلك، يوصي التقرير ببرامج تدريب رقمي موجهة، وتصميم أدوات تكنولوجية تراعي القدرات الجسدية والمعرفية المتغيرة مع التقدّم في العمر.
تشير تقديرات صندوق النقد إلى أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي قد ترتفع بمقدار 13 نقطة مئوية في الاقتصادات المتقدمة، و14 نقطة في الأسواق الصاعدة، إذا لم تُنفذ إصلاحات هيكلية.
وتزداد الخطورة في الدول التي تجمع بين شيخوخة سريعة وضعف في الحيّز المالي، مثل اليابان والصين وبعض دول أوروبا الجنوبية.
وفي فرنسا، أفادت فرانس برس بانخفاض عدد المواليد في 2024 إلى أدنى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية، وتزايد أعداد كبار السن الذين يعيشون في عزلة اجتماعية تامة، وهي ظاهرة تُثير القلق بشأن الضغط المزدوج على أنظمة التقاعد والرعاية الصحية.