في واحدة من أكثر الإجابات تعبيرًا عن تعقيدات المرحلة، ردّ جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، على سؤال بلينكس حول كيفية توازن الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل في المنطقة بين الضغط الاجتماعي المتزايد ومتطلبات الاستدامة المالية.
ففي ظل تعدد مستويات الغموض، من التوترات الجيوسياسية إلى الأزمات الداخلية، شدد أزعور على أن الاستقرار يتطلب إدارة متوازنة للهامش المالي، وتحولات في هيكل الحماية الاجتماعية، تبدأ من إعادة توجيه الدعم.
تأتي هذه التصريحات في وقت يشير صندوق النقد الدولي إلى دخول الاقتصاد العالمي في "حقبة جديدة"، مع تصدّع النماذج التقليدية وفقدان فعاليتها.
التقرير الأحدث يحذر من أن الأزمة لم تعد مالية فقط، بل أصبحت بنيوية ونفسية واجتماعية، تتطلب استعادة الثقة كشرط أول لأي إصلاح.
ومن آثار الحروب على الأسواق الناشئة، إلى تأثير صدمات الهجرة على نمو الدول النامية، ومن تفكك النظام المالي العالمي إلى حدود تحمّله، يضع الصندوق علامات استفهام جدية حول قدرة العالم على الاستمرار بالأدوات ذاتها.
ماذا قال أزعور لبلينكس؟
ردّ مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، جهاد أزعور، على سؤال بلينكس خلال المؤتمر الصحافي الذي عُقد اليوم الخميس 24 أبريل 2025، حول كيفية توازن دول المنطقة ذات الدخل المنخفض والمتوسط بين تلبية الحاجات الاجتماعية الملحة والحفاظ على الاستدامة المالية، في ظل تصاعد مستويات الدين وارتفاع أسعار الفائدة عالميًا.
وقال أزعور: "نحن نعيش في حالة من عدم اليقين الكبير، وقد حاولنا في تقريرنا الأخير تقييم تأثير هذا الوضع على منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى"، مشيرًا إلى أن هناك مستويات عدة لعدم اليقين: "هناك مستوى عالمي، وهناك مواقف صراع، ولكن هناك أيضا عدم يقين داخلي بالنسبة لكل بلد على حدة، وهذه أمور يجب معالجتها".
وشدد أزعور على أن "على البلدان أن تحافظ على الاستقرار، وهذا يتطلب زيادة هوامش الأمان، وبالنسبة لأولئك الذين لديهم هوامش أمان ضيقة، ينبغي تعزيز الضبط المالي لتخفيض المخاطر وحل المشكلات التمويلية، لاسيما في البلدان ذات المديونية العالية".
وأضاف أن "البلدان التي لديها هوامش أمان يجب أن تحافظ عليها وتستخدمها وقت الحاجة، فهذا أمر مهم للغاية في ظل حالة عدم اليقين المتزايدة".
كما أكد أزعور أهمية معالجة المشكلات متوسطة الأجل، بما يشمل الإصلاحات الهيكلية وتقديم إطار أكثر فاعلية للحماية الاجتماعية، من خلال "الانتقال من الدعم غير الموجّه إلى الدعم الموجّه لمستحقيه"، مشددًا على أن "هذا سيفيد كثيرًا بلدان المنطقة".
اعرف أكثر
صندوق النقد الدولي يشرح في تقريره أن النظام الاقتصادي العالمي يخضع لما وصفه بـ"عملية إعادة ضبط"، تقوده نحو "حقبة جديدة".
فقد بدأ هذا النظام، الذي استقر على مدى 80 عاما، يتفكك نتيجة عوامل متداخلة، أبرزها التوترات الجيوسياسية، وازدياد التذبذب في السياسات التجارية العالمية.
في هذا السياق، لم تعد أدوات السياسات التقليدية فعالة. فمع تصاعد التضخم، وانكماش النمو، باتت البنوك المركزية والمؤسسات المالية أمام واقع لا يمكن فهمه أو التحكم به عبر النماذج القديمة.
الصندوق يشير إلى أن هذه التغيرات لا تحدث في فراغ، بل في عالم يعاني أصلا من هشاشة هيكلية.
الثقة، سواء من قبل الأسواق أو الجمهور، تمثل العنصر الحاسم في القدرة على تنفيذ الإصلاحات وتجاوز الأزمات، وفق صندوق النقد الدولي.
في ملفي دعم الطاقة ومعاشات التقاعد، على سبيل المثال، لم يعد كافيًا اعتماد الحسابات التقنية أو المقاربات المالية وحدها. تحقيق النجاح يتطلب فهمًا معمّقًا لمزاج الرأي العام.
وقد استند الصندوق في تحليلاته إلى دراسة مليوني مقالة صحافية باستخدام الذكاء الاصطناعي، لفهم الديناميكيات النفسية والجماعية التي تؤثر على الاستجابة الشعبية للإصلاحات. والنتيجة: لا إصلاح ممكن من دون استعادة الثقة.
في ظل هذه التحديات المتشابكة، لم يعد ممكنًا فصل الاقتصادي عن السياسي أو الاجتماعي. إننا أمام لحظة مفصلية تهدد بزعزعة الأسس التي استند إليها النظام المالي العالمي منذ عقود.
وتشير تقارير صندوق النقد إلى أن استعادة الاستقرار تمر عبر مسارين متوازيين: تحديث أدوات السياسات المالية والنقدية، واستعادة ثقة المجتمعات والأسواق في آنٍ معًا.
يذكر أنه في الفصل الثاني من تقرير الاستقرار المالي العالمي، يحذّر صندوق النقد من أن الصدمات الجيوسياسية، خاصة النزاعات العسكرية، تؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار الأسهم، لا سيما في الأسواق الناشئة.
فبينما يبلغ متوسط الانخفاض الشهري للأسهم عالميا نحو 1%، يصل هذا الرقم إلى 2.5% في اقتصادات الأسواق الصاعدة، ويصل إلى 5% في حال وقوع صراع عسكري دولي، وهو ما يعادل ضعف تأثير أي حدث جيوسياسي آخر.
ويرتبط هذا الانخفاض بارتفاع في مؤشر التقلبات (VIX)، وتراجع الثقة في الأسواق، وارتفاع العزوف عن المخاطرة.
ويشير التقرير إلى أن المستثمرين يطلبون علاوات أخطار أعلى، وأن أسعار الأصول تتراجع بشكل حاد عند تحقق هذه الصدمات، خاصة في بيئات تشهد مستويات دين مرتفعة واحتياطيات منخفضة.
يحاكي صندوق النقد، في الفصل الثالث، سيناريوهين متضادين: الأول، تشديد أحادي للسياسات في دول مستقبِلة، والثاني، تعاون دولي لتقاسم الأعباء.
ويُظهر النموذج أن التعاون يؤدي إلى توازن أفضل في تدفقات الهجرة، ويخفّف الضغوط على البنية التحتية والخدمات، ويُبقي على نمو اقتصادي أعلى على المدى الطويل.
ففي سيناريو التعاون، ترتفع الإنتاجية ويزيد الاستهلاك الفردي والجماعي، مقارنة بالتشديد الأحادي الذي يُنتج خسائر في الناتج وتراجعا في الاستثمار، كما يضيف التقرير.
في ضوء ما ورد في جزء من تقرير صندوق النقد الدولي للعام 2025، تبرز العلاقة الوطيدة بين الهجرة والمخاطر الجيوسياسية بوصفها تحديا اقتصاديا متعدد الأوجه.
وبينما تواصل الدول المتقدمة وضع السياسات، فإن الاقتصادات النامية تتحمّل القسم الأكبر من التداعيات.
ومع تصاعد الصدمات وتزايد ترابط الأسواق، يصبح السؤال مركزيا: هل لا يزال النظام المالي العالمي قادرا على الصمود أمام صدمات كهذه، أم أن حدود تحمّله بدأت تظهر؟ الإجابات، حتى الآن، ليست محسومة. لكن النماذج الاقتصادية تشير إلى أن التعاون، وليس الانغلاق، قد يكون السبيل الوحيد لتفادي الانهيار.