بينما يواصل العالم مراقبة تحركات الفيدرالي الأميركي بدقة، ويزداد الجدل حول تداعيات سياسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حذّر الرئيس التنفيذي لـ"جي بي مورغان تشيس"، جيمي ديمون، من خطر محدق يلوح في الأفق: الركود التضخمي.
في لقاءات متفرقة أجراها خلال قمة "جي بي مورغان" العالمية في شنغهاي، وبين تصريحاته لبلومبرغ ورويترز وسي إن بي سي، لم يخفِ ديمون تشاؤمه إزاء مستقبل الاقتصاد الأميركي، متحدثاً عن خليط معقّد من العجز المالي، التوترات الجيوسياسية، وضغوط الأسعار، مع بقاء الفائدة ثابتة في ظل غموض كبير.
لكن اللافت أكثر كان إعلانه، رغم موقفه المتحفظ، عن خطوة جديدة للبنك الذي يقوده: إتاحة شراء البيتكوين للعملاء.
مقارنة لافتة أطلقها ديمون حين قال: "أنا لا أعتقد أنك يجب أن تدخن، لكنني أدافع عن حقك في التدخين"، في معرض حديثه عن السماح بالعملة الرقمية رغم تحفظاته عليها.
وبينما تواصل إدارة ترامب تمرير مشاريعها المالية، من قانون الضرائب الضخم إلى الرسوم الجمركية المرتفعة، تتصاعد المخاوف من أن تؤدي هذه السياسات إلى مزيد من العجز والاضطراب.
وسط كل ذلك، يطرح سؤال نفسه بقوة على طاولة الرأي العام والأسواق: هل يهدّد الركود التضخمي النظام المالي، أم يعيد تشكيله بعملة مشفّرة؟
اعرف أكثر
في حديثه أمام مستثمري "جي بي مورغان" هذا الأسبوع، أعلن جيمي ديمون أن البنك سيتيح لعملائه شراء البيتكوين، موضحاً أن العملة الرقمية ستُدرج في كشوفات الحسابات لكنها لن تُحفظ لدى البنك، وفق ما نقلت بيزنيس إنسايدر.
وأضاف ديمون: "لا أحب التنبؤات، لكنني لن أشتري ديونًا اليوم"، مشيرًا إلى أن الائتمان يمثل مخاطرة كبيرة في ظل البيئة الاقتصادية الحالية.
وكانت أسهم العملات الرقمية قد ارتفعت بالتزامن مع تسجيل البيتكوين مستوى قياسيًا جديدًا، حيث صعد سهم "كوينبيس" بنسبة 1.4% و"مايكروستراتيجي" 1.6%، و"مارا هولدينغز" 3.7%، بحسب رويترز.
أقرّ مجلس النواب الأميركي، بفارق صوت واحد، مشروع قانون الضرائب الضخم الذي طرحه ترامب، في خطوة توقعت رويترز أن تُضيف نحو 3.8 تريليونات دولار إلى الدين الفيدرالي البالغ حالياً 36.2 تريليون دولار.
وفي حين وصف جيمي ديمون مشروع القانون بأنه قد يحدث "بعض الاستقرار"، إلا أنه أكد أنه "لن يُسهم في تقليص العجز"، بحسب تصريحاته لرويترز من شنغهاي.
وأشار كبير استراتيجيي الاستثمار في "سي إف آر إيه"، سام ستوفال، إلى أن هذا القانون "سيلغي كل ما تم إنجازه سابقًا" من محاولات لخفض الإنفاق والدين.
على صعيد التجارة، قال ديمون في مقابلة مع بلومبرغ إنه لا يعتقد أن "الحكومة الأميركية تريد قطع علاقتها بالصين"، مشيرًا إلى الأمل بجولات تفاوض إضافية.
"لكن محللين ومستثمرين يرون أن الرسوم التي فرضها ترامب ستظل مرتفعة بعد انتهاء الهدنة، ما سيُقيّد الصادرات الصينية بشكل كبير"، كما ورد في بلومبرغ.
من شنغهاي، قال ديمون لبلومبرغ: "لا أتفق مع من يقول إننا في وضع اقتصادي مثالي"، مؤكدًا دعمه لموقف الاحتياطي الفيدرالي القائم على الانتظار والترقب قبل اتخاذ قرارات نقدية جديدة.
وأوضح أن رفع الفائدة قد يخنق النمو ويزيد البطالة، في حين أن خفضها قد يؤجج التضخم، وهو ما يجعل التعامل مع الركود التضخمي "الأكثر صعوبة بالنسبة للسياسة النقدية"، بحسب وصف بيث هامّاك، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، لموقع أكسيوس.
وفي ظل هذه المعطيات، حذّر جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، من أن "مخاطر ارتفاع البطالة والتضخم قد ازدادت"، وفق ما نقلته سي إن بي سي.
وقالت هامّاك إن السيناريو الأكثر ترجيحًا حالياً هو تباطؤ الاقتصاد بالتوازي مع ارتفاع الأسعار، مشيرة إلى أن السياسات الجمركية المتقلبة تشكل "عبئًا على الاقتصاد" حتى وإن لم تُنفّذ بالكامل.
أظهرت بيانات مجلس المؤتمر الأميركي أن ثقة المستهلك تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات، بينما ارتفعت مبيعات التجزئة في أبريل نتيجة التسوّق الاستباقي خوفاً من ارتفاع الأسعار، بحسب سي إن بي سي.
وفي ظل هذا الواقع، نصح الخبراء بسداد الديون ذات الفوائد المرتفعة، وتعزيز صندوق الطوارئ، وتجنّب التخزين الجماعي، مشددين على أهمية الحذر من "الشراء بدافع الذعر".
وأوضح غريغ ماكبرايد، كبير المحللين الماليين في Bankrate، أن امتلاك سيولة نقدية يمكن أن يمنع الأفراد من اللجوء إلى ديون باهظة أو المساس بمدخرات التقاعد في حال حصول طارئ.
أما على مستوى سوق العمل، فقد أشار تقرير فوربس إلى أن فترات الركود التضخمي السابقة شهدت ارتفاع البطالة إلى مستويات بلغت 10.8%، مما أثر سلبًا على الأجور، والترقيات، والمرونة الوظيفية.
وتوقعت سي إن بي سي، استنادًا إلى استطلاع مايو، أن يُقدم الفيدرالي على خفض الفائدة إذا تصاعد خطر الركود التضخمي، فيما نصح الخبراء بالتركيز على الحسابات الادخارية المرتفعة العائد.