ترامب يضرب مرتين.. رسوم مضاعفة وهجوم على ديمقراطية أوروبا
في خطوة أثارت موجة من الردود المتصاعدة عبر الأطلسي، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم من 25% إلى 50%، في قرارٍ وصفه الاتحاد الأوروبي بأنه "يقوّض الجهود التفاوضية" ويزيد من حالة الغموض في الاقتصاد العالمي.
القرار الذي صدر في بنسلفانيا لم يكن مجرّد تعديل اقتصادي، بل رافقته تحركات سياسية أكثر عمقًا تمثّلت بتصعيد لافت من وزارة الخارجية الأميركية ضد القيم الديمقراطية في أوروبا، عبر إنشاء "مكتب الحقوق الطبيعية" وتوجيه اتهامات مباشرة لدول أوروبية بتقييد حرية التعبير.
فهل تحوّلت أوروبا من شريك إلى خصم في حسابات واشنطن؟ وهل أصبحت الديمقراطية الأوروبية هدفًا جديدًا في معركة ترامب؟
من الرسوم إلى العقوبات.. المواجهة التجارية تتصاعد
أعلن ترامب الجمعة عن مضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50%، مؤكدًا خلال تجمع في مصنع تابع لشركة U.S. Steel في ولاية بنسلفانيا أن هذه الخطوة ستعزز الصناعة الأميركية، وقال: "عند نسبة 50%، لن يتمكنوا من تجاوز الحاجز".
وردّت المفوضية الأوروبية بالقول إنها "تأسف بشدة" لهذا القرار، مضيفة أنه "يزيد من حالة الغموض التي تكتنف الاقتصاد العالمي، ويرفع التكاليف على المستهلكين والشركات على جانبي الأطلسي"، وفق ما جاء في بيان عبر البريد الإلكتروني.
وأكدت المفوضية أن الاتحاد الأوروبي علّق تدابيره المضادة في 14 أبريل لإتاحة المجال للمفاوضات، لكنه بات مستعدًا لتفعيلها تلقائيًا في 14 يوليو، أو في وقت أقرب إذا اقتضت الظروف. وأفادت بأن مشاورات نهائية تُجرى حاليًا لتوسيع هذه التدابير، وفق سي إن بي سي.
غضب بريطاني وكندي.. وارتباك في السوق عبر الأطلسي
في المملكة المتحدة، وصفت مجموعة "UK Steel" التجارية القرار الأميركي بأنه "ضربة موجعة جديدة" لصناعة الصلب، محذرة من احتمال إلغاء أو تأجيل بعض الطلبيات، بما في ذلك شحنات كانت في طريقها إلى الولايات المتحدة.
وقال المدير العام للمجموعة، غاريث ستايس، إن الاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء، كير ستارمر، مع ترامب لم يُنجز بعد، وإن التصعيد الأميركي يفاقم من حالة الفوضى في القطاع، وفق بي بي سي.
في كندا، وصف المدير الوطني لاتحاد عمال الصلب الأميركيين، مارتي وارن، القرار بأنه "هجوم مباشر على الصناعات والعمال الكنديين"، مطالبًا برد فوري لحماية الوظائف والمجتمعات المرتبطة بهذا القطاع.
التجارة تنكمش.. فهل تحقق الرسوم هدف ترامب؟
أظهرت تقديرات أولية من وزارة التجارة الأميركية أن العجز التجاري في أبريل تقلّص إلى نحو نصف مستواه في مارس، نتيجة انخفاض بنسبة تقارب 20% في الواردات، في أول مؤشر ملموس على تأثير الرسوم الجديدة.
وكانت الشركات والمستهلكون قد سارعوا إلى تخزين البضائع قبل سريان الرسوم، مما دفع العجز إلى مستوى قياسي في مارس، قبل أن يتراجع لاحقًا.
ورافق ذلك تباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي، فيما واصل التضخم انخفاضه، ليقترب من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2٪، حسب بوليتيكو.
تشكيك أميركي بـ"ديمقراطية أوروبا".. من الخارج إلى الداخل
في موازاة التصعيد التجاري، بدأت الخارجية الأميركية بإعادة تشكيل خطابها تجاه أوروبا، حيث أعلنت عن إنشاء "مكتب الحقوق الطبيعية" لمراقبة ما وصفته بـ"تراجع حرية التعبير" في القارة، وأرسلت وفودًا لمراجعة سياسات الدول الأوروبية.
واتهم وزير الخارجية، ماركو روبيو، مسؤولين أوروبيين باستهداف مواطنين أميركيين عبر ممارسات رقابية على وسائل التواصل الاجتماعي، ترافقت مع إعلان سياسة جديدة لتقييد منح التأشيرات.
وفي مقال نُشر عبر منصة Substack، اتهم موظف رفيع في الخارجية الأوروبية بأنها "بؤرة للرقابة الرقمية والهجرة الجماعية والقيود على الحريات الدينية"، وفق واشنطن بوست.
مسار مفتوح بين التصعيد والمواجهة
رفضت شخصيات أوروبية بارزة الاتهامات الأميركية، مشيرة إلى أن إدارة ترامب نفسها تواجه انتقادات بشأن حرية التعبير وعدم احترام القضاء.
وقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن تصريحات نائب الرئيس الأميركي شكّلت حافزًا جديدًا لوحدة أوروبا، مؤكدًا أن الحرية والديمقراطية "تستحقان الدفاع عنهما، والقتال من أجلهما إذا لزم الأمر"، وفق واشنطن بوست.
وفي ظل استمرار الغموض بشأن تفاصيل الاتفاقات التجارية، وتزامن الإجراءات الاقتصادية مع هجمات سياسية على الحريات في أوروبا، يبقى المسار مفتوحًا أمام مزيد من التصعيد. الاتحاد الأوروبي حدد موعد 14 يوليو لتفعيل ردوده، بينما تواجه إدارة ترامب تحديات قضائية داخلية مرتبطة بشرعية فرض الرسوم.
وفي وقت تسعى بريطانيا لإعفاء نفسها من الإجراءات، وتراقب كندا تأثيراتها على العمال، لا تزال تداعيات القرار الأميركي تتكشف اقتصاديًا وسياسيًا على جانبي الأطلسي.