ترامب "يهدد" الفدرالي.. والدولار يدفع الثمن
فاجأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأوساط المالية بإشارات متزايدة إلى نيّته الإعلان المبكر عن خليفة رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول.
فبينما كان يُفترض أن تستمر ولاية باول حتى مايو من العام المقبل، بات السيناريو الأقرب هو أن يُعلن اسم خلفه في سبتمبر أو حتى قبل ذلك، كما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلاً عن مصادر مطّلعة.
هذه الخطوة تُعيد إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول مدى استقلالية السياسة النقدية الأميركية، وحول ما إذا كان الفدرالي سيتحوّل إلى أداة سياسية في يد الرئيس الأميركي، حسب خبراء.
ترامب، الذي سبق أن وصف باول بـ"الفظيع"، لا يخفي رغبته في تعيين رئيس جديد أكثر تجاوبًا مع توجهاته بشأن خفض الفائدة، ولو قبل نهاية الولاية الرسمية.
ومع تصاعد هذا التوجه، بدأت الأسواق في التقلب: الدولار يضعف، الذهب يصعد، وعوائد السندات تتراجع.
الأسماء التي يدرسها ترامب لتولّي المنصب عدة مثل كيفن وورش، وسكوت بيسنت، وديفيد مالباس.
وفيما تتعاظم الضغوط على باول، يُحذّر خبراء من أن الضغط المسبق لإضعاف سلطته قد يضرب ثقة المستثمرين بالسياسة النقدية ويزيد من تقلبات السوق.
فهل نحن أمام مسار تصادمي يُخرج الفدرالي من موقعه المستقل؟ أم أنها مجرد مناورات سياسية مؤقتة؟
ترشيح مبكر أم تدخّل مبكر؟
منذ مطلع يونيو، بدأت تتسرب إلى الصحافة معلومات حول نية ترامب تعيين خلف مبكر لرئيس الفدرالي جيروم باول، رغم أن ولايته الرسمية تمتد حتى مايو 2026.
وفيما نقلت "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطّلعة أن ترامب يدرس إعلان الاسم بحلول سبتمبر أو أكتوبر، نقلت أيضًا أن بعض المقرّبين منه يدفعون باتجاه تسريع الإعلان إلى هذا الصيف، نتيجة غضبه مما يراه تباطؤًا من باول في خفض أسعار الفائدة.
الأسماء المطروحة تشمل الحاكم السابق في الفدرالي كيفن وورش، ورئيس المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، والرئيس السابق للبنك الدولي ديفيد مالباس، وعضو مجلس الاحتياطي كريستوفر والر.
وفي حين أن بعض هذه الأسماء أبدى تحفظًا على المنصب، فإن وورش على وجه التحديد وصف الخطوة بأنها "محاولة لجعل باول بطة عرجاء". لكن الإعلان المبكر لا يخلو من أخطار، إذ يمكن أن يضعف مصداقية الخلف المنتظر.
الدولار يضعف.. فهل فقد هيبته؟
مع تصاعد الحديث عن تدخل رئاسي في قيادة الفدرالي، شهد الدولار الأميركي تراجعًا واسعًا هذا العام، حيث انخفض مؤشر الدولار بنسبة تقارب 10%، بحسب بيانات نقلتها سي إن إن.
وسجل المؤشر أدنى مستوى له منذ عام 2022، رغم تعافي الأسهم وثبات نسبي في الطلب على السندات.
اللافت أن هذه التراجعات جاءت رغم سياسات ترامب التي يُفترض أن تدعم الدولار، مثل خفض الضرائب وفرض التعريفات الجمركية على الواردات.
لكن تقلب هذه القرارات، وتبدل موقف الإدارة مرارًا بين التصعيد والتراجع، أضعف الثقة الدولية بالدولار، حسب ما أشار إليه أستاذ الاقتصاد باري إيتشينغرين.
ورأى أن "الغموض السياسي" هو العامل المهيمن على الأسواق هذا العام، ما دفع المستثمرين إلى إعادة النظر في مكانة الدولار كعملة ملاذ آمن.
الذهب يصعد والسندات تتراجع.. الأسواق في حالة إنذار
في ظل تصاعد الغموض النقدي، اتجه المستثمرون نحو الذهب الذي يُعد ملاذًا تقليديًا، فارتفع سعره في المعاملات الفورية إلى 3339.2 دولارًا للأونصة، صباح الأربعاء، وفق بيانات نقلتها سي إن بي سي ورويترز.
كما صعدت العقود الآجلة الأميركية للذهب إلى 3353.1 دولارًا. وجاء هذا الصعود مدفوعًا بتراجع الدولار، ومخاوف من مستقبل استقلالية الفدرالي.
وفي المقابل، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية، حيث انخفض العائد على سندات الـ10 سنوات إلى 4.27%، وسندات السنتين إلى 3.76%، والـ30 عامًا إلى 4.82%.
ويشير هذا إلى عزوف المستثمرين عن الأصول الحكومية وسط تنامي الشكوك حول استقرار السياسة النقدية، في ظلّ تصاعد الانتقادات التي يوجهها ترامب لباول.
وفي شهادته أمام مجلس الشيوخ، حذّر باول من أن سياسات ترامب الجمركية قد تؤدي إلى زيادة مؤقتة في الأسعار، لكنه أشار إلى أن خطر التضخم المستمر كافٍ لتوخي الحذر بشأن أي تخفيض جديد للفائدة.
أزمة ثقة.. من الفدرالي إلى صورة أميركا الاقتصادية
انعكاسات هذا المشهد لم تتوقف عند الداخل الأميركي، بل طالت صورة الولايات المتحدة كوجهة استثمارية عالمية. فقد وصف أرون ساي، كبير استراتيجيي الأصول في "بيكتيه"، الوضع الراهن بأنه "أزمة ثقة"، وأكد أن تقلبات ترامب في سياسات التعريفات "أضرت بثقة المستثمرين في الدولار".
وفي أبريل الماضي، تراجعت الأسهم والسندات والدولار الأميركي بشكل متزامن، وهو ما وصفه ساي بالأمر النادر، ويعكس قلق الأسواق من غياب الاستقرار في صنع القرار.
كما أظهر استطلاع أجراه "بنك أوف أميركا" في يونيو أن تعرّض مديري الصناديق العالميين للدولار بلغ أدنى مستوياته منذ عام 2005.
في المقابل، جذبت أوروبا انتباه المستثمرين، إذ ارتفع اليورو بنسبة 11.5% مقابل الدولار منذ بداية العام، مدفوعًا باستقرار سياسي نسبي، وفق ما أفاد به جايسون بلاكويل من Focus Partners Wealth.
وأوضح أن تنويع المحافظ خارج الولايات المتحدة بات خيارًا منطقيًا في ظل هذا المناخ الغامض.
كل ذلك يأتي في وقت تترقب فيه الأسواق بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، وسط حالة من الترقب الشديد وسط تصاعد التوتر بين البيت الأبيض والفدرالي.