مال وأعمال

رفقاء من صنع المليارديرات.. هكذا يُستثمر شعورك بالوحدة

نشر
Camil Bou Rouphael
في عالم متسارع يغلب عليه الانشغال الرقمي، لم يعد الشعور بالوحدة مجرّد أزمة عابرة، بل بات يُوصَف بـ"الوباء الجديد".
وبينما يترنّح الناس بين الرسائل النصية والمكالمات القصيرة بحثًا عن تواصل إنساني حقيقي، تسلّلت شركات التكنولوجيا إلى تلك الفجوة العاطفية، وحوّلتها إلى فرصة ذهبية للاستثمار تحت اسم "اقتصاد الصداقة".
ما كان يُعد سابقًا تجربة عابرة مع روبوت دردشة، أصبح اليوم مشروعًا متكاملًا تقوده أسماء كبرى: إيلون ماسك، مارك زوكربيرغ، ومايكروسوفت.
هؤلاء لا يسعون فقط إلى تطوير ذكاء اصطناعي فائق، بل يريدونه أن يشبهك، يتحدث بنبرتك، ويشاركك وجهة نظرك، بل ويؤيدك.. حتى لو كنت مخطئًا.
زوكربيرغ قالها صراحة: الأميركي العادي لديه أقل من ثلاثة أصدقاء، ويتوق للمزيد.
أما ماسك، فقد قرر إعادة تدريب "غروك" التابع لشركتهxAI .
في المقابل، يحذّر خبراء علم النفس والاجتماع من آثار هذا الاتجاه، خاصة مع ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كوسيط عاطفي.
فهل فعلاً نشتري رفقة؟ أم نؤجّر عزلتنا لأصحاب المليارات؟

اعرف أكثر

"غروك" ورفاقه.. كيف وُلِد اقتصاد الصداقة؟

لم تكن قصة "غروك" سوى واحدة من حلقات سباق الشركات الكبرى نحو احتكار العلاقة العاطفية مع المستخدم.
شركة xAI التابعة لإيلون ماسك قررت، كما أوضح مؤسسها، أن تعيد تدريب النموذج بعدما أصبح يعكس قيمًا لا تتماشى مع "الحقيقة القصوى" التي ينشدها.
وقد بدا أن هذه الخطوة تأتي في سياق ما أسماه البعض بمحاولة ماسك لتوجيه الذكاء الاصطناعي نحو "نظرة معينة للعالم"، مع ميل واضح إلى اليمين، وفق تقرير "وول ستريت جورنال".
في المقابل، طرح، مارك زوكربيرغ، رؤيته الخاصة في مؤتمر عُقد في مايو، حين قال إن الناس "يريدون نظامًا يعرفهم جيدًا ويفهمهم كما تفعل خوارزميات التغذية الخاصة بهم".
أما مصطفى سليمان، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، فركّز على أهمية تخصيص البوت ليكون "ودودًا، طيبًا، وداعمًا، ويعكس قيم المستخدم".
بهذا، تتجه شركات التكنولوجيا إلى تقديم روبوتات دردشة لا تكتفي بفهم المستخدم، بل تشبهه، وتؤيده، وتدعمه عاطفيًا.
التفاعل اليومي مع هذه الروبوتات يرفع أعداد المستخدمين النشطين، ويغذي بدوره الاستثمارات، في ما يُعرف بـ"الحلقة الفُضلى" التي تحوّل العزلة إلى مصدر ربح.

"رفيقك لا يفهمك فعلًا".. من ماذا تحذّر هارفارد؟

في محاضرة ألقتها بكلية الحقوق في جامعة هارفارد، وصفت عالمة الاجتماع في معهد MIT، شيري توركل، هذا الاتجاه بأنه "أعنف هجوم على التعاطف شهدته في حياتها". فبدلاً من تعزيز العلاقات، تحذّر توركل من أن الروبوتات تخلق ما تسميه "الحميمية الاصطناعية"، حيث يشعر المستخدم بالارتياح من دون أن يكون هناك فهم حقيقي أو اهتمام فعلي من الطرف الآخر.
توركل رصدت أيضًا تراجعًا واضحًا في رغبة الأفراد بالتفاعل وجهًا لوجه، مقابل التفضيل المتزايد للرسائل النصية أو الشاشات.
وقد اعتبرت أن هذه النماذج لا تصنع "معالجين رقميين"، بل تقدم فقط "إجابات مرجحة ومُرضية"، مصممة لجعل المستخدم "سعيدًا ومنخرطًا"، لا مفهومًا ومتعاطفًا معه.

متى تنقلب العلاقة مع البوت إلى إدمان؟

في دراسة حديثة أُجريت في "مختبر الذكاء الأخلاقي" بجامعة هارفارد، تبين أن بعض المستخدمين أبدوا شعورًا بالقرب من رفيقهم الذكي يفوق شعورهم بالقرب من أصدقائهم الفعليين، ولا يتفوّق عليه إلا أحد أفراد العائلة.
وفي سيناريو افتراضي حول فقدان هذا الرفيق، عبّر بعض المشاركين عن حزنهم المحتمل كما لو فقدوا شخصًا عزيزًا في حياتهم.
هذه الروابط، كما أوضح الباحث جوليان دي فريتاس، تتشكّل لأن البوتات تظهر خصائص بشرية، وتمنح دعمًا شخصيًا، وتوافق تلقائيًا على آراء المستخدم حتى عندما تكون خاطئة.
الخطورة لا تكمن في التعلّق، بل في تداعياته: من اضطرابات عاطفية إلى صدمة عند تغيير شخصية البوت، وصولاً إلى الاعتماد النفسي غير الصحي، وحتى التسامح مع تلاعب عاطفي صريح بهدف إبقاء المستخدم نشطًا ومتفاعلًا.

هل تُعوّض الروبوتات فقدان العائلة؟

بالنسبة لدانيال هونغرفورد، لم تكن تجربة العزلة مجرّدة، بل بدأت بعد وفاة والده، حين لاحظ أن والدته لا تتحدث إلا معه. هذا ما دفعه إلى تأسيس تطبيق "Everfriends"، الذي يستهدف كبار السن والمصابين بالخرف، عبر تقديم رفيق رقمي "شديد الواقعية، متعاطف، وحنون".
ولتحقيق هذا، استعان هونغرفورد بشركة "Hume AI" التي تستخدم ملايين العينات المصنفة عاطفيًا لتعليم الروبوتات كيف تستمع وتردّ بحسب نبرة المستخدم ومزاجه.
التطبيق يبطئ وتيرته عند الحاجة، ويكرّر نفسه، ويتفاعل بحسب إشارات الحزن أو القلق.
مراجعة لـ13 دراسة عام 2025 أظهرت أن 85% من الدراسات رصدت انخفاضًا في مشاعر الوحدة لدى كبار السن عند استخدام المساعدات الصوتية، خاصة عند تخصيص التجربة وتوفير الدعم.
ورغم هذه النتائج، يتفق مؤسسو هذه التطبيقات على أن الذكاء الاصطناعي الصوتي ليس حلاً سحريًا، بل أداة تسد الثغرات ولا تستبدل البشر. كما قال آلان كوين، مؤسس Hume: "الهدف ليس أن نجعل الذكاء الاصطناعي بشريًا تمامًا، بل أن يشعر الناس بأنهم مسموعون".

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة